صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

انتقال من عملية الانتقال

إرشيف

شارك هذه الصفحة

في 25 أكتوبر من العام الماضي، أعلن قائد الجيش من الخرطوم عن انقلابه العسكري والانقضاض على الوثيقة الدستورية التي خولت للجيش وقوى الحرية والتغيير إدارة الفترة الانتقالية معا، لمدة (3) سنوات على الأقل.

قبل ذلك سعى، وبأشد وسائل الضغط، لتكبيل وإحراج شركائهم المدنيين تمهيدا للانقلاب وخنق الحكومة الانتقالية اقتصاديا بإغلاق ميناء بورتسودان الرئيسي، وغير ذلك من العقبات. وإجمالا، سعى لإضعاف الحكومة الانتقالية ومحاولة إفشال مهامها بالتغول على صلاحيتها في بعض المرات. ويشهد على ذلك تأجيل عمليات بالغة الأهمية بالنسبة للفترة الانتقالية، مثل إصلاحات القطاع الأمني، وتكوين المجلس التشريعي الانتقالي والمفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية (2019).

عصر 25 أكتوبر، كان كل شيء مكتملا بالنسبة للبرهان فأذاع بيانه، وأنهى بذلك واحدة من عمليات الانتقال الواعدة؛ إذ كان يناط بها النهوض بعملية سلام جدية وتحول اقتصادي حقيقي لبلد منهار ويعاني الاقتتال، وظل فيه جهاز الدولة عالة على الموارد في البلاد.

قال البرهان في البيان المذاع يومها عبر التلفزيون الرسمي إن انقلابه كان بسبب “تشاكس القوى السياسية وتكالبها نحو السلطة”، وكان هذا كافيا بالنسبة له للانقلاب. وسمى انقلابه “تصحيحا لمسار ثورة ديسمبر”.

ومنذ ذلك اليوم، كانت الكلفة عالية على البلاد: أكثر من 150 شهيدا من الثوار السلميين الرافضين لانقلابه، وآلاف الجرحى، وإلغاء كامل لقرارات اللجنة القانونية الخاصة بتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وفوق ذلك، تأخير في النمو الاقتصادي المتوقع.

أمس عاد البرهان ليوقع مرة أخرى مع قوى الحرية والتغيير على (اتفاق سياسي إطاري)، يمهد لعملية انتقال سياسي مدته 24 شهرا.

وحتى الآن تظهر قوى الحرية والتغيير حماسة للمضي في الاتفاق والتوقيع عليه في يوم بعد غد، الاثنين، وتأمل أن تحشد له التأييد من قوى الثورة الرافضة لأي تفاوض أو اتفاق مع قائد جيش تعتبره “غير مؤتمن”.

لكن عودة البرهان عبر هذا الاتفاق ربما تجعل عملية الانتقال أكثر صعوبة مما كانت عليه، وتنقله إلى انتقال مغاير، إذ عاد وهو يتأبط أحلافا، ظاهرة ومستبطنة، (كتلة انتقال) بناها خلال شهور انقلابه: طبقة من القادة العسكريين والحركات المسلحة، وقوى السوق التجاري والاستهلاكي الذي أوجده (المؤتمر الوطني) إبان سنوات حكمه، مع الكثير جدا من الإدارات الأهلية التقليدية والأحزاب وبيوتات الطرق الصوفية التي لها تاريخها الطويل في دعم الأنظمة الشمولية، وبالتالي، لم تكن في يوم ما جزءا من ثورة ديسمبر. فهل هذا هو المسار التصحيحي الذي عناه قائد الجيش؟ في الغالب. نعم! وسيعود معه الأمر ليكون مشابها لما حدث لتجربتي الانتقال الديمقراطي السابقتين في السودان، 1964، 1985.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *