صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

هل من ضرورة للاتفاق الإطاري؟

أم درمان 30 يونيو

شارك هذه الصفحة

بالأمس (5 ديسمبر)، وقعت قوى إعلان الحرية والتغيير، اتفاقية سياسية إطارية مع المكون العسكري، الذي رفضت الجلوس معه منذ 25 أكتوبر تاريخ الانقلاب، في خطوة سياسية يتخذ البعض منها موقف الرفض القاطع، أو موقف القبول الكامل.

كل من هذين المواقفين لا أرى أنها تتخذ الجانب الصحيح من الفعل السياسي الذي قامت به الحرية والتغيير؛ لأن مواقفها إما كانت مواقف رافضة للمضمون أو رافضة للجهات التي صاغت ووضعت هذا المسار السياسي، لذلك المحاججة التي توضع في الفضاء العام أمام المتلقي تبدو إشكالية وضعيفة في بلورة خيارات سياسية من خلال نقد الاتفاق، ومحاولة فتح الأفق أمام خيارات جديدة؛ لأن السياسي حسب المفكر (كارل شمت) “ظاهرة السياسي لا يمكن فهمها إلا بنسبها إلى إمكانية الاصطفاف الواقعية على أساس العدو والصديق”.

تسعى هذه الأسطر إلى توضيح العدو والصديق في خطوة الاتفاق تاسياسي الإطاري، ومن ثم مقاربة هذه النظرة إلى بردايم الفعل الذي قامت من خلاله قوى إعلان الحرية والتغيير، كمنظومة سياسية، بالتوقيع على الاتفاق، في خطوة يمكن وصفها بأنها ستعيد الاصطفاف السياسي، وإعادة وضع خارطة جديدة للقوى السياسية؛ لأن أي فعل أو خطوة سياسية لا يمكن قراءتها من خارج لعبة المصالح والمكتسبات السياسية .

إن مضمون الاتفاق السياسي الإطاري الذي اطلعت عليه لا يوجد عاقل يمكن أن يرفضه، فالبنود الأساسية التي حددت الخطوط العامة لهذا الاتفاق، جيدة لما هو سياسي ومفيدة لمسار الانتقال؛ حيث ينادي الكل، بكل تأكيد، بضرورة  تنقية الجيش من أي وجود سياسي حزبي، وعلى أن القوات المسلحة تتخذ عقيدة تلتزم بالقانون والدستور وتقر بالنظام الديمقراطي، والإقرار بمبدأ العدالة والمحاسبة وحظر تكوين المليشيات العسكرية، حسنا! طالما أن هذا جيد لماذا اتخذنا الموقف السلبي كما هو منشور في مقال الأمس؟

يأتي الرفض من ثلاثة مواقف أساسية، يمكن تقسيمها وتفريعها، ولكن سأكتفي بالمهمة التي يحاول المقال أن يظهرها للقاريء. الموقف الأول هو أن الحرية والتغيير اتخذت من تجربتها السابقة أساسا لهذا الفعل السياسي، فهي لم تخلق شرطا سياسيا من خلاله يمكن أن تنفي أي  محاولة للعودة إلى ذات الشروط التي شكلت الوثيقة الدستورية، مما يعني أنها تسبح في ذات فلك المراهقة السياسية في القبول بالخيارات السياسية، وهو ما سينعكس على بلورة إرادة سياسية لا يمكنها أن تحقق أي انتقال للسلطة؛ فلا معنى أن نتفق على خروج الجيش من السياسة وأن يكون في موضع دستوري معين؛ لأنه من البديهي أن (يهتف البرهان في حفل التوقيع: العسكر للثكنات)، ولكن أي طريق يمكن أن يعيد البرهان إلى ثكناته؟ هو السؤال الذي لم تجيب عليه الحرية والتغيير، ولن تجيب عليه! لأنه عندما صرح البرهان بخروجه من العملية السياسية بإرادته، في يوليو الماضي، رفضت الحرية والتغيير هذا الأمر مما يعني أننا أمام تمفصل واضح لمن هو (صديق). 

لأن برهان في خطابه بمعسكر (حطاب- نوفمبر المنصرم) بدأ وكأنه يلوح بمساومة ستكون مع الحرية والتغيير، وأنه اكتفى بحق الجيش الذي شاءت الظروف والشروط أن يحمله حملا إلى الانقلاب، ووفق قانون القوات المسلحة للتدخل في حماية البلاد كما ادعى. إذن، ما الذي يجعل من الحرية والتغيير تعود للجلوس؟ فهي لم تقم بعملية سياسية واضحة، في المقام الأول، وإنما أديرت العملية السياسية في غرف مغلقة بعيدا عن الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي يتموضع فيها المواطن، مما يعني انغلاق وتضيق على محاولة الإصلاح، وفق شروط وخطوط تأتي من المجتمع وأصحاب المصلحة في بلورة عملية سياسية جديدة، وهذا هو المنطق في تعريف العدو والصديق لتحديد ماهية ما هو سياسي.

إن كانت الحرية والتغيير، وفق الاتفاق الإطاري، قد حددت من هو صديق ومن هو عدو، فأعتقد أنه من الفخ والإشكالية بمكان، اتخاذ ذات الموقف بناء على الاتفاق وفعلها السياسي، بل يجب أن يتجاوز تحديد الموقف إلى القضايا والعملية التي من خلالها نصل إلى حلول لهذه القضايا، فمثلا كان الموقف من مواثيق لجان المقاومة في كتابات متعددة نشرتها، أن أي ميثاق لا يأتي بعد عمليات إصلاحية وترتيب داخلي للجان المقاومة سيكون مصيره الفشل، لذلك الموقف من المضمون يأتي وقته عند تصميم العملية السياسية، وهذه هي النقطة الثانية في الموقف من الاتفاق الإطاري والذي يجعله من غير جدوى حاليا، وإعادة سيناريو الوثيقة الدستورية (2019).

إن الحرية والتغيير بذلك تسعى إلى ضمان السلطة، وأن تطبع هي مع أجهزة احتكار العنف وتكون صديقة لها، ومن ثم تشرع في تحديد الشروط السياسية التي تأتي بعد ذلك، وهو ما تعارفنا عليه في الوثيقة الدستورية، ومن ثم أتت اتفاقية السلام (أكتوبر 2020)، لذلك ستختلف الشروط مباشرة مع توقيع فاعلين جدد، وهو ما يعيدنا إلى سيناريوهات رسم جديد للفترة الانتقالية، ومن هنا نريد أن ننظر إلى الإرادة السياسية، والتي هي نقطتنا الثالثة في تحديد الموقف من الاتفاق الإطاري وضرورياته، لم تتشكل الإرادة السياسية للحرية والتغيير، لذلك قال البرهان، بعد ساعات، إنه “توافق لا اتفاق”، إن كان توافق فما الذي كنتم تختلفون عليه من 25 أكتوبر؟ 

قد تكون الإجابة في العملية السياسية التي قادتها الرباعية ووقفت البعثة الأممية موقف المتفرج على الخطوات السياسية التي قامت بها دول الرباعية، والتي هي في الأساس جاءت نتيجة لضعف الآلية في استيعاب اختلافات القوى السياسية، لذلك كان لابد أن تكون الرباعية هي المسار الذي اتخذته من أجل (إجبار) قوى الحرية والتغيير على التوقيع، وهو ما يمكن ربطه بموقف مبعوث وزير الخارجية الأمريكي للقرن الإفريقي المستقيل حينها من الحاضنة السياسية لحكومة عبد الله حمدوك.

بذلك تكون الحرية والتغيير قد غيبت الإرادة الوطنية التي تضمن لأي اتفاق سياسي أن يمضي إلى مصلحة المواطنيين السودانيين في الاستمرار. وبكل تأكيد هذا ليس أول اتفاق يكون فيه الخيار الخارجي مغلب على الإرادة الداخلية، ويفضي إلى شروط جديدة للسلطة؛ فهناك اتفاقية السلام الشامل (2005) والتي جاءت بعد ضغط ومساومات أمريكية من أجل توقيعه، وانتهى بتفكك السودان إلى دولتين، لكل واحدة منها موقفها مذر أكثر من الأخرى في جميع مناحي الحياة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *