صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

التغيير الجذري أم الإطاري والسلطة؟

شارك هذه الصفحة

كان (مقهى رتينة) في منطقة بري، الخرطوم، مسرحا لمناقشة نظمها (تجمع وشبكة مهندسي جامعة الخرطوم)، حول طرق الوصول للانتقال الديمقراطي، ضمت القيادي في الحزب الشيوعي، طارق عبد المجيد، والقيادي في حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر يوسف، استهدفت المناقشة بشكل أساسي طرح وجهتي النظر المختلفتين لكلا الحزبين حول الطريق الأمثل لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الانتقال المدني الديمقراطي، وتزامنت المناقشة مع عملية احتجاجية كان يشهدها محيط المكان، ضد ما توصف بسياسات التجويع والإفقار التي تنفذها الحكومة الانقلابية.

وأحاطت سحب الغاز المكان طوال انعقاد المناقشة، وواجه المشاركون صعوبات في الوصول ، بينما كانت أصوات القنابل الصوتية تخرق أسماع سكان المنطقة.

وعلى ما بدا فإن سخونة الأجواء في الخارج انتقلت للداخل، حيث يرى خالد عمر يوسف أن أكبر ما يهدد المسار الحالي للانتقال، عبر الاتفاق السياسي الإطاري، هو أن القوى التي تدعمه تشغل نفسها بانقساماتها الداخلية وترفض تقديم تنازلات لبعضها البعض، بما يقسم صفها الداخلي ويحول التوازن لمصلحة قوى الاستبداد، وهو ما لا يخدم مشروع التحول المدني الديمقراطي.

ويعتقد أن سقوط رأس النظام وبقاء النظام نفسه، خلق حالة جديدة من توازن القوى، وفرض على الحركة المدنية الديمقراطية أن تواصل نضالها من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوداني، وتنفيذة أجندة الانتقال، بدعم من الوثيقة الدستورية الموقعة 2019 التي مثلت أداة وسلاح إضافي في يد الحركة.

 بالنسبة ليوسف فإن عملية الانتقال نفسها كانت عبارة عن معارك تم خوضها قبل أن تواجه انتكاسة رئيسية تمثلت في انقلاب 25 أكتوبر، والذي كانت بوابته الرئيسية إدراك العسكريين أن المسار الانتقالي منذ توقيع الوثيقة الدستورية 2019 وعمل المؤسسات، كان سيؤدي بوضوح لديمقراطية لا استبداد، لذلك قرروا قطعه بقوة السلاح.

واعتبر أن حتى ذلك الانقلاب ليس مشكلة ولا نهاية التاريخ، لأنه ولد حركة ديناميكية جديدة، وأكد على أن توازن القوى كان لصالح الحركة المدنية الديمقراطية، لأن الشعب خرج لمقاومته فورا، ولأن المجتمع الدولي والإقليمي كان ضد الانقلاب وكان يدعم مطالبها، ما أكد أيضا أن لهذه الحركة عناصر قوتها، بينما كان يعاني الانقلاب من عناصر الضعف، منها الانقسام في داخله والعزلة الداخلية والخارجية.

وأشار يوسف إلى أن توازن القوى لم يستمر على هذا الحال، ليس لأن العسكريين نجحوا في اكتساب مواقع قوة جديدة، بل لأن الحركة المدنية الديمقراطية أخطأت أخطاء رئيسة بالوقوع في الانقسام.

وشدد على أن الانقسامات الداخلية في هذه الحركة هي التي أخلت بتوازنات القوى، لتصبح بين طرفين كلا منهما لديه عناصر ضعف، بعد أن استنفذت قوى الثورة طاقاتها في التباين وكأن الانقلاب سيسقط  لوحده.

ووفقا للتوازن الحالي يتطلب استرداد المسار المدني الديمقراطي لابد من استخدام ثلاث أدوات تتكامل مع بعضها البعض وليست جديدة على حقل السياسة في السودان، وهي الضغط الشعبي الجماهيري، الحل السياسي التفاوضي، الضغط الدولي الإقليمي، واستخدام هذه التكتيكات هو ما أنتج الاتفاق السياسي الإطاري.

وقال إن الاتفاق أفضل من الوثيقة الدستورية في نواحي عديدة، فهو لا ينص على شراكة بين المدنيين والعسكريين، بل ينص على سلطة مدنية كاملة في مستوياتها الثلاثة، كما تناول الإصلاح الأمني والعسكري والدمج بوضوح، ونص على إشراف الحكومة المدنية على هذه القوى والأجهزة.

“هو ليس الأمثل، بل وفقا لمسار التراكم هو عتبة، وتوقيعه لا يعني استرداد المسار المدني، هذا بحاجة تراكم مستمر لا يحدث في يوم واحد”.

ورأى أن الطريق يواجه بمهددات عديدة، أكبرها أن القوى التي تدعمه تشغل نفسها بانقساماتها الداخلية وترفض تقديم تنازلات لبعضها البعض، بما يقسم صفها الداخلي ويحول التوازن لمصلحة قوى الاستبداد، وهذا لا يخدم مشروع التحول المدني الديمقراطي.

ووفق طارق عبد المجيد، فإن النقطة الجوهرية ليست تعدد المشاريع، ووجود مشروعيين مختلفين أو حتى ثلاثة مشاريع، بل هو العمل على إقامة دولة تقدم للمواطن السوداني ما يستحقه لا غير.

وأشار إلى أن مهمة القوى السياسية طرح مشروعاتها السياسية على المواطنين، والتعهد بتنفيذها عند الوصول إلى السلطة، وهو أساس العملية الديمقراطية؛ لأن الأحزاب وسيلة وليست غاية لذاتها، وعندما تعجز عن طرح مشاريع يقبلها الشعب ينتج برامجه وتنظيماته التي تقوده للأمام.

وقال إن معركة الانتقال لم تبدأ لدى الحزب الشيوعي مع ثورة ديسمبر 2018، بل بدأت عشية استقلال السودان 1956 م عندما رأى الحزب أن الاستقلال السياسي الذي تحقق، يجب أن يتبعه استقلال اقتصادي واجتماعي وثقافي، بينما كان يطرح الآخرون مشروع آخر شعاره “تحرير لا تعمير” أي سودنة الوظائف والجيش، مؤكدا أن بذرة المشروع الحالي “الدولة أو السلطة” كانت موجودة عند الاستقلال.

كل العقود التي تلت إعلان الاستقلال، وفق طارق، راكمت من المشاكل التي لم يتم حلها وقتها، وقد طرحت الجبهة المعادية للاستعمار، الحزب الشيوعي لاحقا، عبر ممثلها في البرلمان، الراحل حسن الطاهر زروق، حق القوميات والشعوب السودانية في التحدث بلهجاتها، والتنمية المتوازنة للمناطق المقفولة إبان الاستعمار، الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين المرأة والرجل، حق الديمقراطية والجماهير في التنظيم، كانت حزمة كاملة من المطالب ضمن وثيقة، لكنها كانت في مواجهة المشروع الثاني، مشروع الدولة أو السلطة.

وخلص إلى أن الصراع بين المشروعين “الجذري” و” الدولة أو السلطة” لم يبدأ اليوم أو مع ثورة ديسمبر، بل منذ 67 عاما وسيستمر.

وأشار إلى أن الحزب الشيوعي طرح في ثورتي أكتوبر وأبريل على القوى المختلفة والجماهير، أداة الجبهة الواسعة لاسقاط النظام العسكري في مواجهة عبود ونميري، لأن ثمة طليعة كانت تعبر دائما عن حركة الجماهير وتقرر بالإنابة عنها وتقودها، ومثال لذلك ديباجة أكتوبر التي كتبتها جبهة الهيئات، وبيان الانتفاضة الذي كتبته مجموعة من القيادات عشية 6 أبريل، بعد انتصار الانتفاضة.

وأضاف “تراكم الثورة السودانية الطويل عبر عقود وقبل ثورة ديسمبر، وإلى يومنا هذا أنتج الوعي الذي عاشه الجميع في ديسمبر، والتي شملت كل بقاع السودان وبلدات غير موجودة في الخارطة، لذا لا تشبه سابقاتها، ولن تقودها الطليعة أو النادي السياسي مثل الثورات السابقة”.

ويؤكد أن ديسمبر ثورة شعبية وعميقة، فقد أنتج تراكم قضايا السودان منذ الاستقلال أن تتملك الجماهير وحركتها قضايا التطور الوطني الديمقراطي، وهي الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، تملكته هذه الحركة وأصبحت هي التي تنادي به وتدافع عنه، وهذا الاختلاف.

وتابع: “وفي ذلك ردا على لماذا ترك حزبنا تكتيك الجبهة الواسعة، فقد ذهبنا للمنبع، منبع حركة الجماهير الواسعة وليس نحن، ونعتقد أن مهمتنا فتح الطريق أمامها ونزيل العقبات، نجحنا في هذه المهمة أم لا، ولن نكون حزب طليعي إن لم نفتح الباب واسعا أمام حركة الجماهير “وليس النادي السياسي، بما فيه حزبنا”.

“فتح الباب أمام الجماهير الواسعة العريضة حتى تنظم نفسها، هذه هي فكرة برنامج التغيير الجذري في امتداده التاريخي وفي امتداده التنظيمي، لذلك نطرح بشكل مباشر عبر البرنامج أن الجماهير هي صاحبة السلطة وهي من تقود سلطتها وتقرر”.

 وقال إن المصالح الطبقية للقوى الحديثة هي أن تمضي مع حركة الجماهير ومع التغيير الحقيقي، وأصحاب المصلحة الحقيقيين، وعند الحديث عن السلام لا ينبغي الحديث عن أشخاص وقيادات، بل عن ضحايا حرب دارفور في معسكرات النازحين لا القيادات، ونحو 5 مليون مواطن سوداني في معسكرات النزوح واللجوء يعانون يوميا من مستوى معيشة أقل من منخفض، بجانب جرائم قتل وحرق واغتصاب، لا الغاز المسيل للدموع فقط.

وعندما نتحدث عن التغيير الجذري نشير إلى مجوعات من السودانيين لديهم مصلحة في التغيير الجذري، وليس مشروعهم ضد فلان أو علان، ونسعى لسلطة جماهيرية تسقط هذا الانقلاب، ومثلما اسقطت الجماهير النظام البائد سنسقط الانقلاب.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *