صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

السودان.. ثورة تمضي بذكريات كثيرة

متظاهرون سودانيون وسط الخرطوم- ارشيف

متظاهرون سودانيون وسط الخرطوم- ارشيف

شارك هذه الصفحة

أحيا السودانيون، الثلاثاء، 11 أبريل الذكرى الرابعة لإزاحة الديكتاتور عمر البشير من عرشه وإنهاء حكمه، معلنيين انتصار ثورتهم بعد نحو 7 أشهر على انطلاقها في 19 ديسمبر 2018م، غير أن الطريق لم يكن ممهدا أمام التغيير الذي ينشده السودانيون؛ فبعد مرور 4 أعوام، لا تزال ثورتهم تواجه تحديات جدية تهدد مستقبلها، أبرزها تداعيات انقلاب 25 أكتوبر ونشاط أنصار النظام المباد بجانب الخلافات المتصاعدة بين قوى الثورة ومكوناتها.

يشكل 11 أبريل يوما فارقا في تاريخ السودان والثورة، بعدما تمكن المتظاهرون في 6 أبريل من الوصول إلى القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، والاعتصام هناك، رغم تحصينها والآلة العسكرية التي تحرسها، ليجد القادة العسكريون (اللجنة العسكرية للبشير) أنفسهم مجبرين على إعلان إطاحة البشير ونظامه وتشكل مجلس عسكري برئاسة عوض ابن عوف، ليطاح به هو الآخر بعد يومين فقط بسبب رفض جموع المتظاهرين له، ليحل محله المفتش العام للجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو نائبا له.

غير أن المجلس العسكري حاول بعد أقل من شهرين القضاء على الثورة بضربة قاضية كانت في 3 يونيو 2019 عندما هاجمت قوات مدججة بالأسلحة مقر اعتصام القيادة العامة، مخلفة أكثر من مائة قتيل وآلاف الجرحى والمصابين والمفقودين والمصابين بمختلف أمراض الذعر والخوف.

لكن مع ذلك، عاد زخم الثورة وعنفوانها ليجبر العسكريين على الرضوخ والجلوس للتفاوض مع قوى ائتلاف الحرية والغيير الذي ضم كافة مكونات الثورة، وبعد مفاوضات شاقة برعاية وساطة أفريقية– إثيوبية، توصلت الأطراف في 5 يوليو 2019 إلى اتفاق، جرى توقيع وثيقته الأولى في 17 يوليو، أعقبه توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م، لتتشكل بعد ذلك مؤسسات الفترة الانتقالية من مجلس سيادة برئاسة الفريق البرهان ومجلس وزراء بقيادة عبد الله حمدوك.

كرر قادة الانقلاب محاولات الاستيلاء على السلطة عبر عدد من المحاولات الانتقلابية التي لم تعرها القوى السياسية الانتباه اللازم، وخلال خطاب جماهيري في 16 أكتوبر 2021م، حذر رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك من خطر تلك المحاولات قائلا تعليقا على محاولة انقلابية وقعت في سبتمبر السابق: “لقد كان من المفترض أن تتحول المحاولة الانقلابية الفاشلة في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي من مهدد إلى فرصة لتنبيه الجميع للخطر المُحدق ببلادنا، وأن تعتبر جرس الإنذار الذي قرع كي يلتفت الناس إلى مسببات الأزمة ومداخل الشرور، فتلتقي كل الأيادي الحريصة على مصالح البلاد والعباد، لتُقيم سياج أمان للفترة الانتقالية وتقوم بتحصينها ضد كل المخاطر والمغامرات؛ لكن بدلا من ذلك، كانت تلك المحاولة هي الباب الذي دخلت منه الفتنة، وخرجت كل الخلافات والاتهامات المُخبأة من كل الأطراف من مكمنها، وهكذا نوشك أن نضع مصير بلادنا وشعبنا وثورتنا في مهب الريح”.

عقب 10 أيام على ذلك الخطاب، وبعد 26 شهرا على سقوط البشير، انقض قادة الجيش بقيادة البرهان وبمعاونة قوى سياسية انشقت من الحرية والتغيير وأخرى موالية للنظام المباد على الثورة بانقلاب نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر 2021م لتدخل البلاد مجددا في نفق من الأزمات المتصاعدة.

منذ اللحظات الأولى للانقلاب تدفق المتظاهرون إلى الشوارع مطالبين بإسقاطه وعودة الحكم المدني الديمقراطي إلى مساره، وعلى مدى أكثر من عامين ظل الشارع السوداني منتفضا ومتظما في تظاهرات ومواكب وفق جداول شهرية، في حين أعمل الانقلاب آليات القمع والقتل خلال تلك الفترة ما أدى لحصد أوراح 126 متظاهرا حتى اليوم، بينهم أطفال ونساء.

توقيع الاتفاق الاطاري

مجددا وفي 5 ديسمبر الماضي وقع المكون العسكري اتفاقا إطاريا مع المدنيين بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير، وقوى سياسية أخرى، انبنت عليه عملية سياسية تهدف إلى توقيع اتفاق نهائي يطوي صفحة انقلاب 25 أكتوبر 2021م واستعادة الحكم المدني الديمقراطي إلى مساره، ولكن العملية تشهد مناهضة واسعة من قبل قوى سياسية أبرزها الحزب الشيوعي السوداني وبعض لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيي- الكتلة الديمقراطية التي هددت باسقاط الحكومة التي تتمخض عن هذه العملية، في حين تجري محاولات حثيثة لضمها إلى الاتفاق.

في مارس الماضي، اتفقت الأطراف على مصفوفة زمنية تضمنت التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، في الأول من أبريل، على أن يتم توقيع الدستور الانتقالي في السادس من ذات الشهر، يعقب ذلك، تشكيل الحكومة المدنية في الحادي عشر من أبريل، غير أن خلافات حادة نشبت بين أطراف المكون العسكري، أبطلت مفعول تلك المصفوفة، ولا تزال العملية عالقة بانتظار اتفاق الجيش والدعم السريع.

وبالتالي تأتي ذكرى 11 أبريل الرابعة وكأن عجلة التاريخ قد دارت إلى الوراء، ففي الوقت الذي تشهد فيه قوى الثورة انقسامات وتباينات غير مسبوقة، وينشط فيه أنصار النظام المباد علانية لإعادة حكمهم، تخوض قوى ائتلاف الحرية والتغيير مفاوضات متعثرة مع قادة الجيش المنقسمين على أنفسهم من أجل توقيع اتفاق يعيد الانتقال الديمقراطي إلى مساره.

 وعلى الرغم من الشكوك الدائرة بشأن قدرة ائتلاف الحرية والتغيير على إجبار العسكريين مجددا على تسليم السلطة للمدنيين والعودة إلى ثكناتهم، واجبار أنصار النظام البائد للتقهقر، يقطع الائتلاف بأن النظام الذي اسقطه الشعب لن يعود وأن الثورة ستبلغ مرافئ انتصارها في خاتمة المطاف.

بالمناسبة، قالت الحرية والتغيير في بيان الثلاثاء “إن انتصار الحادي عشر من أبريل هو تأكيد على تصميم الشعب السوداني في تحقيق أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة في الحرية والسلام والعدالة وإنهاء حقبة الانقلابات العسكرية وتأسيس حكم مدني ديمقراطي دستوري وتفكيك تمكين نظام الإنقاذ 1989م على الدولة والوطن والإصلاح الأمني والعسكري وصولا إلى جيش قومي مهني واحد ينهي ظاهرة تعدد الجيوش التي ابتدعها نظام الإنقاذ المدحور وتحقيق العدالة الانتقالية وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب”.

ورأت أن هذا العزم والتصميم تجلى في المقاومة الباسلة والمستمرة بأشكالها المختلفة لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر منذ لحظاته الأولى لما يقارب العام ونصف، “ولذلك فإن سودان ما بعد ثورة ديسمبر وانتصارها لن يكون كسابقه؛ فالأجيال التي تجرعت من كأس الشمولية والفساد والإفساد وسرقة ونهب موارد البلاد لن تقبل أن تعود عقارب الساعة للوراء وسنقاوم حتى النهاية أي توجهات شمولية أو ديكتاتورية حتى الانتصار عليها بكل عزيمة وثبات وإصرار بأشكال متعددة لهدف واحد هو استكمال مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة وتحقيق شعاراتها وأهدافها”.

ودعت قوى الحرية والتغيير كل قوى الثورة الحية من أحزاب ونقابات وأجسام مدنية ولجان المقاومة لتعزيز وحدتها وجهدها وتمتين جبهتها في التصدي الجاد لكل تحركات عناصر النظام المباد في العاصمة والولايات، متعهدة بقبر، وإلى الأبد، كل محاولات وأحلام العودة للأنظمة الشمولية، وتأسيس وطن جديد معافى يحقق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة في الحرية والسلام والعدالة في دولة مدنية ديمقراطية.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *