صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

ظلال “كاودا”.. لماذا تعثر السلام مع الحلو؟

إرشيف.. من الإنترنت
شارك هذه الصفحة

قال رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، عبد العزيز الحلو، إن العسكريين لا يرغبون في السلام، ولا يجدون أي مبرر للاستمرار في السلطة إلا في ظل افتعال الأزمات وإشعال الحروب، وأشار الحلو في وقت سابق إلى أن فطامهم من السلطة في الجانب الآخر دونه خرط القتاد.

إجمالا، ترى الحركة الشعبية أن من الأهداف الرئيسة لانقلاب 25 أكتوبر 2021، هو التنصل من (إعلان المبادئ) الموقع معها في مارس 2021، بجانب عدم تسليم السلطة للمدنيين بعيد قرب انقضاء أجل قيادة العسكريين للمجلس السيادي الانتقالي المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية.

إلا أنها تعتقد أيضا أن أساس الأزمة الوطنية يتمثل في مشكلة الهوية، أي هوية الدولة السودانية، التي لا يعترف بها معظم المواطنين السودانيين، ما تسبب في اندلاع الحروب واستمرارها.

تقاتل الحركة منذ 2011 انطلاقا من جنوب كردفان والنيل الأزرق، من أجل إقرار الدولة العلمانية في السودان، أو حق تقرير المصير، فيما خاضت سابقا جولات تفاوض فاشلة مع النظام البائد في الخرطوم برعاية إقليمية ودولية في أديس أبابا.

انهيار المفاوضات

في مارس 2021، تم توقيع (إعلان المبادئ) المشار إليه في جوبا من قبل عبد العزيز الحلو وعبد الفتاح البرهان، بعد أن تعثرت جولات التفاوض التي قادها وفدا حكوميا، ونص الإعلان على قيام دولة لا تتبنى دينا رسميا، وعدم تدخل في شؤون حرية المعتقد وضمير الأفراد. استناد قوانين الأحوال الشخصية إلى الدين والعرف دون تعارض مع الحقوق، وتضمين هذه المبادئ في الدستور.

هذا إلى جانب موافقة الحركة الشعبية  على دمج تدريجي لقواتها في الجيش السوداني، على أن يكون الجيش قوميا مهنيا قائما على عقيدة عسكرية موحدة، وأن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة. بيدا أن المفاوضات انهارت في يونيو من ذات العام، حتى بعد توقيع (إعلان المبادئ) بسبب طلب الحركة النص صراحة على علمانية الدولة في الاتفاق، بينما تمسك الوفد الحكومي بطرح الدولة غير المنحازة.

اللافت أن البديل الذي قدمه الوفد الحكومي استند على التجربة الدستورية الأمريكية، ويعتبره أعضاء الوفد “أعلى كعبا” من العلمانية، بينما اعتبره آخرون هروبا إلى الأمام.

وكانت أول حكومة في فترة الانتقال قد أجرت مفاوضات مطولة غرض تحقيق السلام في البلاد، فحققت الجولات نجاحا نسبيا بتوقيع اتفاق جوبا للسلام مع حركات كبيرة في دارفور، بينما تعذر تحقيق تقدم يذكر بعد عام كامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال قيادة الحلو، التي تسيطر على مناطق واسعة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

حيز التطبيق

وشير الحلو، في آخر تصريحاته على موقع الحركة الرسمي على الإنترنت، إلى أن السبب الأساسي وراء فشل النخب، عسكرييها ومدنييها، في التوافق يرجع لخوف هذه النخب جميعها من إنزال شعارات اورة ديسمبر (حرية- سلام- وعدالة) إلى حيز التطبيق، لأن هذه الشعارات تتعارض مع المصالح والامتيازات التي ورثوها منذ خروج الإنجليز في ١٩٥٦.

في الواقع، تحطمت المفاوضات على صخرة خلاف تاريخي حول طبيعة الدولة وهويتها، وعدم توافق على تنصيص المعاني المتفق عليها في هذا الإطار، بجانب رغبة الحركة في أن يخاطب الاتفاق ما تراه قضايا وطنية ملحة.

الحركة التي تحمل السلاح منذ سنوات طويلة ترفض باستمرار إي اتفاق لا يناقش  ما تراه “جذور الأزمة الوطنية في السودان”، أو يتجنب دفع استحقاقات الوحدة العادلة.

 “الأسئلة المطروحة اليوم هي ذات الأسئلة التي كانت قائمة وشاخصة منذ العام ١٩٥٦، وواجهت انتفاضتين سابقتين وحكومتين انتقاليتين قبل الحالية. مع ملاحظة أن العنصر المشترك في كل تلك المحطات هو فشل أو تفادي النخب السياسية الدخول في نقاش جدي حول جذور الأزمة الوطنية” يقول الحلو.

واليوم، ترفض الحركة الشعبية دستور مقترح من اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين، مع أن هذا الطرح يجد دعما محليا ودوليا لافتا، ومن المرجح أن يتم الاستناد عليه في ترتيبات إكمال الفترة الانتقالية.

تجنب الجذور

يرى الحلو “ما يجمع بين الدستور المقترح من المحامين والوثيقة الدستورية هو تجنب مخاطبة جذور الأزمة. وأبرز عيوب مقترح الدستور الانتقالي هو تجاهل منتجي مقترح الدستور عمدا تقديم معالجة لسؤال طبيعة الدولة بشكل جذري”. وتكمن أهمية هذا الفصل في كونه معني بالإجابة على سؤال الهوية الوطنية للدولة بشكل دقيق، كما هو معني بتحديد علاقة الدين بالدولة.

 وفي اعتقاد الحلو فأن مقترح الدستور يجسد مثال آخر للهروب من مناقشة جذور المشكلة السودانية، ومقاومة التغيير الجذري ورفض أي مساس ببنية الدولة القديمة في الدساتير السودانية منذ خروج المستعمر إلى الآن، “الأمر الذي يجعلنا نقول إن الفراغ الدستوري في الدولة السودانية تاريخي وليس قاصرا على الفراغ الدستوري الأخير الذي أحدثه انقلاب ٢٥ أكتوبر لوحده”.

وبما أن الحركة تطالب بالعودة إلى منصة التأسيس وإنتاج دستور يقوم على مبادئ فوق دستورية، تضمن الحقوق والحريات الأساسية للجميع لأجل بناء دولة علمانية ديموقراطية تكون المواطنة فيها أساس الحقوق والواجبات، فما هي فرص التوصل لسلام معها؟ ذلك حتى لو نحجت مساعي التسوية الجارية، وتمخضت عن حكومة انتقالية جديدة تتولى تعبيد الطريق إلى الانتقال الديمقراطي.

“لا يمكنك بداهة أن تطرح شروط دستورية في فترة انتقالية، وترفع سقف المطالب. هذه مسألة غير عملية وربما تفكير رغائبي”، هذا ما يعتقده المحلل السياسي الدكتور حاج حمد.

ويشير حاج حمد أيضا إلى أن دولة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، كانت دائما هدفا لكل القوى الوطنية، بجانب أن كل نضالات الشعب عبر الحقب كانت من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وأي أطروحات غير تلك من النخب هي أطروحات معلقة في الهواء، مثل الحديث عن دولة غير منحازة أو علمانية أو إسلامية.

سياسة الإلهاء

” أخشى ألا يكتمل السلام قريبا، ويظل السودان في خانة عدم الاستقرار، ذلك في ظل سياسة إلهاء القوى المختلفة عن قضاياها الرئيسة، وإيقاف الشارع الثوري” يضيف حاج حمد.

كل من يدعي أنه يدعم المرحلة الانتقالية كان عليه ألا يبقى خارج السودان، لأن ذلك بنظر المحلل السياسي أضعفها، بجانب الخلافات التي لم تراع الواقع، فصبت في خانة دعم سياسة الإلهاء، التي تستفيد منها الأجهزة الأمنية والبرهان.

حاح حمد يقول كذلك إن مشروع الوثيقة التي تطرحها اللجنة التسيرية للمحاميين، “ليست دستور للبلد ولا تمثل إلا نفسها ومن أيدها”، وطالما أن الشباب الثوري في الشارع لا يتوقع إعلان حكومة عما قريب، ولا التهرب من استحققات الانتقال.

من جهته يشير المحلل السياسي، أسامة النور، إلى أن موقف بعض القوى السياسية الرافض لمطلب الحركة بإقرار مسألة العلمانية قبل انعقاد المؤتمر الدستوري، صحيح إلى حد كبير؛ لأنه يراعي حاجة ماسة لتأسيس دستوري يشارك فيه الجميع، ولأن ذلك شرط الاستقرار المفقود.

“أغلب ما نعانيه الآن، كشعب، سببه الرئيس هو عدم وجود دستور دائم يشعر الجميع بالرضا، فكيف نضيع فرصة الوصول لإجماع في مؤتمر دستوري يعقد بعد طول انتظار؟” يضيف النور.

إلا أن المحلل السياسي، قتيبة عثمان، يرى أن الأفق مفتوح على اتجاهات متعددة إزاء هذه القضية، لأنها على صلة وثيقة بالوضع السياسي الراهن في البلاد، وربما حتى طبيعة الحكومة المقبلة وتكوينها الاجتماعي.

غير مأمون

” لا يمكن التوصل إلى مآل واضح في ظل التعقيدات الحالية، ثم لا أحد يعرف على وجه اليقين من سيكون الفاعلون في المرحلة المقلة واتجاهاتهم؟”.

ويقول إنه من الواضح أن العسكريين ليست لديهم رغبة في الإيفاء بمتطلبات قضية السلام، ويتم استخدامها بشكل تكتيتي من أجل أهدافهم، بينما توافق بعض القوى السياسية على جذرية الحل، دون توفر إجابات على الكيفية: هل عن طريق اتفاق مع الحركة الشعبية أم يتم انتظار عقد المؤتمر الدستوري؟

ومع ذلك يعتقد قتيبة أن طريقة تشكيل الحكومة يمكن أن تؤثر في موقف الحركة الشعبية منها، ومن طروحاتها في هذا الشأن.

“إن كان لدى الحكومة المقبلة شرعية وتجد قبول ورضا، قد يؤدى هذا إلى قبول (الحلو) التعامل معها، لكن حكومة لا يرضى عنها جزء من الشارع وشرعيتها منقوصة، لن تمضي معها الحركة باتجاه غير مأمون”.

وحتى مع تعدد الآراء حول أسباب تعثر التوصل لسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، وحول السبل الكفيلة بإكمال ملف السلام الذي يعد مفصليا على الطريق للتحول الديمقراطي، فإنه يبدو أن أغلب الحلول الناجعة ستظل رهينة بطبيعة الأوضاع السياسية في الخرطوم، لا (الحلو) ولا جنوده في كاودا.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *