صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

روزنامة الأسبوع.. مَسَاطِيلُ النَّازِي!

شارك هذه الصفحة

الاثنين

ما لا تريد بعثة يونيتامس أن تفهمه أنها ستظلُّ تدور في حلقة مفرغة، مثلما ستستمرُّ محاولاتها لتسوية النِّزاعات سجالاً دائريَّاً، طالما بقيت السُّلطة في الخرطوم مرتهنة لشريحة كبار الجَّنرالات، ومفتقرة، من ثمَّ، إلى أيَّةٍ إرادة سياسيَّة تدفعها لئلا “تتأخَّر” في كلَّ مرَّة تستوجب منها الأوضاع أن “تتقدَّم” باتِّجاه مطلوبات الشَّارع الثَّوريَّة!

خذ عندك، مثلاً، أن فريقاً مِنها زار، في 16 ديسمبر 2022م، معقل الحركة الشَّعبيَّة، جناح الحلو، بكاودا، وناقش مع قيادتها موضوع “السَّلام” في المنطقتين، والذي تريد البعثة مِن الحكومة الانتقاليَّة المقبلة أن  تحسمه. وقالت البعثة، في بيان مقتضب ، إن فريقها ناقش الحاكم، والإدارة المحليَّة، والنِّساء، والشَّباب، والزُّعماء الدِّينيِّين، والمجتمع المدني، حول السَّلام، والأمن، والتَّطوُّرات السِّياسيَّة، ومشاركة المرأة، وحقوق الإنسان، ودور البعثة نفسها.

على أن هذه لم تكن المحاولة الأولى مِن نوعها، فقد سبق للبعثة الأمميَّة أن أجرت، في الأوَّل من يناير 2021م، مباحثات، في جوبا، مع قادة نفس حركة الحلو، إضافة إلى حركة عبد الواحد، لاستطلاع رؤاهم حول نفس المسائل. وفي 7 مايو 2021م، أعلنت عن زيارة رئيسها فولكر بيرتس لمدينة جوبا، لإجراء مشاورات مع الوساطة الجَّنوبيَّة، وحركة الحلو، قبل جولة محادَثات السَّلام الُمقَّرر إجراؤها أواخر نفس الشَّهر، بين الحكومة وحركة الحلو. وأصدر بيرتس بياناً في أبريل 2021م أشاد فيه بـ “إعلان المبادئ” الذي كان قد أبرم بين البرهان والحلو، بجوبا، في 28 مارس 2021م، وأوقف الأعمال العدائيَّة، كعلامة على المصلحة المشتركة في استئناف عمليَّة السَّلام، وأثنى، في ذات البيان، على الطرفين، لالتزامهما بالمشاركة ِفي تحقيق تَسوية ِسلميَّة حسب “إعلان المبادئ” المشار إليه، معرباً عن أمله في أن تُشهد المرحلة القادمة مشاركة جميع الأطراف غير الموقّعة على سلام جوبا، وإسهامها، بحسن نيَّة، مع الحكومة، في تحقيق سلام عادل وشامل يُعاِلج أسباب النزاعات الجَّذريَّة، ويزيل آثارها، ويُشكل حكومة انتقاليَّة أوسع تَمثيلاًً تعكس كلَّ تطلُّعات الثَّورة.

لكن الحلو ما لبث أن أعلن، قبل أيام، أن البرهان ألغى، للأسف، اتفاق “إعلان المبادئ” المشار إليه، رغم أن “الهدف منه كان معالجة الأسباب الجَّذريَّة للمشكلة السُّودانيَّة، سواءً تمثَّلت في الإسلام السِّياسي أو في مسألة الهويَّة”، مضيفاً أنهم اكتشفوا، بعد المزيد من النِّقاش، أن الجانب الحكومي ما زال متمسِّكاً بقوانين الشَّريعة الإسلاميَّة، وبالطبيعة العرقيَّة (العربيَّة الإسلاميَّة) للدَّولة السُّودانيَّة، على الرغم من حقيقة أن الأفارقة هم الأغلبيَّة في السُّودان، وأن البلاد تتميَّز بالتَّنوُّع والتَّعدُّد”!

الثُّلاثاء

ليس أكثر ضعفاً، بين كلِّ حُجج الاعتراض على وثيقة سياسيَّة،  من “رفضها” لمجرَّد الاسترابة في “مصدرها”! فهذه محض مسألة “شكليَّة” رُبَّما تؤثِّر، إلى حدٍّ ما، حين يكون المطلوب تلمُّس المدى الذي يحظى فيه هذا “المصدر” بـ “ثقة” الآخرين؛ أمَّا إن كان المطلوب “قبول” أو “رفض” محتوى الوثيقة، فإن “مصدرها”، في هذه الحالة، لا يكون ذا قيمة يُهتمُّ بها، أو يؤبه لها!

“القبول” أو “الرَّفض” لمثل هذه الوثيقة، إذن، لا يصحُّ أن يتأسَّس، فقط، على النَّاحية الشَّكليَّة، على أهمِّيَّتها، بل ينبغي تأسيسه على ما يشتمل عليه “مضمونها”، وما يعبِّر عنه، في منظور العمليَّة السِّياسيَّة ومستقبلها. هذا، وحده، هو “الجَّوهري” في أمرها.

مناسبة هذا القول هو تزايد “الرَّفض” لما أضحى يُعرف بـ “مسودة دستور تسييريَّة اتِّحاد المحامين السُّودانيِّين”، لا من حيث “مضمونها”، وإنَّما لمحض “التَّشكُّك” في الجِّهة التي صاغتها، ووضعتها بين يدي “التَّسييريَّة”، بينما الأهمُّ تجاوز هذه المسألة “الشَّكليَّة” إلى تفنيد المواد نفسها التي تنبني عليها المسودة، وتناولها بنقد موضوعي مستقيم.

الأربعاء

أنطون تشيخوف، أحد آباء القِّصَّة القصيرة السَّاخرة الحديثة في العالم، كتب قصَّته “البدين والنَّحيف” عام 1882م، أي قبل أكثر مِن قرنين، ومع ذلك تُعتبر، حتَّى الآن، مِن روائع الأدب العالمي. وقد حاولت، في ترجمتها من الرُّوسيَّة إلى العربيَّة، أوائل سبعينات القرن المنصرم، أن اعتمد أسلوباً أقرب إلى روح لغته، على النّحو الآتي:

[فى محطَّة سكَّة حديد نيقولاي، ودون سابق اتِّفاق، تقابل اثنان كانت بينهما، في الماضي، علاقة صداقة، لكن الزَّمن طال دون أن يلتقيا، أحدهما بدين والآخر نحيف. كان واضحاً أن البدين فرغ، للتَّو، مِن تناول غدائه في مطعم المحطَّة، فشفتاه كانتا تلمعان بأثر الدُّهن كما الكرز اليانع، وتفوح كانت من أعطافه نكهة نبيذ، وحلوى. أما النَّحيف فكان قد نزل، قبل قليل، من القطار، محمَّلاً بالشُّنط، والصُّرر، والكراتين، وتفوح منه كانت رائحة الزُّوادة البيتيَّة المكوَّنة من فخذ الخنزير المملَّح، وثُفْل القهوة، ومن ورائه تلوح امرأة نحيفة، مستطيلة الذِّقن، زوجته، وتلميذ طويل القامة، ضيِّق العينين، إبنه.

هتف البدين، مأخوذاً، لمرأى النَّحيف ..

ـــ، “مين؟! بورفيري”؟!

وصاح النحيف بالمقابل ..

ـــ “الله! ما بَصَدِّق! ما بَصَدِّق! بالأحضاااان .. بالأحضاااان، عاش من شافك يا أخي، يا الله .. يا الله .. ميشا؟! صديق الطفولة؟! يا سلاااام .. يا سلاااام! يا للصدف .. ظهرت من وين الليلة يا حبيب”؟!

وتعانقا ثلاثا، شاخِصَين نحو بعضهما البعض بعيون ترقرق فى مآقيها الدَّمع، وهما مأخوذان بالمفاجأة السَّعيدة!

وقال النَّحيف، متهللاً، بعد العناق ..

ـــ “لا حولاااا ..أصلو ما بَصَدِّق! لكين ما مفاجأة! كدي كدي عايـن لي جـاي! إيه الحـلاوة دي كلهـا يا ود! والله ياكا ذاتك ميشا بتاع زمان أصلو ما اتغيَّرت! لسه سارح بدلالك! يا ود .. يا ود .. إيه القيافة دي كلها! أها بالله أحكي لي عامل كيف؟! غِنيت، وللا عرَّست وللا حصل ليك شنو؟ أنا غايتو عرَّست زي ما إنت شايف .. ودي زوجتي لويزا، إسم عائلتها فانتصينباخ .. بروتيستانتيَّه، وده ياسيدي إبني نافانايل .. تلميذ فى سنة ثالثه .. يانافانيا .. تعال سلم على صديق طفولتي .. كنا في المدرسة سوا”!

نافانايل فكر، برهة، ثمَّ خلع قبعته ..  

وواصل النَّحيف متَّجهاً بكليَّاته نحو صديقه ..

ـــ “كنا سوا فى المدرسة .. تتذكر كيف كنا بنشاغلك؟! لقبناك بهيروستراتوس* لمَّا حرقت دفتر الغياب بالسِّيجارة .. ها .. ها .. وأنا لقبتونى بافيلاتوس لأنى كنت بحب نقل القوالات .. ها .. ها .. يا سلام على أيام زمان يا أخى! دنيا! يانافانيا .. تعال قريب .. ما تخجل .. ودي يا سيدي زوجتى .. إسم عائلتها فانتصينباخ .. بروتيستانتيَّة”!

نافانايل فكر، برهة، ثم اختبأ خلف ظهر أبيه، بينما قاطع البدينُ حماسة صديقه، محدِّقاً في وجهه بابتهاج .. 

ــــ “أها بالله .. وكيف الأحوال؟! شغَّال وين دلوقت؟ وللا نزلت المعاش”؟!

ــــ “أبداً  والله.. فى الخدمة لسَّه، محكَّم هيئة**، السَّنة الفاتت ادوني ميداليَّة ستانسلاف .. ماهيتهم تعبانة، لكين الله في .. زوجتى بتدي حصص خصوصيَّة في الموسيقي .. وأنا بعد الشُّغُل بعمل علب سجاير خشبيَّة. علب تمام! ببيع الواحدة بروبل .. والبياخد أكتر من عشرة علب بعمل ليهو تخفيض خاص .. أهو زي ما تقول جاي جاي الحال بيمشِّي، والرِّزِق تلاقيط. كنت فى رئاسة الوزارة .. ودلوقت نقلونى هنا رئيس مكتب تبع القسم ذاتو، فحأستقر هنا .. وأنت كيف؟ أظنَّك يا خوي بقيت مستشار إدارة”؟!

ــــ “يعني .. فوق شويَّة .. ضابط في جهاز الأمن .. عندى دلوقت دبورتين”!

فجأة .. شحب وجه النَّحيف، وامتقع لونه، وارتعدت أوصاله، وساخت مفاصله، وجفَّ حلقه، وارتجفت شفتاه، وتجمَّد الدَّم في عروقه، وبدا كما لو أن شرراً يتطاير من وجهه، والتوى فمه بأعرض ابتسامة في الكون، وأخذ رأسه يشعُّ بالسُّخونة. أمَّا باقي جسده فقد تقفَّع، وتحدَّب، وتضيَّق، وتجمَّع على بعضه. وأما شنطه وصرره وكراتينه فقد تكمَّشت، وتعوَّجت .. وأمَّا زوجته فقد صار ذقنها الطويل أطول .. وأمَّا ابنه نافانايل فقد تمطَّط للأمام .. وتمدَّد، وزرَّر جميع أزرار سترته المدرسيَّة. ثم ما لبث أن صدر عن النَّحيف المنبهر فحيح بالكاد يُسمع:

ـ  “أوووه! أنا يا صاحـب الفخامـة .. أفتخر والله .. إذا صحَّ التعبير يعني .. بصديق .. صديق طفولة .. كونه يعني يصل ويبقى يعنى كـدا .. هئ .. هئ .. هئ .. وكـدا”!

راح البدين يبرطم مستنكراً ..  

ــ “يا راااجل”! بلاش كلام فارغ! نحن يا خي بيناتنا صداقة عمر .. فإيه لزوم الكلام دا”!

تمتم النَّحيف بلسان جاف:

ــــ “أستغفر الله .. أستغفر الله .. ياسعادتك”!

ثمَّ واصل وقد ازداد انكماشاً ..

ــــ “والله العظيم دا بس من تواضعكم الجَّم .. اهتمامكم دا يا صاحب الفخامة والله .. يعنى نزل علي زي البلسم الشَّافي .. لكين برضو العين ما بتعلا على الحاجـب .. و .. يعنى .. لو سمحتم يا فخامتكم أقدم ليكم إبني نافانايل .. ودي زوجتى لويزا .. بروتيستانتيَّة نوعاً ما”!

للوهلة الأولى بدا كما لو أن البدين أراد أن يقول شيئاً، لكن وجه النَّحيف، بما ارتسم عليه من أمارات التبجيل، والإجلال، والانكسار، والنَّشوة، والتوقير، جعله يشعر بالرغبة في القئ، فأشاح عنه بوجهه، بل بجسده كله، واكتفى بأن مدَّ له يده من خلف ظهره يودِّعه!

صافح النَّحيف، بالكاد، ثلاثة أصابع، بينما جزعه محنيٌّ كأنه سيلامس الأرض بجبينه، وهو يمـوء بالتَّضـاحك كالصـِّيني “هئ .. هئ .. هئ”! أما زوجته فقد رسمت على شفتيها ابتسامة لزجة! وأما نافانايل فقد ضرب الأرض بقدمه حتى أسقط قبعته! ومضى ثلاثتهم مأخوذين بالنشوة والرَّهبة معا!

الخميس

النُّزوع إلى الديكتاتوريَّة هو، في حدِّ ذاته، ضرب من الانحراف العقلي! ذلك أن الديكتاتوريِّين، خلال ممارستهم لسطوتهم، وسيطرتهم،لا يمكن أن يكونوا في كامل قواهم العقليَّة! فهُم إمَّا مجانين، أو، على الأقل، مساطيل! ولعلَّ هذه الحقيقة المفزعة هي ما أثبتته خبرة الحرب العالميَّة الثَّانية التي أشعلها النَّازي، ليخلَّف أكثر من 60 مليون قتيل حول العالم، حيث اتَّضح أن تلك الجَّريمة لم تكن نتاج خطط الفوهرر، فحسب، أو قوَّة آليَّته العسكريَّة وحدها، بل لعب فيها دوراً مفصليَّاً عامل إضافي لا يقل بشاعةً .. المخدِّرات!

كان الجيَّش الألماني قد وُصِفَ، في تلك الحرب، بالجيش الذي لا يتعب ولا ينام! وما ذلك إلا بسبب مركَّبات كيميائيَّة عمد هتلر إلى حثٍّ علمائه على تطويرها، كالكوكايين، والهيرويين، والميثامفيتامين، وغيرها، لتنشيط أجساد وأذهان جنوده، وجعلهم يحاربون لساعات طويلة، بل لأيَّام بأكملها، دون أن يستشعروا الارهاق، أو الحاجة إلى أخذ قسط مِن الرَّاحة!

وللمفارقة، كان النَّازيُّون، خلال الفترة الأولى لتسنُّمهم زمام السُّلطة، وفي سياق إعلانهم عن مبادئ حماية قيم الأمَّة الألمانيَّة، قد اشتهروا بالتمسُّك الصَّارم بحظر المخدِّرات، ومعاقبة مستخدميها، والمتاجرين بها. لكنَّهم سرعان ما تكشَّفوا عن تناقض كبير مع هذه المبادئ، حين عمدوا لاستغلال نفس هذه السُّموم كمنشِّطات، وذلك عندما احتاج الفوهرر للإبقاء على ألمانيا وجيشها في حالة يقظة تامَّة، بهدف تحقيق أحلامه التَّوسعيَّة!

وأصل الحكاية أن آلة الحرب النَّازيَّة كانت قد تمكَّنت، خلال أشهر قلائل، من اجتياح أجزاء واسعة من العالم! لكن، في مايو 1940م، خلال الاستعداد لغزو فرنسا، تخوَّفت القيادة النَّازيَّة العليا مِن خطورة احتياج الجُّنود للرَّاحة ، وبالتَّالي للتوقُّف أثناء الهجوم، الأمر الذي سيعرِّضهم للمباغتة المضادَّة من الحلفاء! فأصدر هتلر مرسومه الخاص بـالاعتماد على “المنشِّطات” بغرض التغلُّب على ما قد يصيب الجُّنود مِن إرهاق، حتَّى لا تنهار خطة الهجوم! وهكذا صدرت الأوامر لأطباء الجَّيش بصرف حبَّة واحدة مِن عقار “البريفنتين” لكلِّ جندي خلال النَّهار، وحبَّتين خلال الليل، ثمَّ حبة أو حبتين بعد ساعتين أو 3 حسب الحاجة. فوصل إجمالي ما استهلكه الجَّيش من ذلك العقار في ذلك العام وحده إلى 35 مليون حبَّة (!) الأمر الذي أبقى الجُّنود مستيقظين، أحياناً، حتَّى 4 أيام متواصلة!

تعاطي العقاقير المخدِّرة لم يقتصر على الجُّنود وحدهم، فهتلر نفسه كان مُدمناً عليها بسبب ما كان يعانيه من آلام حادة في الأمعاء، حتَّى “أراحه” طبيبه الخاص تيودور موريل بحقنه، عدة مرَّات في اليوم، بمخدر “أوكودال”، وهو خليط مِن الأفيون والهيرويين، ما جعله في حالة مِن النَّشوة الدَّائمة! وظلَّ هذا الطبيب مواظباً على تطوير مخدِّرات الزَّعيم النَّازي الذي كان يشير إليه، في أوراقه المهنيَّة، باسم المريض “أ”، حتَّى ضعُف تأثير تلك المخدِّرات، مع الوقت، نتيجة الإدمان، ليتحوَّل موريل إلى خلط “الأكودال” بالكوكايين، وحقن هتلر به!  لم يقتصر تأثير تلك العقاقير المُخدِّرة، فقط، على صحَّة الفوهرر الجَّسديَّة والعقليَّة، بل انعكس، أيضاً، على قراراته، وهذا هو الأهم! فبعد قراره المفاجئ بغزو الاتِّحاد السُّوفييتي، والذي كلَّفه خسارة الحرب، تفاقم تعاطي هتلر للمخدِّرات، بالتَّزامن مع بدء تقهقر جيشه أثناء احتدام المعارك، فبدأ في اتخاذ قرارات متخبِّطة، كما تفاقمت معاناته مع الإدمان بالتَّزامن مع شُحِّ عقاقير الأكودال والبريفنتين التي لم تعد متوفرة، بسبب قصف الحلفاء لمصنعيهما!

هكذا أمسى الزَّعيم النَّازي المسطول بائساً هزيلاً، في آخر أيَّام 1945م، والقوَّات السُّوفييتيَّة تقترب، رويداً رويداً، من معقله في قلب برلين، ويعاني من الأعراض الانسحابيَّة لإدمان المخدِّرات، قبل أن ينتحر، في نهاية المطاف، برفقة زوجته إيفا، انتحاراً مزدوجاً، باستخدام السيانايد وإطلاق الرصاص على نفسه في وقت واحد!

الجُّمعة

رُبَّما لا يعرف كثيرون أن للغة والثَّقافة العربيَّتين، وللشِّعر العربي بوجه مخصوص، تأثير كبير على تراث الشِّعر العالمي في أرفع نماذجه. فحكيم ألمـانيـا غوتـه (1749م ــــ 1832م)، على سبيل المثال، كان معروفاً بإجادته للعربيَّة، وقد أنجز تراجم منها إلى الالمانيَّة، أبرزها ترجمته لأجزاء  مِن المعلَّقات  السَّبع. كما كان معروفاً عنه، أيضاً، حبُّه للمتنبي، مِمَّا انعكس، بصورة واضحة، على روايته  الأشهر “فاوست”. وكان مِمَّا قال في تمجيد اللغة العربيَّة أنه “لا يوجد في أيَّة لغة أخرى مثل هذا القدر من الانسجام بين الرُّوح والكلمة والخطِّ ..”

غوتة لم يتأثَّر، فقط، بالشِّعر العربي، بل وبالقرآن الكريم أيضاً، وعلى نحو مخصوص. ومـن نمـاذج ذلـك، على سبيل المثال، قـوله، عام 1772م: “إنني  أودُّ  أن  أدعو الله  كمـا  دعاه  موسـى فـي  القرآن: [ربِّ  اشرح  لي  صدري] (25 ؛ طه).

كذلك شغف بوشكين، شاعر روسيا العظيم، بل أعظم شعرائها طُرَّاً (1799م –  1837م) باللغة العربيَّة، وبالثَّقافة العربيَّة الاسلاميَّة، وخصوصاً بالقرآن الكريم الذي تعرَّف عليه بشكل وثيق خلال السَّنوات التي قضاها منفيَّاً، بأمر القيصر، بين إثنيَّات تدين بالإسلام في جنوب روسيا، جرَّاء نشاطه الثَّوري، وأشعاره عن الحريَّة. وقد تأثَّر إبداعه، وقتها، بالقيم القرآنيَّة، والسُّنِّيَّة، وبشخصيَّة النَّبيِّ الكريم، كقصيدته “المغارة” التي يقول فيها: “فِي المغارةِ السِّرِّيَّة/ فِي يومِ الهُرُوبِ/ قرأتُ آياتِ القُرآنِ الشَّاعريَّة/ فجأةً هدَّأتْ رَوْعِي الملائِكة/ وحمَلَتْ لِي التَّعاويذَ والأدْعِيَة”. وإلى ذلك مطوَّلته “مُحَاكاةُ القُرآنِ” المقتبسة من بعض الآيات، والمكوَّنة من تسعة مقاطع مختلفة الأطوال، والبحور، ومن مناخاتها: “ألَسْتُ أنَا الذي سَقَيْتُك/ يومَ العَطَشِ مِن ماءِ الصَّحراءِ؟/ أمَا وَهَبْتُكَ لِسَانَاً فَصِيحَاً/ وعَقْلا راجِحَاً فوقَ كلِّ العُقُول”؟

السَّبت

بشَّر محمَّد الفكي سليمان بأن مؤتمراً لأهل المصلحة سينعقد لمناقشة القضايا الأربع التي لم يشملها “الاتِّفاق الاطاري”، وذلك لأجل التَّوصُّل إلى نقاط مشتركة حولها، قبل “التَّوقيع النِّهائي”!

هنا يثور التَّساؤل: أليس هذا وضعاً للعربة أمام الحصان؟! ألم يكن مِن الأوفق، بل الأصوب، عقد هذا المؤتمر، شاملاً القضايا الأربع، وبمشاركة جميع المعنيِّين، “قبل” التَّوقيع على أيِّ اتِّفاق، إطاري أو نهائي، خاصَّة إذا وضعنا في الاعتبار أن هذه القضايا هي، في حقيقتها، لبُّ الخلاف، حيث تشمل: تفكيك النِّظام البائد، والاصلاح الأمني والعسكري، والعدالة والعدالة الانتقاليَّة، ومراجعة سلام جوبا؟!

 

الأحد

قال ضابط برتبة فريق لأحد القضاة ممازحاً:

ــ وَرَدَ في الحديث الشَّريف يا مولانا: [قاضٍ فِي الجَّنَّة، وقاضيان فِي النَّار].

فردَّ عليه القاضي ببديهةٍ حاضرة:

ـــ نعم، سعادتك، لكن لا تنسى أنه قد وَرَدَ في القرآن: [فريقٌ فِي الجَّنَّة وفريقٌ فِي السَّعير].

* مشعل حرائق إغريقي عاش في القرن الرابع ق م، وكان يسعى لتدمير إحدى عجائب الدُّنيا السَّبع، طلباً للشُّهرة.

** درجة وظيفيَّة حكوميَّة على أيَّام القيصريَّة الرُّوسيَّة].


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *