صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

عاطف أنيس: الغناء انعكاس للواقع السياسي

شارك هذه الصفحة

قال الفنان المغني عاطف أنيس إن نظام الجبهة الإسلامية فتح المساحات لتجارب غنائية لكي تتحرك في ظله، وتتماهى مع مشروعه، وأنه دفع ثمنا باهظا بسبب ارتباطه السياسي، فتعرض للقمع والملاحقة، كما حرم من الالتحاق بكلية الموسيقى والدراما.

ولفت إلى أن الأنظمة الديكتاتورية عادة ما تحرك آلة  قمعها لإجهاض التجارب الإبداعية الجادة، وتفسح المجال وتفتح الأبواب لتجارب هشة وضعيفة، لكي تتصدر المشهد. ويرى أنيس أن ثورة ديسمبر تفجرت ضد القبح (الكيزاني)، وأن الجيل الجديد عبر عن أشواقه وتصوراته عبر الفنون.

  • أنت رسام وكاتب، كيف استفدت من ذلك في الغناء

الحقول الإبداعية ترتبط ببعضها، وفيها مشتركات عديدة، أنا عني أفادتني في الرؤى، والذائقة، فالرسم يفتح ذاكرة للصورة، واللحن يفتح المخيلة للفضاءات المتعددة والرحبة، وكلها تعطي رصيدا في المعارف، والغناء لم يعد من أجل الغناء، إنما من أجل الحياة والوعي بها والتأثير فيها، بسلاح الوعي، وعندها لن يصبح الفنان تابعا أو رهن إشارة.

  • هناك من يصر على أن ارتباط المبدع بالسياسية فيه خصم على التجربة؟

– هذا جدل قديم، فالوعي السياسي ليس من شروطه الانضمام لمؤسسة حزبية ما، لكن الوعي بالهم السياسي وكيفية التأثير الاجتماعي أمر أهم، والغناء هو انعكاس للواقع السياسي والأمني والاقتصادي، ومن خلاله نستطيع كشف الواقع وتحليله والتعبير عنه.

  • ما السر في أن تتغني من ألحانك فقط؟

كنت ومازلت أتمنى أن أغني من ألحان آخرين، أغني نصوصا شعرية تنسجم مع مزاجي وتكويني الفكري والنفسي، لم أغلق باب التعامل مع آخرين، على العكس، أرى أن في الآخرين إضافة، والمغني يحتاج أن يلون تجربته ويجعلها تحمل أفكارا موسيقية ولحنية متنوعة، وهذا ما يعطي المغني تميزه.

في بحثى عن هذا التنوع، تغنيت لشعراء كثيرين، لكل خصائصه الإبداعية وموسيقاه، فأول ألحاني كان لمحمد الحسن سالم حميد “طاير طيب وصيادين”، وبعدها دخلت في ثنائية مبكرة مع الشاعر خالد عباس الطاهر، في أكثر من عمل “دق المطر دق- نمشي على كيف الأحوال- ياسمرة لونك لون” والآن نحن بصدد عمل جديد، هذا إلى جانب شعراء مثل محمد طه القدال وأزهري محمد علي وبشرى الفاضل وعماد إسماعيل حسن وميرغني الماحي ووهيب بكري ومناهل نون عمر اليم ونجلاء عثمان التوم “تاكيت الباب واستنيتك”” وفيصل خليفة وآخرين.

  • كيف كنت تنظر إلى السودان وأنت في المهجر؟

بعد الهجرة إلى الولايات المتحدة أصبحت انظر إلى البلد من عدة زوايا، لكن بمحبة، أنا أشبه كثيرين اختاروا الهجرة،  إما لأسباب سياسية أو اقتصادية، أو بسبب البطش والقمع والملاحقة.

وهناك أصبحت الرؤية  عندي أكثر وضوحا، ساهم في ذلك الصلات الإبداعية والإنسانية الجديدة، مع سودانيين كوتهم الغربة، لكن كان لابد من خلق مناخ ندفع به التجارب الإبداعية إلى الأمام، فوجود الأستاذة الموسيقيين: ميرغني الزين، مجدي العاقب، مليجي، أحمد باص، ميكايل، هذا إلى جانب عبدالكريم الكابلي، عمر بانقا، البلابل، الموصلي وأسامة الشيخ، مع هؤلاء تطورت التجربة الغنائية، وحاولنا معا أن ننسج واقعا مشابها للحياة السودانية، بكل ما فيها من جماليات. 

  • في كل فترة يظهر نمط غنائي سوداني،  وسرعان ما يختفي، ما الأسباب؟

التحولات الاجتماعية والاقتصادية السريعة أحدثت تأثيرا بالغا في كل مناحي الحياة السودانية، ما أثر على المشهد الثقافي، خاصة الغناء المطروح. والأنظمة الديكتاتورية عادة ما تحرك آلة قمعها لإجهاض التجارب الجادة، وتفسح المجال وتفتح الأبواب لتجارب هشة وضعيفة، لكي تتصدر المشهد. والأنظمة القمعية دائما ما تعمل على توظيف مثل هذه التجارب من أجل طمس قيم الخير والجمال، ليعيش المجتمع في غيوبة.

  • إلى أي مدى أحدثت ثورة  ديسمبر تأثيرها عليك؟

الثورة السودانية هي نسيج وحدها، بالحس والفعل والمشهد الجمالي الفريد، والذي انسجم مع الخطاب السياسي، وهذا ما يستحق التوقف والتأمل والغوص العميق في جذورها. عندما تنظر إلى المواكب واللافتات والجداريات كلها كانت  تستدعي الموروث الاجتماعي. فالمواكب التي تبدأ بـ “الزغرودة” تحدث تأثيرا بالغا في تحريك الروح الثورية. ولأن ثورة الشعب السوداني كانت ضد القبح (الكيزاني)، إذن هي ثورة من أجل الجمال، لذلك أصبحت تغري شعوبا أخرى، ويمكن القول بأن الثورة السودانية جملت العالم الذي احتفى بالتضحيات وروح الجسارة. هذا الجيل، بنات واولاد، عبر عن ثورته وأشواقه وتصوراته بالغناء واللحن والرسم والتلوين.

  • نظام الجبهة الإسلامية، سخر آلته الأمنية وشن حربا ضروسا ضد الفنون، إلى أي حد أثر ذلك في تجربتك؟

بحرماني من الاتحاق بكلية الموسيقى والمسرح، وبقرار من عميدها أحمد عبد العال والذي أمر بشطب اسمي من قائمة اختارتها الكلية بعد أن خضعت لما يسمى بامتحان القدرات، ولأسباب سياسية، كما حرمت أيضا من الظهور في الأجهزة الإعلامية الرسمية في الوقت الذي فتحت المساحات لتجارب غنائية بعناية حتى تتحرك في ظل السلطة.

لكنك مع آخرين كسرتم هذا الحاجز ، لكن في المقابل دفعتم الثمن؟

نعم، كان لدي موقفي المناهض المعروف ضد سلطة الجبهة الإسلامية، ومع آخرين دفعت ثمنا باهظا، تجلى في الملاحقة والبطش والتنكيل، لكن في مقابل ذلك، فتحت جماهير الحركة الطلابية منابرها الواسعة؛ فاصبحت هناك منابر موازية كسرت كل الحواجر التي حاولت الأجهزة الأمنية بناءها.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *