صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

عودة اتحاد التشكيليين: شهادة مجروحة في حق عصام عبد الحفيظ

عصام جبر الله
شارك هذه الصفحة

لا شكَّ أن شهادتي في الفنان عصام عبد الحفيظ مجروحةٌ بوضوحِ علاقتنا الوطيدة، القديمة، ولكن ذلك لن يمنعني من الاحتفال بانتخابه أميناً عامَّاً لاتحاد التشكيليين السودانيين في دورة (2022-2024)، الأسبوع الماضي، على طريقتي.

بدعوةٍ كريمة من الأستاذ صلاح حسن عبد الله، رئيس اللجنة التنفيذيَّة المُنتخب حديثاً، كنتُ حضوراً -كصحفي مع المحرر الثقافي الأستاذ محمد إسماعيل ومجموعة إعلاميين ومصورين- في انتخابات المجلس الواحد وعشريني لاتحاد التشكيليين بعد غيبةٍ امتدّت منذ اندلاع ثورة ديسمبر في العام 2018م. أكثر من ذلك: ما قبل الثورة لم يكن الاتحادُ اتحاداً فعلاً، في أزمنة الانهيارات تلك صعدت قيادات مُنهارة لجميع المؤسسات، بطرقٍ غريبة، وقادتها نحو التفكك والهلاك.

كان ملاحظاً مشاركة الشباب الفعّالة والمتحمّسة، ابتهجنا حقّاً ونحنُ نراقب الأيادي تَرتَفِع، تُرشّح، تُثنّي، تصوّت. كان الحدث سلساً، والانحياز الصادق للنساء والشباب، عَفَويَّاً.

ذلك ما بدى في تكوين اللجنة التنفيذيَّة الحالية، ووجود عصام في عمود الأمين العام الفقري يدفعني للحديث عن تواصل عصام، غير المنقطع، مع مختلف أجيال التشكيليين السودانيين، بذات قدر علاقاته مع الكُتّاب والموسيقيين والمسرحيين.

يعودُ ذلك لانخراط عصام في العمل العام، بمبادراته وأفكاره الخلاَّقة، كما شَهِدنا في عشرات المشاريع الإنسانيَّة خلال عشرات السنين.

أما في ما يخصّه كفنان، فذلك بحرٌ آخر. إنّه لمن المُلهِم أن يَكون الأمين العام للتشكيليين فناناً مُنتجاً بغزارةٍ نوعيّة رائِية، نموذجاً للفنان المُتفرّغ. كتب الفنان فتحي محمد عثمان، في شهادته كمُعاصرٍ للفنان: “بعد التخرُّج عمل عصام كمصممٍ غرافيكيّ لبعض الوقت، غير أنه لم يتوقف عن التصوير والرسم، بينما كان التلوين في مركز اهتمامه على الدوام. وبرغم الانشغال بوسائل كسب العيش في سودان أواخر الثمانينيات وما تلاها، إلا أنه كان أقرب في كمّ ونوع إنتاجه إلى الفنان المتفرغ، ولعله أحد أبرز أبناء جيله من الفنانين الذين تواصل عملهم وإنتاجهم رغم كل المنغصات! واليوم يُعرف عصام في داخل وخارج السودان كمصورٍ مُحترف، ومُلوّنٍ ورسام، تتنوع أعماله عبر الموضوعات والخامات والأساليب، وفِي مركز هذا الإنتاج الضخم والمتّصل تبقى مسألتا الخلق الفني والتجديد هَمَّاً يشغل عصام عبد الحفيظ”[i].

إضافةً إلى قدرته على المُبادرة، لعصام محبّة للاستماع للأفكار الجديدة، تزيدُ المحبّة إن صدرت عن شباب، يمكننا ببساطة أن نَصِفه بـ”حُرِّ الحَرَكة”.

لم تَنمُ صداقتي مع عصام من خلال علاقته القديمة بأفراد عائلتنا فقط، ولكنني وجدته في كلّ عملٍ عام. خلال سنوات عملي لصالح اتحاد الكتاب السودانيين،  كان عصام حاضراً في كلّ شيء؛ أضخم أرشيف لبورتريهات الكتاب السودانيين -والفنانين بمختلف أنواعهم- يرقد في حقلٍ فني تصويري لدى عصام، كما كذلك كلّ كارثةٍ تكون في متناول عينه، كذلك تلك التي يسافر إليها، فهو متجوّلٌ حسَّاس، رأى قارّة السودان المتنوعة، وعاد إلينا بملذاتها وآلامها.

عصام داعم متحمّس لكل فكرةٍ جديدة، ولكل مبادرة. وإن لم يكن جزءاً منها رسميّاً، إلا أن دعمه وتوثيقه وتشجيعه يجعله جزءاً لا يتجزّأ من نسيج كلّ مبادرة. إنه معطاء، عمليّ، لا يرضى أن يرتبط بأيّ عَملٍ مَكَلفَت، دقيق، وعصري. وإنني لمتفائلٌ بهذه الدورة التي قرأنا بين أسماء قياداتها شابات وشباب جنباً إلى جنب أجيالٍ أقدم، خبيرة ومُبادِرة.

لعصام علاقة نادرة وفريدة مع الكتاب والشعراء السودانيين، إذ أسهم بغزارة في حركة النشر والطباعة بأعماله في الأغلفة والتصاميم، كذلك زيّنت رسوماته دواوين الشعر منذ الثمانينات وحتّى يومنا هذا. وفي حركته الدائبة في مجال العرض التشكيلي داخل وخارج السودان، اكتسب عصام علاقات متشعّبة سيستفيد منها الاتحاد بلا شك.

يبقى أن أتقدّم بالتهنئة للفنانة والشاعرة الأستاذة نجاة عثمان بالثقة الشاملة التي نالتها في الانتخابات، وفي اختيارها رئيسة للمجلس. كما نُبارك لجميع للتشكيلات والتكشليين هذا الانجاز الكبير، في هذا الوقت النادر. 

أختم هذه الحفلة بما كتبه الفنان الكبير إبراهيم الصلحي: “وعصام، كما تَبين من عمله، فنانٌ مُبدع مُدرك لأبعادِ ومتطلبات صُنع الصورة بالألوان، واللون، كما نعلم، لا يبوح بأسراره إلا لمن خَبِرَ المكان، وتفهَّم سابق عصره، وواكب أوانه، وبصدقٍ أَحبَّ الأرض والتراب والإنسان”[ii].

للمزيد يمكن مراجعة:

[i] عصام عبد الحفيظ: الفن كمشروع حياة – فتحي محمد عثمان. من كتاب (غياب الذاكرة – نصوص ولوحات)، عصام عبد الحفيظ، دار ويلوز هاوس 2022م.

[ii] الدُورُ والإنسان في رَحِمِ الطبيعة – إبراهيم الصلحي – مدينة أكسفورد في 15/ 11/ 2000م. (المرجع السابق).


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *