صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

كيف لمجتمع أن ينظر إلى نفسه دون إبداع

بروفات
شارك هذه الصفحة

حضرت نماذج تهميش المبدعين والمثقفين، في المؤتمر الصحفي، الذي عقدته الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية، أمس الأول بطيبة برس، بخصوص إطلاق مبادرة لدعم الفنان المسرحي وليد عمر بابكر (الألفي)، الذي امتنعت وزارة الثقافة عن منحه تذاكر سفر إلى مهرجان قرطاج بتونس للمشاركة باسم السودان.

وامتنعت وزارة الثقافة عن تمويل سفر مجموعة منطقة صناعة العرض إلى مهرجان قرطاج بتونس، بقيادة المخرج المسرحي وليد عمر بابكر (الألفي)، دونما توضيح للأسباب. واختيرت منطقة صناعة العرض من 150 فرقة مسرحية، ضمن 16 عملاً يشارك في المهرجان.

وقررت مبادرة الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية، جمع تبرعات لتمويل سفر الألفي ومجموعة منطقة صناعة العرض. وأعرب مهتمون وكتاب ومبدعون في المؤتمر الصحفي، عن تذمرهم من إهمال جهاز الدولة ولا سيما وزارة الثقافة لمشاركات السودان في المهرجانات الدولية في كل الحقب؛ ورأوا أن هناك جهات لديها مصلحة في غياب السودان عن المحافل الثقافية الدولية، وطالبوا بوضع ميزانية لتمويل الفرق الفنية والمسرحية، وجميع الأعمال الثقافية.

تأسست الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية بشكل غير رسمي بعد سقوط نظام البشير مباشرة، ودشنت نشاطها بعقد أكثر من عشر ورش بمختلف ولايات السودان، للتعريف بالحقوق الثقافية، وتهدف الشبكة إلى المساهمة في التأسيس للحقوق الثقافية في الدساتير السودانية كما تؤكد المحامية نون كشكوش، عضو الشبكة.

 “يلقى المثقفون حتفهم تحت لافتة الإهمال”، يقول راشد مصطفى بخيت الناقد الدرامي، وعضو الشبكة، ثم يضيف وهو على منصة المؤتمر الصحفي الذي تحول طابعه إلى ما يشبه الندوة: “تقف خلف كل مشكلاتنا الكبرى في السودان أشباح للمشكل الثقافي، وللأسف يموت شاعر كخليل فرح بالسل، ويلقى معاوية نور حتفه بما يُظنُّ أنه الجنون”، لكن راشد – وبغُصَّة – دعا المثقفين والمبدعين والكتاب للاصطفاف لتكون حادثة الألفي آخر حادثة لتهميش المثقفين والمبدعين من قِبَلِ جهاز الدولة.

يسرد مصطفى بشار، التشكيلي والروائي، في مداخلته في المؤتمر الصحفي، الرواية المتداولة حول عجز مؤسس مجلة القصة السودانية عثمان علي نور عن إيجاد مصادر دخل للمجلة، وذهابه لطلب الدعم من وزارة الاستعلامات في أوائل السيتينيات، فما كان من أحد الموظفين إلا أن نصحه بترك ما يفعله وأن يبحث عن وظيفة في الحكومة تقيه شر الزمان.

وتدعم هذه الرواية ما رواه جمال عبد الملك الشهير بـ”ابن خلدون” في مذكراته عابر سبيل: “كنت أعمل مع الأستاذ عثمان متفرغاً للمجلة – يعني القصة – وكان العائد منها بالكاد يكفي تكلفة البريد والمكتب… وكان الدكتور إحسان عباس حريصاً على استمرارية المجلة وكان يعلم ما تعانيه من عسر، فكان يدفع للمجلة من جيبه الخاص قيمة اشتراكات لترسل المجلة لأصدقاء له حتى لا يجرح مشاعرنا”.

ومع ذلك، تعزو الروائية سارة الجاك، جزءاً التهميش التاريخي لدور المبدعين إلى عدم إيمانهم بقدرتهم على التأثير في المجتمع، بل حتى عدم اعترافهم – استحياءً – بوظائفهم بوصفهم كتاباً أو شعراء أو ممثلين أو فنانين تشكيليين، أو غير ذلك.

وانتقد المبدعون الذين حضروا المؤتمر، إهمال الحقوق الثقافية على مستوى الدساتير وكذا على مستوى المنظومات السياسية كالأحزاب التي ترى في الإبداع والثقافة مجرد نافلة تُستصحب ضمن القضايا الهامشية، في الوقت الذي يرى فيه مبدعون ومثقفون أن مشكلة السودان بالأساس ذات جذر ثقافي، وبالتالي لا يمكن إهمال سؤال الثقافة في بناء الدولة.

ويرى المخرج ربيع يوسف أن الحقوق تُقتلع اقتلاعاً من جهاز الدولة خصوصاً مع ما يعانيه المبدعون من شظف العيش وقلة فرص العمل في مجالاتهم.

ودعا الناقد والكاتب السر السيد، إلى اصطفاف المبدعين للضغط على الأحزاب والتنظيمات السياسية، وأجهزة الدولة، لإجبارها على تحمل مسؤوليتها تجاه الفنون والثقافة، فبجهاز الدولة – بحسب السيد – متاريس تبدأ من قمع الحريات ولا تنتهي بهضم حقوق المبدعين.

لكن مع كل ذلك، يظل السؤال المركب: كيف يمكن أن نعيد النظر إلى الثقافة والإبداع بوصفهما لبنة أساسية في تشكيل الحياة؟ ومتى ستعي المنظومة السياسية ذلك؟ إذن، كيف لمجتمع أن ينظر إلى نفسه دون ثقافة مميزة أو إبداع؟


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *