أدناه الجزء الثاني من حوارات بورخيس الإذاعية مع أوزفالدو فيراري. جرت في العام 1984
فيرجينيا وولف، فيكتوريا أوكامبو والنسوية
-أوزفالدو فيراري: ثمة شخصية أدبية أنثوية، يا بورخيس، كتبت كتابين أنت ترجمتهما، ولم نتحدث عنها من قبل…
– خورخي لويس بورخيس: فيرجينيا وولف1.
– فيراري: نعم، الكاتبة الإنجليزية.
– بورخيس: كنت أعتقد أنني لا أحب فيرجينيا وولف، أو بالأحرى اعتقدت أنها لم تكن تثير اهتمامي، لكن انتدبتني مجلة (سور) لترجمة (أورلاندو)2. وافقت على ذلك، وبينما كنت أترجم، قرأتها وفوجئت بتنامي اهتمامي بها. والآن، هذا كتاب عظيم، وثيمته غريبة- عائلة ساكفيل.
-فيراري: ساكفيل- ويست.
– بورخيس: نعم. الرواية مهداة، ليس لفرد بعينه في تلك العائلة، فيما عدا صديقتها فيكتوريا ساكفيل- ويست3- ولكن فلنقل مكرسة لفكرة، لتلك العائلة بوصفها نمطا أفلاطونيا4، شكلا كونيا، وهو الاسم الذي أطلقه الإسكولائيون5 على الأنماط الأفلاطونية. ولتحقيق هذا الهدف تتخيل فيرجينيا وولف فردا يعيش في القرن السابع عشر، ثم ينتهي به المطاف في عصرنا. ويلز6 أيضا وظف هذه الحيلة في إحدى رواياته- لا أذكر أيها- حيث شخوص الرواية، ولأجل راحة المؤلف بحيث يستطيع موضعتهم تاريخيا في حقب مختلفة، يعيشون ليبلغوا عمر الـ 300 عام. شو7 أيضا لعب بفكرة الخلود هذه.
– فيراري: في (عودا إلى متوشالح)8.
– بورخيس: نعم. ثمة من يعيشون حياة مديدة ومن تقتصر حياتهم على المدى الطبيعي… حسن، أنا الآن أجابه خطر أن أكون أحد هؤلاء الذين يعيشون طويلا… بلوغي سن الخامسة والثمانين أمر خطر- فقد أبلغ السادسة والثمانين في أية لحظة. في النهاية، فلنأمل ألا يحدث ذلك، فلنأمل ألا أكون من هؤلاء الذين حظوا بهذا الامتياز البائس أو من يبليهم الزمن على نحو بائس. والآن، في الرسوم التوضيحية لذاك الكتاب، أورلاندو، ثمة بورتريهات للعائلة، ويدرك المرء أنهم جميعهم أورلاندو. يخدم أورلاندو أيضا غرض تقديم بانوراما لحقب مختلفة، لأشكال أدبية مختلفة. كل هذا في الاعتبار يوحي بكتاب تستحيل قراءته، لكنه في الحقيقة مثير للاهتمام إلى حد بعيد.
– فيراري: أمر آخر حقيقي بصدد ذلك الكتاب، هو منزل آل ساكفيل- ويست، الذي يخدم كخلفية للكتاب، ويحوي، استنادا إلى فيكتوريا أوكامبو، 365 غرفة.
– بورخيس: بالطبع، وبالتالي فهو منزل ذو طابع فلكي، لأن الرقم 365 يوحي بالتنجيم، وأيضا بالطبع يوحي بسنة التقويم.
– فيراري: هذا صحيح، أعرف أيضا أنك ترجمت (غرفة تخص المرء وحده)9، وهو أيضا لفيرجينيا وولف.
– بورخيس: نعم، ولكن الآن، بما أننا وحدنا هنا؛ فإنني سأطلعك على سر، في الحقيقة والدتي10 هي من ترجمت ذلك الكتاب. أنا فقط قمت بتحرير الترجمة قليلا، على ذات النحو الذي حررّت به هي ترجمتي لأورلاندو. في واقع الأمر، فقد عملنا سويا. (غرفة تخص المرء وحده) يثير اهتمامي بقدر أقل… حسن، لنقل إن ثيمته هي محاجة مباشرة لصالح المرأة والنسوية. ولكن، بما أنني نسوي، فأنا في غنى عن الحجج لإقناعي، أنا أصلا مقتنع. فيرجينيا وولف تحولت إلى مبشرة بتلك القضية. ولكن، بما أنني من الأساس مناصر لتلك القضية؛ فلا حاجة لي بالمبشرين. ذلك الكتاب الآخر، أورلاندو، مثير للإعجاب حقا، ومن أسف أنه ينحدر مع بلوغه صفحاته الأخيرة، برغم أن هذا عادة ما يحدث مع الكتب. مثلا مع (مائة عام من العزلة)11- يبدو أن العزلة ما كان ينبغي أن تدوم مائة عام، بل ثمانين، أليس كذلك؟ ولكن لأجل العنوان كان لا بد أن تكون مائة عام من العزلة. الكاتب يحيق به الإنهاك، والقارئ يحس بذاك الإنهاك ويشارك فيه المؤلف. ونهاية أورلاندو.. يبدو لي أن ثمة شيء ما، لا أدري، ثمة صلة غامضة بالماسات، ولكن تلك الماسات خبت من ذاكرتي- إنني ألمح فقط بريقها.. لكنه كتاب محبب للغاية، للغاية. أتذكر فصلا، صفحة يظهر فيها شكسبير. لا يذكر اسمه قط لكن كل قارئ يدرك أنه شكسبير، يظهر وهو يشاهد إنتاجا مسرحيا ولكنه يفكر بأمر آخر أثناء العرض- يفكر ربما بإنتاجات كوميدية أو تراجيدية ربما. يدرك المرء أن هذا شكسبير، لكن لو كنا قد أخبرنا بأنه شكسبير، لكان قد ضاع كل شيء.
– فيراري: بالضبط. يعود أورلاندو إلى الوراء لحقب وأزمنة مختلفة، إنه مثال جيد على الأدب الفانتازي.
– بورخيس: بلا شك. وهو أيضا بلا نظير، إذ لا أذكر أي كتاب آخر كتب بهذا الشكل. أعتقد أن المرء لا يدرك في البداية أن أورلاندو لا يزال حيا، أليس كذلك؟ لا يدرك أن أورلاندو سيكون، حسن، إما خالدا، أو أقرب لكونه خالدا.
– فيراراي: خالد وكلي الحضور.
– بورخيس: نعم، خالد وكلي الحضور. أعمال فيرجينيا وولف النقدية ترضيني على نحو أقل. في مناقشة لكتاب من جيل بعينه اتخذت آرنولد بينيت12 نموذجا.. من الغريب أنها أخذت آرنولد بينيت مثالا، بينما كان بوسعها أن تختار رجلين ذوي عبقرية فذة أمثال جورج برنارد شو وإتش جي ويلز. ذكرت أن بينيت أخفق فيما عدته هي ضروريا للروائي- خلق شخصية. لكن لا أظن أن ذلك ينطبق حقيقة على بينيت، ولست واثقا مما إذا كان صنع شخصية هو أهم اعتبارات الروائي، بوسعنا أن نقول في النهاية إن تشارلي تشابلن وميكي ماوس (يضحك)، ولوريل وهاردي شخوص. لذا فلا يبدو أن خلق شخصية أمر عسير، أليس كذلك؟ الشخوص تخلق باستمرار- رسام الكاريكاتور بوسعه صنع شخصية.
– فيراري: تعرف أن سيلفينا13 وفيكتوريا أوكامبو كانتا أيضا مهتمتان ومنشغلتان لحد بالغ بفيرجينيا وولف، وقد كتبت فيكتوريا أوكامبو…
– بورخيس: فيكتوريا كانت تعرفها بشكل شخصي، ولكن ربما على نحو خاضع للغاية. أتذكر أن فيكتوريا تحدثت إليّ ذات مرة عن عدد من مجلة (سور) مخصص للأدب الإنجليزي. وهكذا جمعتُ مع بيوي كاساريس سلسلة من النصوص، واتضح بعد ذلك أن فيكتوريا وافقت على نشر مختارات من فيكتوريا ساكفيل-ويست وفيرجينيا وولف في إنجلترا. ولم أحب كثيرا نشر العديد من هذه القصائد؛ لأنها لم تعجبني، لكن فيكتوريا قالت لي: لا، فقد اكتمل تنسيق العدد. وقد صدر بتلك الشاكلة. لاحقا، شرعت في نشر النصوص التي كنا قد اخترناها لكُتاب استبعدوا اعتباطا لصالح فيرجينيا وولف وفيكتوريا ساكفيل- ويست. وأظن أنهما سعتا لإبراز كتاب من دائرتهما. على النقيض، خططت أنا لأنطولوجيا يمكن لها أن تمثل كامل الأدب الإنجليزي المعاصر. أتذكر أن فيكتوريا أوكامبو عندما أخبرت فيرجينيا وولف أنها جاءت من جمهورية الأرجنتين، أجابتها فيرجينيا وولف بأن بوسعها تخيل صورة ما عن البلد- أنها بوسعها تخيل مشهد أناس في حديقة، أو في مرج، يحتسون الشراب ليلا بابتهاج، مكان ما بأشجار ويراعات. وقد أجابت فيكتوريا بتهذيب أن هذا بالضبط ما تبدو عليه الأرجنتين (يضحك).
– فيراري: عندما تكتب فيكتوريا أوكامبو عن فيرجينيا وولف فإنها تتحدث بإسهاب عن وضع النساء في نهاية الحقبة الفيكتورية، في إنجلترا وحتى في الأرجنتين. وفي الحقيقة، يا بورخيس، فإن النسوية ومزاعمها تغدو مفهومة إثر قراءة كل ذلك.
– بورخيس: بالطبع، ولكن حتى قبل قراءة كل ذلك فإن آرائي كانت هي ذاتها، نعم.
– فيراري: إحدى ضحايا هذا المسلك الفيكتوري تجاه النساء- برغم أنها كانت قادرة على التغلب على ذلك- هي فيرجينيا وولف.
– بورخيس: آه، لم أكن أعلم ذلك.
– فيراري: لقد اختبرت ذلك في مسلك والدها، والذي صدع بالأمر: “لا كتابة، لا كتب”.
– بورخيس: أعتقد أن والدها كان محرر (رجال القلم الإنجليز)، لكنني لم أكن أعلم أنه…
– فيراري: لقد عارض ممارسة ابنته للقراءة والكتابة.
– بورخيس: بعض السير الذاتية في المجموعة التي أشرف على تحريرها كانت متقنة، على سبيل المثال، تلك التي كتبها هارولد نيكلسون14 عن تشارلز سوينبورن15، وأخرى عن إدوارد فيتزجيرالد16، ثم دراسة لجي بي بريستلي عن جورج ميريديث، وهي دراسة بارعة.
– فيراري: ثمة أسطر بعينها غاية في الغرابة كتبتها فيرجينيا وولف لفيكتوريا أوكامبو، حيث تقول: “كشأن أغلب النسوة الإنجليزيات غير المتعلمات فإنني أهوى القراءة، أهوى قراءة الكتب على الدوام.”
بورخيس: (يضحك) حسن، تلك الجزئية عن كونها غير متعلمة هي نوع من الدعابة من جانبها، أليس كذلك؟ ولكن ربما لا، ربما مقارنة بعالم أو فيلسوف فإن الكاتب يعد شخصا غير متعلم…
– فيراري: والعكس بالعكس بالطبع.
– بورخيس: والعكس بالعكس، ولكن ربما نحن معشر الكتاب، سواء أدباء أو مؤرخين، جهلة تماما. أعرف ذلك، حسن، ربما مقارنة بـ (رجل الشارع) أُعدُّ أنا جاهلا. لأنني بلا شك أستعمل الهاتف مرارا، مرارا وتكرارا، ولكن سأظل لا أدري ما الهاتف، وإلى حد أبعد، ما الحاسوب! لقد توصلت بالكاد لأن أفهم ما البارومتر أو الثيرمومتر، وربما قد أكون نسيت أصلا ما عرفته عنهما.
– فيراري: بالتأكيد، كما أسلفت لك، يبدو أن سلسلة من النقاشات جرت بين فيكتوريا أوكامبو وفيرجينيا وولف. تقتبس فيكتوريا أوكامبو في رسالة لها مقطعا من جين إير وتقول: “يمكن سماع تنفس شارلوت برونتي، تنفس مثقل ومقهور.” وتضيف أن ذلك القهر هو قهر فرضه عليها عصرها، في حالتها بوصفها امرأة.”
– بورخيس: نعم، حسن، ويبدو أننا جميعا نملك الحق في التنفس المثقل والمقهور، أليس كذلك؟ الرجال كذلك (يضحكان). وللأسف، بوسعنا اختبار هذا الامتياز المؤسف الذي كان فيما سبق حكرا على النساء.
الهوامش والإحالات:
1و 2 و9: “لقبت فرجينيا وولف بـ “الروائية الرائدة في إنجلترا”. ليس التسلسل الهرمي الدقيق بذي أهمية- كون الأدب ليس مسابقة- لكن عقلها ومخيلتها بلا مراء من بين الأكثر حساسية من تلك التي تزاول التجريب اللبق في الرواية الإنجليزية الآن. ولدت أديلينا فيرجينيا ستيفن في لندن في 1882. (وقد تلاشى اسمها الأول بلا أثر). وهي ابنة للمستر ليزلي ستيفن، مؤلف سير ذاتية لسويفت وجونسون وهوبز؛ وهي كتب تكمن قيمتها في الصفاء المرهف لنثرها ولدقتها في سرد الوقائع، إلا أنها لا تحاول إلا نزرا يسيرا من التحليل ولا تحاول أي نوع من الابتكار. كانت أديلينا فيرجينيا الثالثة من ضمن أربعة أطفال. ويتذكرها المصور روثينشتاين: “منغمسة في ذاتها وهادئة، متشحة بالسواد مع ياقة من الدانتيل وأكمام بيضاء.” نشأت منذ طفولتها على ألا تتكلم إلم يكن لديها ما تقوله. لم تبعث إلى المدرسة مطلقا، ولكن تضمنت دراستها المنزلية دراسة اليونانية.
كانت أيام الآحاد حاشدة في المنزل: ميريديث، رسكن، ستيفنسن، جون مورلي، جوسه، وهاردي، كلهم كانوا حضورا على الدوام. كانت تقضي شهور الصيف في كورنوول على شاطيء البحر، في بيت صغير تائه في عزبة عملاقة ومهملة، بشرفات وحديقة وصوبة زجاجية. تعاود هذه العزبة الظهور في رواية لها في العام 1927. وفي 1912 تتزوج فيرجينيا ستيفن بالمستر لينارد وولف في لندن، ويقتني الزوجان مطبعة.
تروق لهما الطباعة، ذلك الشريك الغادر أحيانا للأدب، ويؤلفان ويطبعان كتبهما الخاصة، وفي ذهنهما بلا شك سابقة مجيدة متمثلة في ويليام موريس، الشاعر والطباعي.
بعد مضي ثلاث سنوات تنشر فيرجينيا وولف روايتها الأولى: (الرحلة خارجا). وتظهر (ليل ونهار) في 1919، وفي 1922 (رحلة يعقوب)، وهو كتاب له فرادته التامة من البداية. لا حبكة فيه، بالمعنى السردي للكلمة؛ فالموضوعة ‘شخصية’ رجل. ولا تدرس في ذات الرجل نفسه مباشرة بل بصورة غير مباشرة في الشخوص والأشياء من حوله.
تروي (مسز دالواي) 1925 يوما في حياة امرأة؛ وهي انعكاس لعوليس جويس تعوزه كثافتها. (إلى الفنار) 1927 توظف ذات الحيلة: فهي تصور سويعات قليلة في حيوات أشخاص متعددين، بحيث نبصر في تلك السويعات ماضيهم ومستقبلهم. وذات الانشغال بـ ‘الزمن’ ماثل في (أورلاندو) 1928. بطل هذه الرواية بالغة الأصالة- بلا شك أشد أعمال فيرجينيا وولف كثافة والأكثر تفردا وجنونا في عصرنا- تمتد حياته لثلاثمائة عام، وهو في أحايين رمزا لإنجلترا، ولشعرها بالأخص. يتآمر السحر والمرارة والسعادة في هذا الكتاب، وهو بالمثل عمل موسيقي، ليس فحسب لفضائل جرس نثره ولكن أيضا لبنيته ونظامه، والذي يحوي قلة من التيمات التي تمتزج وتعاود الظهور. كما نسمع نوعا من الموسيقا في (غرفة تخص المرء وحده) 1930، والتي يتناوب فيها الحلم والواقع ويصلان إلى اتزان. في 1931 نشرت فيرجينيا وولف رواية أخرى: الأمواج. والأمواج التي تهب اسمها لهذا الكتاب تأخذ- عبر الزمن وتقلباته العديدة- أصوات مناجاة الشخوص لأنفسهم. كل مرحلة من حياتهم تقابل ساعة مختلفة من اليوم، من الصباح وحتى حلول الليل. ليس ثمة حبكة، ولا حوار، ولا أحداث، إلا أن للكتاب تأثيره. وكبقية أعمال فيرجينيا وولف فهو مثقل بحقائق ملموسة ومرهفة.”
[مقدمات _ 1936]
3- كانت فيكتوريا ساكفيل-ويست شاعرة وروائية ومصممة حدائق، ويبدو أنها كانت مصدر الإلهام لشخصية أورلاندو ذاتها.
4- في أمثولة الكهف- التي بلغت بها شهرتها حد ابتذالها- يقرر أفلاطون حقيقة أن العالم المرئي محاكاة ركيكة لعالم أكثر اتساقا وسموا، وأن أشياء هذا العالم تصبو لمثال نظائرها الكاملة في ذاك العالم. وله ينسب أفلاطون اتساق- وجمال- الرياضيات والهندسة والموسيقا.
5- حتى القرن التاسع عشر كان لمسمى الإسكولائية ذات الوقع المنفر والمستهلك لمسمى القرون الوسطى. وكان ينظر لها باعتبارها رفثا فلسفيا متطاول الأمد من التعقيد في غير ما داع وبصدد ما لا يستحق.
وقد صرح هيجل بلا مواربة أنه يتمنى لو كان بحوزته ‘حذاءا الفراسخ السبعة’- المقابل الغربي لبساط الريح- ليقفز الألف سنة بين القرنين السادس والسابع عشر، وليصل أخيرا لديكارت هاتفا شأنه شأن البحارة: اليابسة!!
إلا أن القرن العشرين وما بعده كان أكثر إنصافا للفلسفة الإسكولائية وما شغلت به من موضوعات؛ الإيمان بإزاء العقل، وحرية الإرادة من عدمها، وشغفها -بتأثير من أرسطو- بإثبات وجود خالق للعالم، وبالتساؤل عما إذا كان للشيء وجود بالضرورة حال وجود اسم له، وهو ما عرف ب(الإسمانية) كمقابل للواقعية.
6- ربما يعني (يوتوبيا معاصرة) لويلز، إلا أن تقدمته لرواية أخرى ‘أخيرة’ لويلز في (مقدمات ومقدمة مقدمات) جديرة بالتأمل:
“باستثناء كتاب ‘ألف ليلة وليلة’ المذهل على الدوام -الذي أطلقت عليه الإنجليزية اسما لا يقل جمالا، (الليالي العربية) -فإنني أحسب أنه من الآمن القول بأن الأعمال الأشهر في الأدب العالمي قد حظيت بأسوأ العناوين. على سبيل المثال، من الصعب تصور عنوان أكثر قتامة وافتقارا للرؤية من ‘النبيل البارع دون كيخوته دي لا مانتشا’ برغم أن المرء ينبغي أن يقر بأن ‘أحزان الشاب فيرتر’ أو’الجريمة والعقاب’ هي عناوين بذات القدر من الفظاعة تقريبا… (وفي الشعر لا أحتاج لأكثر من ذكر اسم لا يغتفر: ‘أزهار الشر’).
أشير لهذه الأمثلة البارزة كي لا ينصرف قرائي لأن كون كتاب يحمل الاسم السخيف ‘ملائم لدولوريس’ يعني استحالة قراءته بالضرورة. يطابق ‘ملائم لدولوريس’ بشكل سطحي روايات فرانسيس ليز البوليسية السايكولوجية. تُفَصِل صفحاته استهلال حب ثم تنامي كراهية لا تحتمل بين رجل وامرأة. وفي سبيل أن توجد خاتمة مأساوية ملائمة، لربما كان من المريح لو تدرجنا في الإحساس بأن الراوي سينتهي به المطاف بقتل المرأة. لكن ويلز بالتأكيد ليس شغوفا بالنذر المأساوية، ولا يؤمن بجلالة الموت أو حتى القتل. لا أحد أقل ميلا منه للجنائز، ولا أحد أقل ميلا للإيمان بأن اليوم الأخير أهم من سابقيه.
وليس من غير المنصف القول بأن ويلز يولي اهتمامه لكل شيء، ما عدا القصة التي يرويها في اللحظة المعينة. من بين البشر الذين يشكلون هذا الكتاب المهذار لا يأبه المؤلف إلا لواحد فحسب: دولوريس ويلبك. وعلى بقية الشخوص أن يناجزوا بلا أمل الإثنوجرافيا وعلم الأحياء والسياسة. وبين استطرادات المؤلف السرمدية التي يطرب لها، توجد هذه الفقرة القادحة في الإغريق: “الحضارة الهيلينية! هل سألت نفسك كيف كانت؟ عواصم كونية متهتكة، مبان مطلية بالأحمر وتماثيل وردية، حلى معمارية في ردهات، هومير المُلِح والمدوي وأبطاله الهيستيريون، فصاحة ودموع خالصتين.”
[مقدمات _ 1938]
7 بشكل لا يخلو من تأثر مباشر بهنريك إبسن، أفلح جورج برنارد شو في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديدا بمسرحيتيه ‘بيوت الأرامل’ و’حرفة السيدة وارن’، في أن يفك إسار المسرح الإنجليزي من تقاليد بالية في بناء الحبكة والشخوص، وأن يرسي من أسس الواقعية، التي سيغدو سيدا متوجا لها في العقود التي تلي ذلك.
في مقدمة لبورخيس لسيرة ذاتية لبرنارد شو تصادفنا هذه الشذرة:
“تحوي السيرة الذاتية لبرنارد شو التي وضعها فرانك هاريس رسالة خليقة بالإعجاب خطها شو، ويقول فيها: “إنني أفهم كل شيء وكل شخص، وأنا بدوري لا أحد ولا شيء” (ص. 228). من ذلك اللاشيء -الجدير بالمقارنة بلا شيئية الرب قبل أن يخلق العالم، والجدير بالمقارنة بتلك الألوهة التي أطلق عليها آيرلندي آخر، جوهانس سكوتس إريجينا، اسم ‘نيهيل’- يستنبط برنارد شو شخوصا لا حصر لها تقريبا، شخوصا درامية أسرعها تلاشيا على حد ظني هو جي. بي. إس. الذي قدمه للعامة والذي أمد أعمدة الصحف بمعين من الملح السهلة.
موضوعات شو الأساسية هي الفلسفة والأخلاق: ومن الطبيعي والمحتم ألا يحظى بتقدير في الأرجنتين، أو أنه لا يتذكر فيها إلا بسبب من بعض حكمه. الأرجنتيني يشعر أن الكون ما هو إلا تمظهر للصدفة، التراكب العارض للذرات الذي تصوره ديموقريطس؛ فالفلسفة لا تثير اهتمامه. ولا الأخلاق: بالنسبة له فإن معضلات المجتمع ليست سوى صراع أفراد أو طبقات أو أمم كل شيء فيه مقبول _إلا أن تتعرض للهزيمة أو السخرية.
الشخصية البشرية وتنوعاتها تمثل التيمة الجوهرية للرواية في عصرنا؛ غنائيتها تضخيم (مستجد لرضا القارئ) لحظوظ ومآسي الغرام، وحيث تحيل فلسفة هايدجر أو جاسبرز أيا منا لمحاور مثير للاهتمام في محادثة متواصلة مع العدم أو الألوهة. [وهو ما لا تكاد تخلو منه بشكل شبه حرفي أي رواية لكونديرا _ المترجم].
هذه المناهج التي قد تكون مثارا للإعجاب على نحو رسمي، لا تنمي إلا من وهم الذات التى قضى فيدانتا بكونها خطأ شائعا. وهي تلاعبات باليأس والعناء لكنها في باطنها مجرد إشباع للكبرياء، وبهذا فهي لا أخلاقية.
أما أعمال شو فهي تخلف مذاقا من التحرر، مذاقا من عقائد أروقة زينو ومذاقا يذكر بالملاحم.”
[بوينس آيريس 1951]
8 خط شو خمس مسرحيات تمتد وقائعها عبر تاريخ الوجود الإنساني من لدن جنة عدن وإلى أبعد مستقبل متصور يمكن أن يظل فيه البشر بشرا، يدرس في هذه المجموعة المندرجة تحت عنوان (عودا إلى متوشالح) التناذر العكوس للحضارة والسلطة، وكيف أن كمال إحداهما يستنقص من الأخرى، وكيف أن التأهيل الكافي للسلطة يستلزم من باتوا على أعتاب الشيخوخة بالضرورة، بمعنى أن الحكمة مديدة والحياة قصيرة.
في مزيج غريب من أفكار لامارك وداروين وربما برجسون أيضا، يقترح حلا لهذه المعضلة بإطالة أمد حياة البشر أضعاف ما هي عليه اليوم مقترحا ما أسماه ب ‘التطور الخلاق’.
10 لوالدته ‘ليونور أسيفيدو سواريز’ أعمالها الخاص في الترجمة كترجمتها لرواية فوكنر (إن نسيتك يا أورشليم)، ويشير دوما لمشاركتها إياه مشاريع عدة، ولتلاوتها لما يرغب الاطلاع عليه منذ أن بدأ بصره بالتدهور، ولكونها أول من يطلعه على الكثير من نصوصه إلم يكن قد أملاها عليها من الأساس.
توفيت في سن التاسعة والتسعين، وفي جنازتها عزته امرأة بالقول: “يا لليونور الصغيرة المسكينة، ماتت وقد أوشكت أن تبلغ المائة، لو أنها انتظرت قليلا…”
فأجابها بورخيس: “أرى يا سيدتي أنك من الأوفياء للنظام العشري”.
11 تكرس ‘مائة عام من العزلة’ لذات موضوعة أورلاندو جيشا جرارا ومتاهة متشعبة وشائقة من الشخوص المتوالين في شبه تكرار دوري عبر الزمن، هذا بالإضافة لما لا حصر له من بذاءات غير ضرورية، وحروب ومجازر وإعدامات وكرنفالات لا تنقضي، وتوظيفات للدهشة والافتتان في كل ما هو عادي وبديهي تماما. وكل هذا لا يحمل على الرواية، بل هو تيمتها المحركة والآسرة بالضبط.
12 بصلف لا يخلو من روح طبقية نعتت فيرجينيا وولف آرنولد بينيت (الروائي الشعبوي غزير الإنتاج بشكل منقطع النظير) بأن له “رؤية أدبية جديرة ببائع في حانوت”.
13 زوجة صديقه بيوي كاساريس، وصفها ذات مرة بأنها: “أعظم شعراء الإسبانية على جانبي المحيط”. تعاون ثلاثتهم في 1940 لتجميع أنطولوجيا خلابة وموسوعية لأعمال الفانتازيا القصصية القصيرة وتلك المجتزأة من روايات وكتب، وأطلقوا عليها اسما موفقا: ‘كتاب الخيال’.
14 يصدف أن السير هارولد نيكلسون هو زوج فيكتوريا ساكفيل-ويست بالمثل.
15 ألجيرنون تشارلز سوينبورن (آلجي كما يسميه جويس في صفحات عوليس الأولى) الشاعر الفذ والناقد الموسوعي، وأحد واضعي الطبعة الحادية عشرة من الموسوعة البريطانية، وهي الطبعة التي شغف بها بورخيس كثيرا وتظهر في أعماله القصصية عدة مرات (لا سيما ‘طليون أوقبار أوربيس تيرتيوس’ حيث يقتني بيوي كاساريس نسخة مقرصنة منها عنونت بالموسوعة الآنجلوأمريكية، وفيها يعثر مع بورخيس على اقتباس يطلق حبكة القصة المربكة والمثيرة للدوار). أرهق سوينبورن لندن الفيكتورية بتهتكاته في الأدب وعلى أرض الواقع، وإشارات بورخيس لأعماله النقدية تكاد لا تحصى، وتكاد أن تنعدم إحالاته لأعماله الأدبية.
لأعمال سوينبورن عن شكسبير وهيوجو وجونسون ثقل خاص ورحابة لا نظير لها.
16 لغز إدوارد فيتزجيرالد:
“رجل، عمر بن إبراهيم، يولد في فارس في القرن الحادي عشر من الحقبة المسيحية (كان ذلك القرن بالنسبة له الخامس من الهجرة)؛ يدرس القرآن وعلومه مع حسن بن الصباح، الذي سينشئ مستقبلا جماعة الحشاشين، أو ‘السفاحين’، ومع نظام الملك الذي سيغدو وزير ألب أرسلان وفاتح القوقاز. ثلاثة الأصدقاء، بنوع من المزاح، يتعاهدون إن رفع القدر من شأن أحدهم يوما ألا ينسى الآخرين. بعد سنين عدة يحظى نظام بمنصب الوزارة؛ لا يطلب عمر إلا ركنا في ظل هذا النعمة الضافية، ليدعو فيه لصاحبه بالنماء ويتفرغ فيه للرياضيات. (يطلب حسن منصبا مرموقا ويحظى به، وفي النهاية يتسبب في طعن الوزير حتى الموت).
يتلقى عمر معاشا سنويا قدره عشرة آلاف دينار من خزينة نيسابور، ويصير بوسعه أن يكرس نفسه لدراساته. لا يؤمن عمر بالتنجيم لكنه ينشغل بالفلك، ويسهم في ضبط تقويم اقترحه السلطان، ويخط أطروحة شهيرة في الجبر تعطي حلولا عددية للمعادلات من الدرجة الأولى والثانية وأخرى هندسية – باستخدام مقاطع للمخاريط- لتلك التي من الدرجة الثالثة.
أسرار الأرقام والنجوم لا تستنزف كل انتباهه، ويقرأ في عزلة مكتبته كتب أفلوطين الذي يعرفه قاموس الإسلام باسم أفلاطون المصري أو المعلم اليوناني، والرسالة الحادية والخمسين من رسائل إخوان الصفا، والتي تحاجج بأن الكون فيض من ‘الوحدة’، وسيؤول للوحدة.
لقد قيل إنه يعتنق عقيدة الفارابي، الذين كان يؤمن أنه لا وجود للأشكال الكونية خارج الأشياء، وعقيدة ابن سينا الذي علم أتباعه أن العالم قديم. يروى أنه كان يؤمن، أو يدعي الإيمان، بتناسخ الأرواح من أجساد البشر لأجساد الحيوانات، وأنه تحدث ذات مرة مع حمار مثلما حدث فيثاغورث كلبا. كان ملحدا، إلا أنه كان بوسعه تفسير أصعب آيات القرآن وفق منهج السلف، إذ أن كل رجل واسع العلم لاهوتي، وليس الإيمان شرطا في ذلك. في أوقات فراغه بين الفلك والجبر وتخريجات اللاهوت يعمل عمر الخيام على تأليف رباعيات يقع البيت الأول والثاني والأخير منها على ذات القافية؛ أكثر مخطوطاتها شمولا ينسب له خمسمائة منها، وهو رقم هزيل لا يرقى لسمعته، إذ في فارس (كما في إسبانيا لوبي دي فيجا وكالديرون) ينبغي على الشاعر أن يكون غزير النتاج.
في سنة 517 للهجرة يطالع عمر أطروحة عنوانها (الواحد والكثير)؛ ويكدره قلق أو نذير. ينهض ويضع علامة للصفحة التي لن تراها عيناه مجددا، ويصطلح مع إلهه، مع ذلك الإله الذي قد يكون موجودا والذي التمس بركاته في صفحات كتب جبره العسيرة. مات في ذلك اليوم في ساعة الغروب. وفي ذلك الوقت في جزيرة إلى الشمال والغرب وغير معروفة لرسامي الخرائط في ديار الإسلام، ملك ساكسوني هزم ملكا نرويجيا وهزمه دوق نورماندي.
سبعة قرون تمضي بتنويرها وعذاباتها وتقلباتها، وفي إنجلترا يولد رجل، فيتزجيرالد الذي هو دون سعة علم عمر، لكنه ربما أشد حساسية وحزنا. فيتزجيرالد يعلم أن الأدب قدره، ويزواله بعناد وتراخي. يقرأ ويعيد قراءة الكيخوته، والتي تبدو له بالتقريب أفضل الكتب جميعها (ولكنه لا يرغب في ألا يكون عادلا مع شكسبير أو فيرجيل ‘العزيز’) وتمتد محبته حتى إلى القاموس الذي ينقب فيه عن الكلمات. يعلم أن أي رجل يتمتع بنزر من الموسيقا في روحه بوسعه كتابة الشعر عشر أو اثنتا عشرة مرة في مسار حياته إن أسعفته النجوم، لكنه لا يقترح استغلال ذاك الامتياز المتواضع. أصدقاؤه أناس مشهورون (تينيسون، كارلايل، ديكنز، ثاكري) لا يحس تجاههم بدونية برغم تواضعه ودماثته.
كان قد نشر حوارا دبجه بأسلوب مزخرف (يوفرانور)، ونسخا متوسطة المستوى من كالديرون وكبار التراجيديين الإغريق. من دراسة الإسبانية ينتقل للفارسية ويشرع في ترجمة منطق الطير، تلك الملحمة الصوفية عن طيور تبحث عن مليكها، السيمورج، وتصل في النهاية إلى قصر خلف البحار السبعة وتكتشف أنها هي السيمورج، وأن السيمورج كل واحد منها.
حوالي 1854 يعار مخطوطة لمجموعة من أشعار عمر مرتبة وفقا للترتيب الأبجدي للقوافي، ينقل فيتزجيرالد بعضها للاتينية ويلمح إمكانية نسجها في كتاب متصل ومتناسق الأجزاء يبدأ بصور للصباح والوردة والعندليب، ويختتم بصورة الليل والضريح. ولهذا المقترح المستحيل والذي لا يصدق يكرس فيتزجيرالد حياته، حياة رجل متوحد ومتراخ ومهووس. في 1859 ينشر نسخة أولى من الرباعيات تتبعها أخريات تثريها بتنويعات وصقل لها. تقع معجزة: من صدفة اقتران فلكي فارسي تنزل لكتابة الشعر وإنجليزي غريب الأطوار ممعن في دراسة الكتب الإسبانية والشرقية ربما بدون أن يفهمها فهما كاملا، يولد شاعر استثنائي لا يشبه أيا منهما. يكتب سوينبورن أن فتيزجيرالد “منح عمر مكانة خالدة بين كبار الشعراء الإنجليز”، وتشسترتون، الحساس تجاه العناصر الرومنطيقية والكلاسيكية لهذا الكتاب، يلاحظ أن له في ذات الوقت “نغمة متفلتة ورسالة أبدية”.
يؤمن بعض النقاد أن ترجمات فيتزجيرالد لعمر هي في، واقع الأمر، قصيدة إنجليزية بإحالات فارسية؛ إذ أن فيتزجيرالد قد حرف وصقل وابتدع، إلا أن رباعياته تتطلب أن نقرأها باعتبارها فارسية وباعتبارها تليدة.
تستدعي المسألة تخمينات ذات طابع ميتافيزيقي. نعلم أن عمر اعتنق العقيدة الأفلاطونية والفيثاغورثية عن تنقل الروح عبر أجساد عدة؛ ربما بعثت روحه ذاتها بعد قرون عديدة في إنجلترا لتحقق في لغة جرمانية قصية مفصصة باللاتينية المصير الأدبي الذي أخمدته الرياضيات في نيسابور. علم إسحاق لوريا ‘الأسد’ أن روح رجل ميت قد تدخل روحا معذبة لتغذيها وتعلمها؛ ربما حوالي 1857 اتخذت روح عمر مقاما لها في روح فيتزجيرالد.
نقرأ في الرباعيات أن تاريخ الكون مشهد يؤلفه الله ويؤديه ويشاهده؛ ذاك المفهوم (واسمه التقني وحدة الوجود) قد يجيز لنا أن نؤمن أن الإنجليزي يعيد خلق الفارسي لأن كليهما، في الجوهر، الرب أو وجوه لحظية للرب. أقرب للتصديق وليس أقل عجبا من هذه الافتراضات ذات الطابع الخوارقي افتراض صدفة حميدة. تأخذ السحب أحيانا أشكال جبال أو أسود؛ وبالمثل، تعاسة فيتزجيرالد ومخطوط مصفر بحروف أرجوانية، منسي على رف في البودليان في أوكسفورد، شكلا لحسن حظنا، القصيدة. كل التعاون ملغز، وذاك الذي كان بين الإنجليزي والفارسي أكثر إلغازا، لأنهما كانا مختلفين تمام الاختلاف، وربما ما كانا ليكونا صديقين في حياتهما، الموت وتقلبات الزمن قادا لأن يعرف أحدهما الآخر وجعلا منهما شاعرا واحدا. [1951]