معز الزين
“الحيوان في الكون كالماء في الماء”
جورج باتاي
1
وأنت تراه، ستلمحُ الجسدَ الراقص في البلورة المائية، التي تتماوَج حول دوامة تياراتها الرخوية، الجسدَ المغزولَ حول ذوبان الحواس في شغبها الوهّاج الطليق.
وأنت تراه، ستلمسُ الشكل السّابح في الملء، الشكلَ الرحيبَ الذي يملأ الفراغ الرامي إلى قدميه بخفِّة الطائر المُحوِّم في دوارهُ بعينٍ واحدة.
2
بين قدميهِ، بين ليدو نيوتن وزَهر الله، تلعبُ الجاذبية المُنعكسة إلى أعلى تأمّلاً في الكون. وفي امتداد الظاهرة وتمدّدها، وبكُلِّ تجسُّدٍ دائري حول الفنّان والحَنَان، يتبرعَم الساحِر الأرجواني ميسي من المسّ إلى الرحيق. فهو الجاذب الواهب، قبل الساحر الموهوب، التحقُّق الموعود، الكمال، لقاء الله وأينشتاين ما وراء البعد الرابع.
3
سترى إلى من لا يُرى، وهو يستمدُّ السحرَ من مفاوز الخطر ومخابئ الهلاك.
سترى إلى من يُلين زوايا الكون ويمطُّ أركانهُ المهجورة إلى فراغٍ ملوَّن يرمي إلى ماوراء الخلق والنشوء والتكوين: ففي قلبهِ يلهو الهيولي مع السحرة والمُنجّمين، ساحباً النجوم والمجرات والكواكب والمدارات من ماءٍ إلى أثيرٍ رخوي راقص.
سترى إلى مذوِّب العناصر في هيولي النور، في بهاء الشُعاع الهارب.
4
مع ميسي!
مع هذا الآسر، هذا اللُجين المائي الهارب من شعاع ما وراء الأكوان، تُمسي كرة القدم فنَّاً عجائيباً يُحرِّر الحواس ويُطلق المخيلة: مع ميسي لا نعرف إن كان يُحلِّق الجسد أم الكرة، أم الفراغ الحائر الذي يُغازلهما معاً؟!
يحلُّ علينا ميسي كالبرق الخاطف، كالوميض العابر من كونٍ إلى آخر.
5
تهيمُ الكرة بميسي وجسده المُستهام.
تهيمُ بالحالم الصغير.
بالوديع العذب.
بالطفل الراكض وراء جِنِّيات أمريكا اللاتينية في شوراع روزاريو الهامشية، بالتروبادور المُتسكِّع في أزقة كاتالونيا وحواريها البُرتقالية، بالعاشق الممسوس بيوميات نثر الروائي اللاتيني.
6
نحن لا نرى الكرة خارج جسده المُستهام:
نراها كموجة تقفزُ من جسده إلى بحار ما قبل العالم.
نراها تتقافز لاهية ضاحكة، كريشةِ طائرٍ كناريٍّ تلهو وتتذاوَب في شُعاع الشمس الذهبي الراقص.
ليس من جسده إلا الابتسام الضاحك.
ليس من جسده إلا هذا الراقص من ذاك الطيف الأوبرالي الممزوج بخفِّة أنثى الباليه وجاذبيتها الوامضة في التحليق الأثيري.
من جسدهِ الماء ولهو الدلافين، الينابيع وأجنحة طيور الماء التي تُغازل ثغرهُ الباسم.
7
في ملامح ميسي نلمحُ براءة التكوين البدائي: الفطرة والطفرة والبزوغ الموهوب.
فيه نتسلَّق شجرة الأشجار، فنلمحُ أطفال الحواس يُشاغبون بواكيرها وعذرياتها البلهاء.
ملامحهُ تحنُ إلى براءة ما قبل العالم، إلى الامتلاء الرحيب، وتُنصف جمال المتوحدين المُزهرين في الاختلاف كمالاً أكثر وسامةً من الجمال. فيه نلمحُ جمال الأليف المُختلف، الذي يُضاعف جمال من نجهلهم وننساهُم، من نسكُن معهم ونجاورهم، فلا نراهم أو نحس بهم قط.
8
في حذاء ميسي بحيرة تتعالق في الهواء و ترشِقُ صغار الدلافين: ففي قدمهِ اليمنى أليس، وفي يسراه الأخرى أليس في بلاد العجائب. حذائه سندريلا الواهب الموهوب.
9
يوماً بعد يوم، تُغازل السماء هذا الدولفين اللازوردي. يوماً بعد يوم، تُفتتَنُ به وتوشِّحُ شحوبه الفضائي بقوس قُزح و شقيقاتهُ الممزوجات بألوان أكوان أخرى.
10
مُلهم المُنجمين والسحرة والرهبان الميامين، هو النص المُستهام: فضاءٌ روائيٌ ـ شاعرٌ لعالَم لن يولد أبداً، صفاءٌ مائي وسِحرُ فنتازيا مُحلِّقة، تجسيدٌ للامتلاءات والرحابات، مسٌ راعش في تجلّي الجميل عبر انزياحات جسد الفنان الكروي.
حقاً، هُوَ ذا المنذور لبروق الجسد، لأقماره الخفية الوامضة في شغبٍ حالم، والمتأمل لشعبٍ هادرٍ من الحواس. هُوَ ذا المبذول كنبوءةٍ نهارية شفافة، تقشعُ قُبح هذا العالم الذي ينفض رمادهُ عالياً، كلما توارى الجميل عن الجميل.
إلى الأعالي
يشِّعُ الجسد الكروي ويصّاعدُ الذُرى إلى ما وراء الفنان.