قال الخبير القانوني، نبيل أديب، إن الوثيقة الدستورية المنقلب عليها لم تكن خالية من نقائص، لكن كان لابد من احترامها والتقيد بها كدستور واجب الإتباع، وأشار إلى أن التعديل الذي جرى فيها هو ما مهد للانقلاب.
ويرى أن دستور 2005 اشتمل على أفضل وثيقة حقوق ضمتها الدساتير السودانية، ولكن بالمقابل، عانت الحريات العامة في ظله أكبر انتهاكات.
وقال أديب في مقابلة مع “الحداثة”: “إن الوثيقة الدستورية في فترة الانتقال الأخيرة سقطت حين قرر الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء تعديل الوثيقة، رغم أنه لا يملك السلطة الدستورية ليفعل ذلك”. فيما يلي نص الحوار:
-الدستور الأنسب لحكم السودان، هو الدستور الذي تتم صناعته عبر مؤتمر دستوري يضم كل مكونات الشعب السوداني، ويتم التأسيس له بالاتفاق على المبادئ فوق الدستورية، وهي المبادئ التي لا يجوز لمسودة الدستور أن تغفلها أو تتضمن مبادئ تخالفها.
وعلى صعيد آخر، فإن تجربة دستور 2005 تؤكد على أن النصوص وحدها لا تخلق ممارسة دستورية قويمة، فدستور 2005 اشتمل على أحسن وثيقة حقوق ضمتها الدساتير السودانية، ولكن الحريات العامة في ظله عانت من أكبر انتهاك تم في ظل كافة عهود الحكم التي شهدها السودان عقب استقلاله.
-الدستور يسقطه الحكام وليس من ينقلبون عليه، ولا يتم تحصينه بالأحكام العقابية، ولكن بالدستورية التي تعني الشعور المتأصل لدى الحكام والمحكومين باحترام الدستور.
فدستور 1956 اسقطه رئيس الوزراء وقتها، ودستور 1964 اسقطه البرلمان، حين عُدل بشكل يقضي على حريتي التنظيم والتعبير، ومثالا لذلك حل الحزب الشيوعي، حين رفضت السلطة القائمة الرضوخ لحكم القضاء بعدم دستورية التعديل.
والوثيقة الدستورية في فترة الانتقال الأخيرة سقطت حين قرر الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء تعديل الوثيقة، رغم أنه لا يملك السلطة الدستورية ليفعل ذلك.
لكل ذلك فإن عدم احترام الحكام للدستور الذي وصلوا السلطة عن طريقه هو الذي يعبد الطريق للانقلابيين والإطاحة بالدستور.
-صحيح. فالعوامل الخارجية ليست حاسمة، في عمليتي الانقلاب أو الثورة، وحين يصل الحكام لقناعة بأن لديهم القدرة على فرض إرادتهم على الأمة، بغض النظر عن الأحكام الدستورية، فإن ذلك يجعل سلطة القوة تحل محل شرعية السلطة، وهذا ما يخلق الظروف التي تغري بانتزاع السلطة بواسطة الانقلابيين. وكذلك حين يصل الشعب لقناعة بأن السلطة تقمعه، أو لا تخدم مصالحه، حتما سيناضل من أجل اسقاطها، وهذا ما يخلق الحالة الثورية لدى الشعب الذي يقود الانتفاضة.
أما موقف المجتمع الدولي، فلا ينتج شيئا إلا عندما تصل أدوات التغيير الداخلية للنضج الكامل، ويصبح موقفه، ساعتها، مساعدا وليس عاملا أساسيا.
– صحيح. ويمكن لك أن تقارن ذلك مع موقف كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، الذي رفض إصدار قانون للصحافة عندما انتقدت حكومته سلوك صحيفة “نيووز أوف ذا ورلد” ما اضطرهما للاتفاق على إصدار القانون عن طريق ميثاق ملكي بعد إلغاء أكثر مواد القانون المقترح.
-الدستور هو مجموع القيود الواقعة على السلطات في الدولة، فهو الذي يحددها ويحكم كيفية توليها وفقدانها، وهو، من حيث المبدأ، يصدر عن السلطة التأسيسية، والتي تنحصر سلطتها في إصدار الدستور، ولا يكون لها أي وظيفة أخرى في الدولة، والسلطة التأسيسية إما أن تكون تعبيرا عن السلطة متى ما كانت الدولة خاضعة لسلطان حاكم يقرر لها ما يريد، وفي هذه الحالة هو من يضع القيود التي تلزمه، أو أن تكون باتفاق بين الحاكم والمحكومين أو بواسطة الشعب، وعن طريق مؤتمر دستوري أو جمعية تأسيسية أو استفتاء.
الوثيقة الدستورية عبرت عن إرادة الشعب في أعقاب ثورة ديسمبر، وذلك بالاتفاق السياسي بين سلطة الأمر الواقع التي تكونت بعد إسقاط عمر البشير، وأعني بها المجلس العسكري وبين الحرية والتغيير التي كانت تمثل مجموع القوى الشعبية التي شاركت في الثورة، ولا يدعي أحد أنها وثيقة كاملة؛ فهي، كأي جهد بشري، لا تخلو من النقائص، وهذا هو السبب في أنها أصبحت قابلة للتعديل، ولكن كان من الواجب احترامها والتقيد بها كدستور واجب الإتباع.
-نعم، والذين يقفون ضد الانقلاب لا يستقيم لهم ذلك إلا بالمطالبة بالعودة إلى الوثيقة الدستورية؛ لأن الانقلاب هو انقلاب على النظام الدستوري؛ فلا يمكن إسقاطه إلا بالعودة للوثيقة الدستورية أو بانقلاب آخر.
-صحيح. فالانقلاب على الوثيقة الدستورية بدأ بتجاهل أحكامها؛ فاسقاطها كان نتيجة لسلسلة من إهمال أحكامها قبل إجراءات 25 أكتوبر؛ فلقد أغفل الحكام إكمال أجهزة الحكم والمفوضيات المستقلة، وكذلك مؤسسات العدالة، وهذه كلها مؤسسات ضرورية لأداء مهام الفترة الانتقالية.
-أعتقد أن احترام المبادئ الدستورية يقتضي تفعيل أحكام الوثيقة الدستورية مع تعديل الأحكام التي لم تعد مناسبة نتيجة للتغييرات السياسية، وأعني بها الأحكام الخاصة بالشراكة المدنية العسكرية، وباعتماد سلطات دستورية لقوى الحرية والتغيير، وهي تمثل عددا محدودا من الوثيقة الدستورية، وهنا لا نحتاج لسلطة تأسيسية أصلية، بل يكفي أن تكون هناك سلطة تأسيسية فرعية، تمتلك سلطة تعديل الدستور، وهي، في حالتنا هذه، مجموع القوى السياسية والمدنية المشكلة لمكونات الشعب السوداني، مع استثناء المؤتمر الوطني وواجهاته المختلفة