تزامُنًا مع تواتر ما اعتبرها البعض “أنباءً سارة” بتوقيع اتفاق إطاري بين قوى ائتلاف الحرية والتغيير ومكونات سياسية أخرى، مع المكون العسكري، بالخرطوم، الإثنين الماضي، كانت أخبارًا غير سارة تسري مفادها أن نحو مليوني نازح و2.75 مليون مواطن معرضون للخطر في إقليم دارفور، ليس بسبب الحرب هذه المرة، ولكن بفعل الجوع، فهل رددت جدران القصر الجمهوري صدى هذه الأنباء؟
الأنباء غير السارة مصدرها، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا)، الذي أوضح أن 5.6 ملايين شخص في دارفور والعدد يمثل قرابة نصف سكان الإقليم، في حاجة إلى مساعدات إنسانية بحلول العام المقبل 2023.
وقال مكتب (أوتشا)، في تغريدة على (تويتر)، “سيحتاج كل شخص ثانٍ في دارفور إلى المساعدة والدعم من الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني”، مشيرًا إلى أنه من بين الـ(5.6) ملايين محتاج، هناك مليونا نازح و2.75 مليون مقيم معرض للخطر، إضافة إلى 700 ألف عائد، و154 ألف لاجئ.
على مدى عقدين، يعيش سكان إقليم دارفور البالغ تعدادهم 11.8 مليون نسمة، تحت أوار حرب أهلية يقودها زعماء حركات الكفاح المسلح الذين مهر عدد منهم بتوقيعاتهم الاتفاق الإطاري بالقصر الجمهوري الإثنين الماضي، على رأسهم الهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، والطاهر حجر تجمع قوى التحرير، وآخرين، بينما من لم يوقع منهم فهو –أيضًا- ليس ببعيد عن القصر الجمهوري مثلًا رئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، الذي يتولى منصب حاكم الإقليم المكلوم –دارفور- وجبريل إبراهيم الذي يمسك بخزانة الدولة وزيرًا للمالية، مع استثناء رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور الذي لا يزال ممسكًا ببندقيته من أجل دارفور لكنه لا يقاسم –شخصيًا- شعبه الجائع بالمعسكرات مسغبة الجوع.
بحسب مكتب (أوتشا) فإن 3.1 من أصل 3.7 نازح يعيشعون في إقليم دافور بما يُعادل 84% من إجمالي عدد النازحين بالبلاد قاطبة، فضلًا عن حوالى 700 ألف من الذين عائدوا إلى الديار، و154 ألف لاجئ أغلبهم من جنوب السودان.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يتوقع أن تؤدي الأزمة الاقتصادية التي يُعانيها السودان منذ سنوات طويلة إلى رفع أعداد المحتاجين إلى المساعدات إنسانية لمستويات قياسية العام المقبل، غير أن الوضع في دارفور يظل أشد وطأة على الرغم من توقيع الحركات التي تحمل السلاح اتفاقًا مع الحكومة المركزية في جوبا أكتوبر 2021م، جاءت أبرز بنوده تحقيق السلام والأمن وإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية مع توفير احتياجاتهم الأساسية.
فتح نجاح ثورة ديسمبر 2019م، وإطاحة حكم المعزول عمر البشير شهية المجتمع الدولي المحب للديمقراطية لوضع السودان في سلم الأولويات وانتشاله من جب العوز والفقر، ببذل التمويل لمشروعات تنموية ومشروعات بني تحتية لتحقيق الاستقرار والأمن، غير أن انقلاب 25 أكتوبر قذف بالبلاد إلى درك سحيق، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 137%، وأصبح ثلث السودانيين بحسب برنامج الغذاء العالمي. كما دفع الانقلاب بالمانحين الدوليين لتعليق مساعداتهم مشترطين عودة السلطة إلى المدنيين لاستئناف تلك المساعدات.
مع تفاقم الأوضاع، أعلن برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، مطلع ديسمبر الحالي أن نقص التمويل يهدد برامج وأنشطة حيوية يضطلع بها البرنامج، ما سينعكس سلبا على مساعداته الغذائية للسودانيين.
وعطفًا على ذلك، قرر البرنامج الأممي تقليص مساعداته للسودانيين اعتبارًا من بداية العام 2023م، ووفقًا لتقرير صادر عن البرنامج، فإن ذلك سينعكس تأثيره كذلك على العلاجات المنقذة للحياة، ويزيد من أخطار تنامي سوء التغذية، والوفيات المحتملة بين 50% من 1.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، مشيرا إلى حاجتهم إلى قرابة 7 ملايين دولار لمواصلة عمليات برنامج الغذاء، وحذر البرنامج في وقت سابق، من وقف مشروع التغذية المدرسية بالكامل، بحلول العام 2023.
وحسب إحاطة قدمها رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، الألماني فولكر بيرتس إلى مجلس الأمن الدولي مساء الأربعاء عن الحالة في السودان “يقدر الشركاء في المجال الإنساني أن حوالي 15.8 مليون شخص – أي ثلث السكان – سيحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في عام 2023. وهذه زيادة قدرها 1.5 مليون مقارنة بعام 2022، وهو أكبر خلال عقد من الزمن”.
نص اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح المنضوية تحت مظلة الجبهة الثورية في جوبا 3 أكتوبر 2020م، على معالجة قضايا النازحين واللاجئين.
ألزم الاتفاق الحكومة بإنشاء مفوضية لإعادة إعمار دارفور خلال 3 أشهر من تاريخ التوقيع، تركز على دعم المشاريع الاستراتيجية في الإقليم، خصوصاً في المجالين الزراعي والحيواني، وأن تخصص الحكومة، وفقاً للاتفاق، 7.5 مليار دولار لمدة 10 سنوات لدعم السلام والتنمية المستدامة في دارفور، كما اشترط الاتفاق حصول الإقليم على 40% من إجمالي العائدات المعدنية والنفطية لمدة 10 أعوام.
فضلًا عن ذلك، نص الاتفاق على إنشاء مفوضية للنازحين واللاجئين، للإشراف على عمليات العودة الطوعية وإعادة التوطين، بمساعدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة. كما تلتزم الحكومة بقبول عودة اللاجئين الذين غادروا أراضيها، وتوفير الحماية الكاملة لهم لممارسة حقوقهم السياسية والطبيعية، بجانب دفع تعويضات عادلة للمتضررين، منهم جراء الحرب.
ويلتزم الاتفاق الحكومة السودانية بالسماح لمنظمات الإغاثة للوصول إلى جميع مناطق النازحين لتنفيذ برامج العودة الطوعية وإعادة التوطين، وتوفر جميع ما يلزم في سبيل تحقيق ذلك، مع حماية المدنيين في دارفور، خصوصاً اللاجئين والنازحين منهم بتعزيز انتشار المكونات العسكرية والشرطية في مختلف مناطق الإقليم.
بعد مرور أكثر من 24 شهرًا على توقيع الاتفاق فإن المحصلة لا تكاد تذكر. لا يزال النازحون يكابدون انعدام الأمن وشح الغذاء وعدم توفر الخدمات الأساسية. لا تزال ظهورهم مكشوفة أمام هجمات المليشيا وبطونهم خاوية إلا من جوع يحمل المجتمع الدولي من إطلاق التحذير تلو التحذير.
الآن، مع توقيع الاتفاق الإطاري الذي يأمل موقعوه أن يعيد أمر الانتقال إلى مساره والسلام إلى موطنه، ينتظر نازحو دارفور تردد صدى جوعهم داخل أروقة القصر الجمهوري ليسمع صوتهم، فهل تقيل التسوية عثراتهم؟