إذا كانت ثمة مبرر واضح لقيام انقلاب 25 أكتوبر، فهو إيقاف النشاط المهم الذي كانت تقوم به لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989. ففي أول القرارات التي أصدرها قائد الانقلاب أعلن عن تجميد عمل اللجنة واعتقل قادتها، ثم توالت القرارت الإدارية الخاصة بإلغاء قراراتها التي اتخذتها بخصوص قادة نظام الإنقاذ.
وقبل الانقلاب دخل قائد الجيش، وأظراف أخرى، في حرب وصراعات متعددة ضد اللجنة، مثل التقاعس في تقديم الدعم المالي لعملها، ووصلت الصراعات إلى توجيه قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة وقتها، بسحب الحراسة العسكرية عن مقر اللجنة وعن رئيسها المناوب، محمد الفكي سليمان.
لكن مرة أخرى، عادت لجنة التفكيك لتبدء عملها في سياق الاتفاق السياسي الإطاري الموقع بين قوى الحرية والتغيير وقادة الانقلاب، وبدأت فعليا في التجهيز لاستئناف مهامها ودشنت ذلك بمؤتمر للتفكيك عقد بالخرطوم ضمن (خارطة نهائية للعدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة وتقييم اتفاق السلام، وقضية شرقي السودان) المضمنة في الاتفاق السياسي النهائي بين قوى الحرية والتغيير وقادة الانقلاب.
وقال رئيس اللجنة المناوب، قبل التجميد، محمد الفكي سليمان، إن لجنة التفكيك تمثل “روح ثورة ديسمبر”، وأنها كانت تعمل “وسط محيط بيروقراطي مقيد بالكثير من القوانين واللوائح والوجود الكبير للدولة العميقة”.
وكان الفكي محقا في التعبير عن ثورية اللجنة من خلال الدعم الكبير الذي كانت تجده من الشارع السوداني الثائر. فقد حظيت على الدوام بتأييد الشباب المنخرطين في الثورة برغم الشيطنة الكثيفة التي تعرضت لها.
ونشأت اللجنة بضرورة ملحة لتنظيف الحياة السياسية من حركة الأصول والأموال التي حصل عليها أعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول وأصبحوا يتصرفون فيها دون محاسبة أو مساءلة لتسخير وشراء الولاءات والتحالفات السياسية، أو صرفها في المشاريع البذخية.
وتكونت بموجب قانون (تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين) وصدر في 28 نوفمبر 2019. وبموجب هذا القانون تشكلت (13) لجنة فرعية لتفكيك نظام الإنقاذ توزعت في الأقاليم لحصر المركبات الحكومية، ومراجعة العقودات والمشتريات الحكومية للنظر في العقودات التي تمت دون عطاءات، إضافة إلى مراجعة الفساد في القطاع المصرفي، واسترداد الأموال والأصول التي نُهبت من قبل قادة النظام البائد وحُولت إلى خارج البلاد، ومراجعة الإعفاءات في الاستثمارات والجمعيات ومراكز التدريب ومؤهلات الموظفين الذين أتي بهم التمكين في مؤسسات الدولة، فضلا عن مراجعة المؤسسات الإيرادية، كالزكاة والضرائب والجمارك والفساد المالي والتجاوزات في الأراضي السكنية والزراعية.
وكان ديدن اللجنة أنها تعقد مؤتمرات صحفية لنشر قرارتها، وكان لذلك الأثر الإيجابي في تقليل الفساد وردعه بالنشر الإعلامي.
وأكد الفكي، الذي قدم ورقة حول التفكيك عدم مشاركة قيادات لجنة إزالة التمكين السابقين في المرحلة المقبلة من الانتقال، وأضاف: “قادة لجنة التمكين لن يكونوا موجودين في المشهد المقبل، وسيفسحون المجال لآخرين… لكنهم سيقدمون كل الملفات والمعلومات المطلوبة لتفكيك النظام السابق للقائمين على التفكيك في المرحلة المقبلة”. وقال إن انقلاب 25 أكتوبر بدد كل المجهودات التي بذلتها لجنة إزالة تمكين النظام السابق.
وأكد الفكي أن لجنة التفكيك المقبلة ستتحرر من تلك القيود لأنها ستأتي في عهد لا توجد فيه شراكة مع العسكريين، وإنما حكومة مدنية كاملة.
رئيس هيئة تحرير صحيفة الحداثة