بصلاحيات مطلقة أعطاها قائد انقلاب 25 أكتوبر لنفسه؛ حين فتح باب القصر الجمهوري واستقبل وزير الخارجية الإسرائيلي، وهو نفس الباب المفضي إلى مسرح الاستقطاب الدولي الحاد والمتعدد الأطراف في السودان. مرة أخرى سيكون هذا االباب مفتوحا، يوم الأربعاء، لوزير الخارجية الروسي، وهي الزيارة المتزامنة مع زيارات أخرى لمبعوثين أوربيين إلى الخرطوم.
تدرك روسيا أهمية السودان وأبعاده الجيوسياسية، وبالتالي لن تقف متفرجة إلى حين انقطاع حلقة الوصل بينها وبين دول القارة الأفريقية، وإذا كانت لها صلات متعددة في بقية دول القارة فإنها في السودان تنوي استكمال مشاريعها، بدءا بالقاعدة العسكرية على البحر الأحمر، ووصلا إلى الموارد والثروات وتدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مناطق نفوذها، وهي مطالب بعيدة المنال في الأوضاع السودانية التي قد يخلفها الاتفاق السياسي الإطاري. فهل ينوي وزير الخارجية الروسي تغيير الخارطة وعرقلة مسار الاتفاق السياسي الإطاري؟ ربما. ففي الخرطوم الآن ثمة قوى متنافرة لكنها متعطشة للسلطة وباحثة عن حلفاء في ظل حالة الصراع المندلعة بين الأقطاب، يقودها قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع.
منذ بداية هذا العام، تنشط الخارجية الروسية في جولات محمومة داخل أفريقيا، بدءا من جنوب أفريقيا وإريتريا وأنجولا، وأخيرا الخرطوم، وهي زيارات على تناص مع جولات أخرى قامت بها الولايات المتحدة الأميركية والصين وتركيا ودول أخرى لها توجهاتها في القارة الأفريقية.
آنيا، ربما تستبق روسيا للتمهيد مبكرا للقمة الروسية الأفريقية الثانية المزمع عقدها في شهر يوليو المقبل (سان بطرسبرج)، بعد أن (عقدت القمة الأولى بمدينة سوتشي في أكتوبر 2019)، لكن، وفي الواقع، فإن عمل الخارجية الروسية في أفريقيا، خصوصا عبر زيارات وزير خارجيتها، يعبر دوما عن نزعة ما استراتيجة لروسيا في أفريقيا، وذلك في أعقاب صراع محتدم مع خصومها الغربيين، وعادة ما يتم التعبير عن دوافع هذا الصراع بأن “روسيا تتمدد بشكل خبيث عبر شركات روسية خاصة، أبرزها تلك المنسوبة إلى مجموعة فاغنر الوالغة في استغلال موارد أفريقيا لصالح احتياطيها واقتصادها الحربي” و”أن روسيا لا تحفل بدعم الديمقراطية في القارة”، وربما من بين ذلك أن روسيا تعتبر ما حدث في 25 أكتوبر بالخرطوم “انتقالا للسلطة وليس انقلابا عسكريا”.
وفي الواقع فإن روسيا ترفض الاتهامات بالعمل مع شركات ومنظمات، خاصة مجموعة فاغنر في كل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وقال وزير خارجيتها: “إن هذه هي العقلية التي يطبقها الاتحاد الأوروبي في كل مكان في العالم… إن هذه العقلية كانت تستخدم في أوكرانيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”.
وحتى الآن لا تتعامل دول مثل جنوب أفريقيا وأنجولا وإريتريا مع روسيا إلا باعتبارها الصديق الحميم، وذلك ما يسبب إزعاجا كبيرا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الذين لا يرونها إلا دولة مارقة.
قريبا من السودان، كان وزير الخاريجة الروسي ضيفا مرحبا به في إريتريا (أواخر يناير الماضي) في زيارة مفاجئة زار فيها ميناء مصوع على البحر الأحمر، وهناك ألمح إلى “إمكانية استخدام ميناء ومطار مصوع” الواقع في طريق تجاري مهم، وهو ما يؤكد رغبة روسيا بالتواجد في البحر الأحمر من بوابة إريتريا.
وقبل زيارة إريتريا بعام كامل، كان محمد حمدان دقلو في زيارة إلى موسكو، أثارت بدورها التحديق في علاقة روسيا بالبحر الأحمر، وذلك في أعقاب تجميد اتفاق سوداني روسي بإنشاء قاعدة بحرية عسكرية “قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة التووية”، وقال دقلو وقتها في حديث متلفز “”هناك دولا إفريقية لديها قواعد، ولا أعرف السبب وراء الاهتمام بهذه القاعدة”، وزاد: “من المفترض أن يبحث السودان عن مصالحه في وجود قاعدة عسكرية”.