في الثاني عشر من فبراير الحالي، طلب مجلس السيادة الانتقالي، من الأمم المتحدة إنهاء تفويض فريق أممي تشكل بموجب قرار مجلس الأمن رقم “1591”، ورفع العقوبات المفروضة على السودان بموجبه، بحجة أن دواعي ذلك القرار قد انتفت، لكن تقريرا مفصلا وجهه فريق الخبراء إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، نهاية الأسبوع الأول من الشهر الحالي، حوى حيثيات تدحض حجة حكومة انقلاب 25 أكتوبر، كيف؟
وفقا للتقرير النهائي، لفريق الخبراء المعني بالسودان، والموجه إلى رئيسة مجلس الأمن في السابع من فبراير الحالي، والذي يقع في 60 صفحة، فإن الحالة الأمنية في دارفور كانت هشة خلال النصف الأول من عام 2022، وأشار إلى تأخر نشر نحو 2000 من قوات الحركات المسلحة المقرر انضواءها قي قوات حماية المدنيين، بسبب ما أسماها التقرير خلافات هيكل القيادة الموحد والتمويل، وقال “أبرزت الأطراف المحاورة الحكومية مرارًا وتكرارًا لفريق الخبراء أن عدم مواصلة تنفيذ الاتفاق يعزي إلى عدم توافر الموارد المالية”.
في 2004 وبموجب القرار 1556 حظر حظر مجلس الأمن، توريد الأسلحة إلى جميع الكيانات غير الحكومية وجميع الأفراد العاملين في دارفور وكون لجنة لمتابعة تنفيذ القرار.
وفي مارس 2005، أقر مجلس الأمن الدولي، بأغلبية 12 عضوا بعد أن امتنعت الجزائر والصين وروسيا عن التصويت، قرارا يالرقم 1591، وسع بموجبه مظلة الحظر لتشمل الحكومة السودانية، وقضى بفرض حظر توريد السلاح عليها بجانب الفصائل المسلحة في دارفور، وأعلن المجلس تشكيل لجنة من خبراء لمراقبة تطبيق قرار حظر السلاح، ومساعدة اللجنة السابقة وتولى مهمة رصد تنفيذ التدابير التي شملها القرار بجانب التحقيق في تمويل الجماعات المسلحة والعسكرية والسياسسة ودورها في الهجمات على المدنيين.
وطلب المجلس من جميع الدول باتخاذ تدابير لمنع تزويد الكيانات العاملة في الإقليم بالأسلحة والمواد ذات الصلة، بما في ذلك التدريب والمساعدة التقنية، وشمل القرار حظر سفر بعض الأفراد وتجميد أرصدتهم الشخصية أو أرصدة المؤسسات التي يمتلكونها داخل بلادهم لارتباطهم بأزمة دارفور.
تولى فريق الخبراء مهمته رسميا في 13 مارس 2022م، وفي 15 من ذات الشهر أصدر مجلس الأمن القرار 2620 كلّف بموجبه الفريق بتقديم تقرير نهائي إلى لجنة مجلس الأمن المنشأة بموجب القرار 1591 في موعد أقصاه 13 يناير 2023م.
وفيما يتعلق بالأسلحة وحظرها، يقول التقرير “فقد تكثف انتشار الأسلحة والذخائر في دارفور، وما زال يطرح تهديدا خطيرا للأمن هناك. بينما خلقت الأعداد المتزايدة من الأسلحة في أيدي السكان المدنيين عقبة كأداء أمام الحكومة ل ضمان الأمن في الإقليم” .
وأشار إلى ضلوع بعض القوات الحكومية بدور مزعزع للاستقرار “عندما قامت ذاتها بتسليح القبائل”. وقال التقرير “على الرغم من التزام الحركات المسلحة الموقعة في اتفاق جوبا للسلام بتسليم أسلحتها وعتادها العسكري، فإنها لم تتخل إلا عن كمّ صغير من الأسلحة الصغيرة في حين احتفظت بالأسلحة الثقيلة”.
لفت التقرير كذلك، إلى انخراط قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة الدارفورية الموقعة على اتفاق السلام، في حملات تجنيد شرسة، فيما “تفاقمت الحالة الأمنية بسبب عملية النشر الواسعة النطاق لمقاتلي الحركات المسلحة وأفراد قوات الدعم السريع، الذين غالبًا ما شاركوا في النزاعات المحلية في جميع أنحاء دارفور، بالإضافة إلى وقوع أكبر انتهاك لوقف إطلاق النار منذ توقيع الاتفاق في أبريل 2022 غرب دارفور “كرينك والجنينة” عندما اشتبكت قوات الدعم السريع مع إحدى الحركات المسلحة، وهي التحالف السوداني. ومع أنه شُرع في إجراء تحقيقين في أعمال العنف، فلم يُعتقل سوى شخص واحد، وتصاعدت أعمال العنف أيضًا في جبل مرة في نوفمبر الماضي عندما اشتبك جناح عبد الواحد مع فصيل منشق بقيادة مبارك ولدوك”.
وأضاف “كما استمرت الجماعات المسلحة القبلية المعروفة على نطاق واسع باسم “الميليشيات القبلية خارج الاتفاق”، مشيرًا إلى أن حكومة السودان ظلت على التزامها بالاتفاق، واستخدمت إتفاقات إضافية للمصالحة بين القبائل كأدوات لصنع السلام على الصعيد المحلي.
وذكر التقرير أن عدة حركات دارفورية غير موقعة موجودة في ليبيا بدأت محادثات مع حكومة السودان بشأن ترتيبات أمنية غير متصلة بالاتفاق الإطاري في إطار عملية منفصلة “عملية نيامي”.
وكشف عن ارتفاع مستوى الجريمة في دارفور مع عودة قوات الحركات المسلحة إليها من العاصمة الخرطوم، وقال: “تمكن من رؤية هذا التصاعد في مايو ويونيو 2022، لكن بحلول ديسمبر انخفض مستوى انعدام الأمن لكنه كان ما يزال مرتفعًا”.
وأكد التقرير الأممي أن عودة القوات الدارفورية من ليبيا رافقه تهديد جديد للاستقرار الإقليمي، حيث جاءت هذه القوات حاملة الخبرة والأسلحة مع استمرارها في تجاهل الحدود الدولية متنقلة عبر الأراضي التشادية بحرية.
وأضاف موضحا “ولما كانت أنشطة الارتزاق التي تقوم بها الحركات المسلحة الدارفورية في ليبيا قد غدت أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة، فقد أصبحت الأعمال التجارية الانتهازية والأنشطة الإجرامية مصدر الإيرادات الرئيسي للحركات المسلحة في ليبيا. وفي المقابل، ففي دارفور، أصبحت نقاط المكوس غير القانونية مصدرا جديدا لتمويل الجماعات المسلحة الموقعة. وواصل جناح عبد الواحد التربح من مناجم الذهب في جبل مرة ومن الأنشطة التجارية في جنوب السودان”.
أشار التقرير إلى المصالحات القبلية التي أجرتها قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو في الإقليم في الفترة الماضية، لكن الخبراء الدوليون تشككوا في جدوى تلك المصالحات.
يقول التقرير “ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لاتفاقات المصالحة المحلية أن تحقق أكثر من استراحة سلام قصيرة للقبائل المتضررة”. وأضاف التقرير “يمكن أن تعزى شكوك البعض إلى أن المصالحة قادها رئيس لجنة المصالحة والسلا في قوات الدعم السريع، العقيد موسى حامد أمبيلو، الذي اتهم سابقا بالمشاركة في عنف قبلي في غرب دارفور معسكر (كريدينق) الأول”.
“إنّ تشرذم القوى السياسية، مقترنا بالضعف الاقتصادي وهشاشة البلد.. وكذلك الضغط الخارجي المستمر والمتنوع قد أثر على الحالة في دارفور”، يقول التقرير الأممي الذي أضاف “ويمكن اعتبار هذه الحالة على أنها استقرار في مهب الريح”. وتابع “قد أبقى تأخر الانتقال السياسي والنزاعات الداخلية في الدول المجاورة على إمكانية حدوث مزيد من التدهور وامتداد النزاع إلى دارفور فتعدين الذهب غير القانوني، والاتجار بالمخدرات والأسلحة، وسرقة الماشية هى أنشطة متجاوزة للحدو الدولية؛ ولا تزال دارفور منطقة اتجار بالأشخاص باتجاه البحر الأبيض المتوسط (ليبيا، ومؤخرا المغرب) وأوروبا”.
ومنذ نجاح ثورة ديسمبر في اقتلاع نظام البشير في أبريل 2019، وإحلاله بحكومة انتقالية ارتفعت أصوات لتنادي بإنهاء الحظر المفروض على السودان، لكن بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، قاد قادته حملات دبلوماسية واسعة لأجل إنهاء تفويض الفريق الأممي المشكل بموجب القرار 1591 بحجة أن دواعيه قد انتفت.
ودعا اجتماع للجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة، ترأسه عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، إلتأم في الثاني عشر من فبراير الحالي، إلى إنهاء تفويض فريق الخبراء واستبقت اللجنة الاجتماع بلقاء موسع مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن وطلبت منهم حث بلدانهم على رفع العقوبات المفروضة وفقًا للقرار الأممي.
وعقب الاجتماع قال مجلس السيادة، في بيان “إن الاجتماع استعرض موقف السودان ورؤيته لإنهاء تفويض فريق الخبراء الأممي ونظام العقوبات استنادا إلى حيثيات عديدة قدمها لمجلس الأمن الدولي”.
التقرير الدولي، يشير كذلك، إلى ظهور تهديد آخر متمثل في الأنشطة المتطرفة، مثل أنشطة تنظيم داعش عبر الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل. كما أدى انتشار الأسلحة إلى استمرار الهجمات والعنف بين مختلف القائل، ومكن المعتدين من الشروع في ارتكاب فظائع واسعة.
واعتبر فريق الخبراء، في توصياته أن القوات السودانية تجد صعوبة في المناطق الحدودية الواسعة، وأرى أن القوات المشتركة لحماية المدنيين أداة غير كافية لمنع نشوب النزاعات، وهو ما يدحض الحيثيات التي بنت عليها الخرطوم مطالبتها للأمم المتحدة بإنهاء تفويض فريق الخبراء الأممي.