صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

قتال عل رمال متحركة.. سفير واشنطن بالخرطوم في معركة النفوذ والمصالح

السفير الأمريكي بالخرطوم

السفير جون غودفري

شارك هذه الصفحة

مطلع الأسبوع الماضي، وقف السفير الأمريكي جون غودفري، على ساحل البحر الأحمر بمدينة بورتسودان، معربًا عن دواعي سروره لمعرفة المزيد عن الشعب السوداني وثقافته. تلك كانت الزيارة الثانية له إلى شرق السودان فقد زار في الشهر السابق كسلا، ومن قبل شمال دارفور في أقصى غرب البلاد، في محاولة لاستكشاف أرض المعركة الدبلوماسية التي سيخوضها.

فعلى الرغم من الأرضية السياسية والدبلوماسية الصلبة التي أرستها الحكومة الإنتقالية للسودان، بقيادة عبد الله حمدوك، لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ما أدى لترفيع التمثيل لمستوى السفير بعد 25 عام من القطيعة، إلا أن تلك الأرضية باتت تتحرك الآن تحت أقدام السفير جون غودفري، بعد أقل من شهرين على وصوله الخرطوم، فهل يقوى على مقارعة الأمواج؟

حرب نفوذ

كان الرد الروسي السريع على تصريحات أدلى بها جون غودفري، محذرًا فيها الحكومة السودانية من عواقب حال السماح لموسكو بإقامة قاعدة بحرية عسكرية على ساحل البحر الأحمر، واضحًا في عكس عمق صراع النفوذ الأمريكي- الروسي، في السودان من جهة، ومن جهة أخرى، في إعطاء تبرير منطقي لدبلوماسية (التغلغل) التي ينتهجها السفير جون غودفري، منذ  اعتماد أوراقه مطلع سبتمبر الماضي، من قبل رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، عبد الفتاح البرهان؛ أول سفير أمريكي في البلاد منذ نحو ثلاثة عقود.

بوتن والبشير

مفتاح روسيا

على مدى نحو ثلاثة عقود، عمدت حكومة الإنقاذ الوطني لتغيير مؤشر علاقاتها الاقتصادية ناحية الصين وروسيا، وخلال فترة وجيزة أصبحت الصين تحتل موقع أكبر شريك تجارى للسودان، بأكثر من 130 شركة صينية تعمل وتستثمر فى السودان فى مجالات مختلفة، كالنفط، الزراعة، التعدين، الصحة وفى مجالات البنى التحتية، بحسب ما ذكر مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضايا الشرق الاوسط تشاي جيون، الذي زار السودان في مارس 2022م.

وباتجاه إستعادة مواقع نفوذها الاستراتيجي التي فقدتها بزوال الاتحاد السوفيتي في إفريقيا، عمدت روسيا إلى توطيد علاقاتها مع نظام الإنقاذ، وقد بلغت ذروتها لحد أن قال الرئيس المعزل عمر البشير خلال قمة جمعته إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتن، في سوتشي نوفمبر 2017م، “إن السودان سيصبح مفتاح روسيا في أفريقيا”، قبل أن يطلب حماية بوتن من خطر الأمريكان قلائلًا: “نعتقد بأن ما حصل في بلادنا هو نتيجة السياسة الأميركية”، وأضاف “أننا بحاجة للحماية من التصرفات العدائية الأميركية بما فيها منطقة البحر الأحمر”. وجرى خلال القمة الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية بحرية لروسيا على البحر الأحمر، وكذلك السماح لمجموعة فاغنر  بالتعدين وتصير الذهب إلى روسيا.

مهمة صعبة

إزاء تعقيدات النفوذ الروسي المتصاعد في السودان، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بالسفير جون غودفري، مسؤول ملف الإرهاب السابق في الخارجية الأميركية، الذي يبدو أن مهامه متعددة لخدمة مصالح بلاده، تتراوح بالأساس على بناء علاقات راسخة مع الشعب السوداني وصد النفوذ الروسي- الصيني، بجانب مكافحة الارهاب، في بلد كانت واشنطن تضعه على قائمة الدول الراعية للارهاب لمدى يزيد عن ربع قرن.

السفارة الأمريكية بالخرطوم

مهدت الولايات المتحدة لنفوذها المتمدد بإنشاء سفارتها بمنطقة سوبا شرق الخرطوم وهي ثاني أضخم سفارة لها في إفريقيا، ما يفتح التساؤلات بشأن خططها المستقبلية في السودان الذي بات “حقل صيني ومنجم روسي”، على رأي سودانيين، في حين يقول محللون بأن واشنطن ليس لها رؤية محددة لمستقبل علاقتها بالسودان. غير أن كبير الباحث في المجلس الأطلنطي والدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، أكد وجود رؤية لواشنطن بشأن السودان، وقال “أعتقد أننا الآن قادرون على تطوير رؤية أوضح للنهوض بمصالحنا ودعم تطلعات الشعب السوداني الآن بعد أن أصبح لدينا سفير”. بالنسبة لكاميرون هدسون تتمثل الأهداف طويلة المدى للولايات المتحدة في رؤية سودان مستقر وسلمي ومزدهر لجميع السودانيين.

يرى المحلل السياسي، والمهتم بالشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، أن الصراع الروسي- الأمريكي تجلى بشكل ظاهر في تصريحات السفير الأمريكي ورد السفير الروسي بالخرطوم عليه ببيان. وقال لـ”الحداثة”: “أعتقد أن التعجيل بإرسال السفير الأمريكي مرده شعور بتمدد روسي عقب الحديث عن القاعدة الروسية في البحر الأحمر وزيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان حميدتي لروسيا”.

الشأن السوداني

لم يكتف غودفري في العاشر من سبتمبر الماضي، بزيارة ميدانية لمخيم زمزم للنارحين الواقع على مبعدة 15 كليومترًا جنوب الفاشر، كعنوان بارز لتداعيات أزمة دارفور التي كانت أولى محطاته خارج الخرطوم. كما لم تكن زيارته خاطفة لساعات على سياق نظرائه من مسؤولي المجتمع الدولي، ولكنها استمرت لثلاثة أيام شملت لقاءات مع مسؤولين حكوميين وعدد من المنظمات والهيئات الدولية العاملة وقادة الإدارات الأهلية، وزيارة إلى جامعة الفاشر وقرية طرة على الريف الشمالي للفاشر، بجانب زيارة إحدى الأسر السودانية، وأخيرًا وصل إلى بورتسودان في زيارة طابعها دعم الجهود الإنسانية.

غودفردي في زيارة لاتحاد المهن الموسيقية

وعلى ذات النسق جاءت تحركات غودفري في العاصمة الخرطوم، وتراوحت بين لقاءات مع القوى السياسية والعسكرية والمدنية ولجان المقاومة وأسر الشهداء، بجانب رجال الطرق الصوفية والفنانين… إلخ، ما دفع ببعض القوى السياسية ونشطاء لتصويب انتقادات حادة على الرجل واعتبار تحركاته تدخلًا في الشأن الداخلي السوداني، غير أن دبلوماسيين ومحللين لا يرون في نشاط السفير الأمريكي غبارًا، مشيرين أن ما يقوم به من صلب عمله الدبلوماسي.

غودفري يرد

اتهام غودفري دفعه للرد عبر حوار أجرته معه صحيفة (التيار) قائلًا: “بكل احترام مهمتي أن أكون سفيراً لبلدي أمام كل السودانيين، وهذا ما دفعني للسفر إلى دارفور،  كما أتمنى السفر إلى شرق السودان قريباً،  لألتقي بأكبر مجموعات من الأشخاص داخل هذا البلد”.

وأضاف “في بلدي الولايات المتحدة يلتقي السفراء الأجانب بانتظام مع ممثلي الجماعات السياسية الأمريكية وجماعات المجتمع المدني والأكاديميين وغيرهم وهذا أمر طبيعي”.

يتفق كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي، الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، مع ما ذهب إليه مواطنه، قائلًا لـ”الحداثة”: إن تحركات غودفري، لم تكن تدخلًا في الشأن الداخلي السوداني، كما ذهب البعض، إنما تأتي ضمن مهامه بقصد الاستماع إلى جميع الأطراف، لفهم التحديات.

دعم العسكر

البرهان يعتمد أوراق غودفري

ما يبدو غير طبيعي بالنسبة لكثير من السودانيين، هو توقيت وصول السفير غودفري واعتماد أوراقه من قبل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، منفذ انقلاب 25 أكتوبر الذي ترفضة الولايات المتحدة وتقول إنها تسعى حثيثًا في دعم الشعب السوداني لاستعادة المسار الديمقراطي.

فالبعض أشار إلى أن توقيت وصوله يعطي إشارة بدعم الحكم العسكري الذي تناهضه قوى سياسية وثورية، لاسيما أن غودفري وصل الخرطوم في خواتيم أغسطس الماضي، متزامنًا مع وضع أكثر تعقيدًا جراء انقلاب 25 أكتوبر، وتصاعد وتيرة مناهضته.

يستبعد كاميرون هدسون وجود إشارة داعمة للانقلاب قائلًا: “لا أعتقد أن واشنطن تنوي إعطاء الانطباع بأننا (أميركا) ندعم الجيش؛ لأن الأمر ليس كذلك”، مشيرًا إلى أن هدف واشنطن هو دعم الحكم المدني، وأضاف “تذكر أن وزير الخارجية بومبيو أعلن في عام 2019 أنه سيرسل سفيراً إلى الخرطوم. نظرًا لبطء عمليتنا، فقد استغرقنا ما يقرب من 3 سنوات لإرسال شخص ما”.

دلالات التوقيت

لكن أبو إدريس، في حديثه لـ”الحداثة” يربط دلالات توقيت ارسال واشنطن سفيرها إلى الخرطوم بأمرين لا ينفكان بحال عن معركة صراع النفوذ في إفريقيا. أولهما: السياسة الأمريكية الجديدة في إفريقيا والتي أعلن عنها وزير الخارجي الأمريكي في جوهاسنبرج في يوليو الماضي والتي تقوم على التعاون للضغوط وستجسدها القمة الأمريكية الأفريقية في ديسمبر المقبل. أما الأمر الثاني –حسب أبو إدريس- “يأتي هذا التعين في وقت يزداد النفوذ الروسي في القارة وفي إقليم القرن الإفريقي تحديدًا، مما عجل بالتحركات الأمريكية”.

التطبيع مع الشعب

غودفري يلتقي نازحات بالفاشر

السفير الأمريكي قال إن ما تعنيه مهمته بالأساس هو تقوية العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني، “وما لا تعنيه هذه الخطوة هو تقوية العلاقات بين الحكومتين الأمريكية والسودانية في الوقت الراهن”. مؤكدًا أن “مفتاح تعميق العلاقات بين الحكومتين وتوسيع التعاون بين الولايات المتحدة والسودان على مستوى الحكومات، لا يمكن تحقيقه إلا في سياق حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الانتقالي في السودان”.

يعزز سفير السودان السابق في واشنطن، نور الدين ساتي، ما ذكره غودفري قائلًا: “إن تعيين السفير الأمريكي الجديد في الخرطوم، بعد 25 سنة، لا يمكن اعتباره هدية للنظام العسكري الحاكم أو تزكية لسياساته، بقدر ما هو محاولة جديدة وجادة لفتح قنوات الاتصال بين صناع القرار الأمريكي وطموحات الشعب السوداني”.

صراع العمالقة

رد السفارة الروسية على تصريحات السفير الأمريكي التي حذر فيها الحكومة السودانية من عواقب حال السماح لموسكو بإقامة قاعدة بحرية عسكرية على ساحل البحر الأحمر، سرعان ما كشفت عمق صراع النفود بين العملاقين– أمريكا وروسيا- على بلد إفريقي خصب ذو موارد هائلة. قالت السفارة الروسية في بيان: “على ما يبدو، وبسبب قلة خبرته وكذلك استنساخه لتعاملات وزارة الخارجية الأمريكية المتعالية، بعيدًا كل البعد عن الملاءمة الدبلوماسية، يحاول السفير الأمريكي، مثل أسلافه، أن يتكلم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة الخرطوم في سياساته الخارجية”.

مدمرة أمريكية

لكن الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هيدسون قال إن السفير غودفري لم يخرج، في تصريحاته الأخيرة، عن الأعراف الدبلوماسية، وإنه عبّر عن رأيه ووجهة نظر الخارجية الأمريكية.

ذات التصريحات حملت غضبًا رسميًا على الرجل، فقد استدعت وزارة الخارجية، السفير جون غودفري، في الرابع من أكتوبر، بعد أن اعتبرت تصريحاته تمس السيادة السودانية وتدخلًا في الشوؤن الداخلية للبلاد.

حرب الإرهاب

سيكون أمام السفير غودفري أيضا معركة أخرى، تتصل بانشغالات واشنطن بالحرب على الارهاب، فهو السفير الأول لأمريكا منذ أكثر من 25 عامًا، ظل خلالها السودان عالقًا على لائحة الدول الراعية للارهاب، مقرونًا ذلك بالنشاط المتصاعد في أقصى غرب إفريقيا لجماعات وتنظيما مرتبطة بالارهاب. وهنا يقول المحلل السياسي، والمهتم بالشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، “إن أمريكا لديها تخوفات من أن ترتبط المجموعات الإرهابية الموجودة في شرق إفريقيا مع رصيفاتها في غرب إفريقيا وهذا الارتباط الأرض السودانية تمثل جزء كبير منه”.

سيكون أمام السفير غودفري أيضا معركة أخرى، تتصل بانشغالات واشنطن بالحرب على الارهاب، فهو السفير الأول لأمريكا منذ أكثر من 25 عامًا، ظل خلالها السودان عالقًا على لائحة الدول الراعية للارهاب، مقرونًا ذلك بالنشاط المتصاعد في أقصى غرب إفريقيا لجماعات وتنظيما مرتبطة بالارهاب. وهنا يقول المحلل السياسي، والمهتم بالشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، “إن أمريكا لديها تخوفات من أن ترتبط المجموعات الإرهابية الموجودة في شرق إفريقيا مع رصيفاتها في غرب إفريقيا وهذا الارتباط الأرض السودانية تمثل جزء كبير منه”.

وفي هذا السياق، لا يستبعد أبو إدريس أن “تفكر واشنطن في خلق مركز قيادة إفريقيا للقوات الأمريكية في السودان، لكنه لن يكون القيادة”. وأضاف “التفكير في هذا المركز مرده موقع السودان على ساحل البحر الأحمر، وفي ذات الوقت، قربه من منطقة الساحل والصحراء في غرب ووسط إفريقيا إضافة لقربه من ليبيا”.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *