صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

ما نوع الانتخابات المرفوضة في السودان؟

مواكب 19 ديسمبر بأمدرمان

مواكب 19 ديسمبر بأمدرمان

شارك هذه الصفحة

في الشهور الماضية، ظلت عبارة “انتخابات مبكرة” كثيرة الاستخدام من قبل قائد الانقلاب  العسكري، رئيس مجلس السيادة  في السودان، عبد الفتاح البرهان. ربما كانت كسلاح للضغط على القوى الثورية للوصول إلى التسوية التي يأمل فيها العسكريون، ولوح في أكثر من خطاب بأنه: حال  فشلت القوى السياسية في التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة مدنية انتقالية “لا تقصي أحداً”، سيلجأ إلى إجراء انتخابات مبكرة .

ابتزاز سياسي

لكن بعيدا من لغة الابتزاز السياسي الذي يمارسه العسكرييون في السودان يجب النقاش حول: لماذا يرى البرهان في الانتخابات المبكرة مخرجا، وما هي حظوظ الإسلاميين للعودة في ظل انتخابات تسير على خطى انتخابات 2010م الشكلية؟ وهل الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في السودان مهيأ لانتخابات، وإذا تمت  انتخابات في الوضع الراهن، ما المنتوج الذي ستقدمه .

في الواقع، حظي السودان بعدة انتخابات في تاريخه، لكنها كانت شكلية فقط، لذلك خبراء مثل البروفيسور عطا البطحاني، أستاذ العلوم السياسية، يرون أن الانتخابات المطلوبة في السودان هي انتخابات تأسيسية، تؤسس لنظام سياسي ديمقراطي جديد. ويقول البطحاني أن الدول في مرحلة ما بعد النزاع المتطاول وللتأسيس لانتقال من الحرب والدكتاتورية إلى مرحلة السلام والديمقراطية، يجب أن تأخذ الوقت الكافي للتوافق على القضايا الدستورية، ومن بينها النظام الانتخابي والعملية الانتخابية نفسها؛ لأنها ستمثل النقلة النوعية والتاريخية للعهد الجديد، وتؤسس لنظام جديد مفارق للنظام القديم

 

دعاوى تاريخية

بروفيسور عطا لبطحاني

ويقول البطحاني أن الدعوة لانتخابات مبكرة لا تشير إلى أن أصحابها يرغبون حقا في الانتقال الديمقراطي، ويشير إلى ظهور الدعوة لانتخابات بالضد من الدعاوي التاريخية لها في فترتي الانتقال التي أعقبت ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م، ويقول إن مصدر الدعوة كان القوى الطائفية التقليدية، والحركة الإسلامية بتلويناتها المختلفة، بهدف استعجال الوصول إلى السلطة والحكم، وذلك قبل تحقيق الهدف من فترة الانتقال، وقبل أن تتمكن قوى الديمقراطية من غرس نبتة وعي ومعرفة، والأهم هو الحفاظ على السلطة لتأمين امتيازات موروثة قديما وحديثا.

وأوضح البطحاني  في ورقة عن الفرص والتحديات للانتخابات التأسيسية  من الإرث الذي خلفته الإنقاذ؛ أن واقع الساحة السياسية واقع مثالي للقوى الطائفية والولاءات الشعبية التلقائية لها لاستدامة نفوذها واتصال وصايتها، تحقيقا لمصالحها الطبقية؛ لأن المجتمع السوداني ما زالت تسوده الخرافة ومفاهيم التدين السطحي البسيطة، وتتحكم فيه الولاءات الطائفية والقبلية والجهوية .

 

هل السودان قادر اقتصاديا على الايفاء بمطلوبات اساسية للانتخابات؟

المحامي صالح محمود

يشير عضو المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي صالح محمود إلى أن الوضع الاقتصادي والأمني سيجعل من مسألة إجراء إحصاء سكاني لكل المواطنين معقد نسبة للأزمة الاقتصادية وأوضاع النازحين وعدم الاستقرار السياسي  والأمني ما يعني أنه في حالة فرض الانتخابات، سيكون الإحصاء للمناطق التي يتم الوصول إليها وإقصاء آخرين من المشاركة ووفقا للإحصاء غير النزيه؛ فإنهم سيقسمون الدوائر الجغرافية الشيء الذي يقدح في نزاهة الانتخابات نفسها، ولفت إلى أن قيام الانتخابات في ظل سيطرة الانقلاب على مقاليد الحكم والمؤسسات والقوانين الحالية محاولة لشرعنة وفرض التسوية بين العسكريين وبعض المدنيين .

وانتقد صالح موقف دول الترويكا والاتحاد الإفريقي واللجنة الثلاثية، وقال إنهم يحاولون فرض التسوية على الشعب السوداني، ويتقاضون عن مطالب الشعب الحقيقية، وأشار إلى أن محاولات فرض حكومة مؤقتة تنتهي بانتخابات مبكرة سيواجه بالرفض بكافة الطرق التي تعبر عنها اللاءات الثلاثة: لا تفاوض لا شرعية لا شراكة .

 

مزايدة سياسية

فيما أكد القيادي بهيئة محامي دارفور الصادق على حسن أن الانتخابات المبكرة كلمة حق تطلق على سبيل المزايدة وإدعاء وجود السند الجماهيري وقال: “في واقع تغيرت أدوات الممارسة السياسية، ولم تعد هنالك أحزاب لديها جماهير، كما كان الحال، فالمعادلة السياسية اختلفت تماما،  ظهر شباب المقاومة، كما وهناك الجهويات والقبلية بما يشير إلى أن الانتخابات إذا أقيمت بهذه المعطيات، ستفرز أوضاع غير محسوبة، هذا افترضنا أن هناك بيئة لعملية انتخابية، وأشار إلى أن الانتخابات تحتاج إلى قانون. وتساءل:  أين المنصة التشريعية لسن قانون الانتخابات؟  وشدد على ضرورة  النقاش حول  الكيفية التي   تجري بها  انتخابات، ويتم تقسيم الدوائر الانتخابية في ظل وجود  أوضاع غير مستقرة على الأرض ونازحين ولاجئين لم يعودوا إلى أماكنهم الأصلية، و في ظل وجود أكثر من ثمانية جيوش للمشاركين في الحكم وعشرات في الانتظار من دون إحصاء سكاني، وهل بالإمكان إجراء عملية إحصائية سليمة؟

ويعتبر خبراء أن دخول المنظومة العسكرية في دائرة الإنتاج الاقتصادي ليس بهدف تسريع وتيرة التراكم الرأسمالي الإنتاجي، بل بهدف ربط البلاد بالتبعية الاقتصادية والاحتفاظ بالبلاد موردا خلفيا للمراكز الإقليمية لرأس المال العالمي، وبالمقارنة مع الوضع في السودان وفي ظل سيطرة العسكريين والإسلاميين على الاقتصاد، كيف يوظفون الاقتصاد لصالحهم في الانتخابات؟


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *