صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

عمرو عباس: ستساعدنا الديمقراطية كثيرا في علاج الفقر (فيديو)

د. عمرو عباس

شارك هذه الصفحة

خلال هذا العام، أعاد د. عمرو محمد عباس طباعة كتابه (محو الفقر)  في طبعة ثانية صادرة عن (مشروع الفكر الديمقراطي)، وفي الكتاب حاول عباس تقديم رؤية سياسية أكثر اقترابا من الفقراء أنفسهم لمعرفة الفقر من ثم كبحه ومحاربته.

وفي هذه المقابلة يحاول عباس إعادة تعريف الفقر بوصفه خذلانا في السياسات وتوزيع الملكية، ويقترح مشروعا وطنيا ينهي حالة الفقر في بلد ثري بكل المقاييس.

عمل عباس مستشارا للأمم المتحدة، وكان أغلب نشاطه في منطقة الشرق الأوسط.. أدناه مقتطفات من مقابلة مع د. عمرو عباس:

هل يمكن أن يكون القضاء على الفقر “مشروعا وطنيا” بكل ما للمشروع من شروط فكرية واستراتيجية؟

بكل تأكيد.. لابد أن يرتبط أي مشروع وطني بإزالة الفقر؛ لأن ثروة البلاد دائما في السكان والموارد. وإذا كان ٦٧٪؜ من السكان فقراء (حسب إحصائيات وزارة المالية إبان فترة إبراهيم البدوي) فهم خارج العملية الإنتاجية ومستهلكين فقط. الفقر هو ما أدى إلى النزاعات والحروب الأهلية والتفكك الوطني وتفشي العنصرية ونزعات الانفصال، أي أن كل المظاهر التي نراها هي ناتج الفقر.

تاريخيا ارتبطت كل نهضة لأمة بمعالجة قضايا الفقر، واعتمدت على أساسها للتفكير في المشروع الوطني. قامت رؤية كوريا الجنوبية التي عدت في بداية الستينيات إحدى أفقر الدول؛ ولأنها بلا موارد تقريبا سوى السكان؛ فقد بنت رؤيتها على الاستثمار في التعليم لبدء نهضة صناعية.

في الستينيات أيضا بدأت ماليزيا وتركيبتها السكانية (الملاي ٥٥٪؜ والصينين ٣٥٪؜ و١٠٪؜ هنود) لكن كان ٩٠٪؜ من الاقتصاد لدى الصينيين. وعن طريق تشجيع التعليم والتمييز الإيجابي وتكبير (كيكة) الثروة أزيلت تناقضات المجتمع. بنت الصين استراتيجية نهضتها على إعادة توزيع الملكية وإصلاح سلسلة التوزيع ودعم المنتج الصغير، وقامت أساسا على حل مشكلة أن النسبة الأكبر من الصينيين كانوا فقراء. التجربة الأضخم في العصر الحالي كانت في بناء رؤية الهند (٢٠٠٠-٢٠٢٠) على إزالة فقر ٤٠٪؜ من الهنود.

ما الفقر: هل نعتمد تعريفا اقتصاديا، أم اجتماعيا، أم ماذا؟

الفقر هو ناتج لخلل الملكية والتوزيع، وتتداخل فيه الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الملكية هي ناتج سياسات الدولة، سواء على مستوى الموارد أو الميزانيات. الجانب الاجتماعي يتمثل في سياسات توزيع الموارد والخدمات على المواطنين. أما اقتصاديا فيعبر عن قياسات الفقر (باعتبار دولار في اليوم كحد أدنى).

جاء في كتابك (محو الفقر) أن واحدة من أسباب الفقر هو “تكدس الثروة في أيدي قلة”. كيف يمكن شرح ذلك في الحالة السودانية؟

ارتبطت الثروة بالسلطة في السودان عبر القرون. وفي تاريخنا الحديث، عقد الاستعمار تحالفاته عبر تكوين ملكيات من الطوائف وزعماء القبائل والفئات التجارية، ووطد من نفوذها عبر تركيز الثروة في يدها. استمر هذا الوضع حتى حقبة الإنقاذ التي أعادت توزيع الثروة لتكون في يد منسوبيها وتحالفاتهم التي تعرف شعبيا بالتمكين.

كيف نحصل على فهم أفضل لمفهوم الفقر بعيدا عن الحديث عنه من خلال أعراضه؟

عالج الكتاب مسببات الفقر في السودان من خلال متابعة موجات الفقراء عبر العقود، والسياسات التي فاقمته وكيف تم تجاهلها، وجاءت الإنقاذ لتزيد من هذه المسألة. مفهوم الفقر يعبر عن الفقر كنواتج لخلل الملكية وسوء التوزيع وتداعياتها من عدم رضى السكان والتمرد على الدولة والنزاعات المختلفة والتفاوت التنموي. ويجيء عامل تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي وخروج الدولة عن مسئولياتها التعليمية والصحية وكافة الخدمات والخصخصة وغيرها. الجانب الآخر لمفهوم الفقر هم الفقراء أنفسهم الذين يحتاجون لتدخلات عاجلة وليست شعارات طويلة الأمد.

كيف تساعدنا الديمقراطية في التخلص من الفقر؟

في الديكتاتوريات يتم تكدس الملكيات في أيدي القلة؛ لأنها غالبا غير قانونية وانتقائية، كما يخضع التوزيع للمكسب السياسي وبدون معايير. وفي الديمقراطية تتم كل القرارات نسبيا بشفافية وحسب معايير وقوانين متفق عليها، والأهم من ذلك أن حرية التعبير تسمح بالمراقبة الشعبية والمحاسبة لأي انحرافات وتطبيق القوانين.

ما شبكات الأمان التي يتعين تنفيذها ودعمها لكبح الفقر؟

ارتبطت شبكات الأمان بأنظمة الرفاه الاجتماعي وكانت موجودة بانتقائية في مناطق الإنتاج، ولكن من منتصف السبعينيات تم التخلي عنها تدريجيا. شبكات الأمان الحقيقية الدائمة هي نظم التكافل والأمان الاجتماعي التي تلعب الدور الأساسي في تماسك أفراد الشعب.

يقترح الكتاب شبكة أمان تعمل على إزالة الفقر في السودان، وذلك عبر توحيد قنوات إزالة الفقر، ويقترح إنشاء “الهيئة الوطنية لإزالة الفقر” كمؤسسة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء، وترصد لها ميزانية تزيد تدريجيا ٢-٥٪؜ من الميزانية العامة. ويشرح الكتاب مهام ومناهج عمل هذه الهيئة.

سياسيا، هل تمتلك (قوى الانتقال) المكونة حديثا إرادة سياسية كافية لإقرار مجانية العلاج والتعليم… إلخ؟

تحويل هذا الشعار لواقع مرتبط بالقيمة المضافة لتطبيق هذا الشعار. لذلك يرتبط تطبيقهما بالمنافع التي تعود على الدولة منهما وغالبا كان يتحول لواقع عند تحديد رؤية الدولة واحتياجاتها من المواطنين المتعلمين، وكذلك ضرورة حماية المواطنين من الأمراض للانخراط في حياة إنتاجية معافاة. حكومات السودان، منذ الاستقلال، لم تضع الفقر في أجندتها بشكل جاد وفعال وأهملت القطاع الزراعي والحيواني التقليدي (اعتبرها قاطرة النهضة في سودان المستقبل).

وعلى قوى الانتقال من قوى الثورة وضع الفقر في المقدمة، وعلى المواثيق أن تخاطب هذه القضية التي يرزح فيها ٧٠٪؜ على الأقل من الشعب بشكل أكثر عمقا وليس مجرد ربطها بالعدالة الاجتماعية غير محددة المواقيت.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *