من قريته على الهضبة الإثيوبية يروي الطبيب الإثيوبي الستيني المثقف أنبربر، الذي درس بألمانيا الغربية في سبعينيات القرن الماضي، قصته المُلتحمة بأحلام الشعب الإثيوبي بالتحرر؛ أولاً من الإمبراطور هيلاسيلاسي، ومرة أخرى حكم الدكتاتور منقستو؛ تحت رحى الحرب الأهلية الإثيوبية التي استمرت منذ 1974 حتى 1991م.
يتولد الصراع الداخلي لدى أنبربر بين خلفيته كطبيب متعلم ومثقف وسياسي، وبين ما يعانيه مجتمعه المحلي من جراء الجهل والحرب، وقضايا تجنيد الأطفال وزواج القاصرات، والاغتصاب، فضلاً عن تأثير العرف المحلي والمعتقدات الدينية. وأثناء ذلك يرجع مُستذكراً رحلته القاسية للدراسة في ألمانيا، وتأثره بالأفكار الاشتراكية مع عدد من مواطنيه، ومن ثم عودته بعد الانقلاب على الإمبراطور هيلاسيلاسي، وقيام إثيوبيا باعتبارها دولة شيوعية تحت قيادة عسكرية في ظلال الحرب الباردة. وقد بدأت تتشكل مجموعات معارضة مختلفة من انتماءات أيديولوجية تتراوح بين الشيوعية ومناهضتها.
يعيش أنبربر أجواء الكبت التي رافقت حكم منقستو، ويتعرض هو نفسه للمساءلة بعد رفضه التوقيع على تقرير وفاة مزور لأحد ضحايا الاغتيال السياسي، ثم يُغتَال صديقاه وزميلا دراسته أحمد عبدول وتسفاي، الذي ترك طفله وزوجته الألمانية في ألمانيا بعد نهاية الحكم الإمبراطوري ملتحقاً بالدولة الجديدة لتصطدم أحلامه الثورية بالكبت والعنف السياسيَّيْن، وقبل أن يقرر العودة إلى أسرته في ألمانيا يُقتل بطريقة دراماتيكية.
بعد رفض أنبربر التوقيع على التقرير المزور، يأمره النظام بتولي منصب في ألمانيا الشرقية، فيغتنم هذه الفرصة للهروب إلى الغرب حتى يسقط جدار برلين ويسقط النظام العسكري الإثيوبي.
يحفل الفيلم بالانتقالات من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، ويتم تجسير تلك الانتقالات عبر كوابيس الرواي، وهواجسه المضطربة.
مقتل أحمد عبدول أو تسفاي أو إلقاء طفل على الأرض ليسقط ميتاً، أو طريقة الاعتقال الوحشية لمعارضي نظام منقستو؛ قد تعتبر قاسية بالنسبة للمشاهد لكنها نقلت لنا القلق الداخلي للشخصية الرئيسة فيه، الطبيب أنبربر. وإيغالاً في نقل هذا الاضطراب يتكرر مشهد تساقط قطرات الماء من صنبور السكن الذي يقطن فيه الطبيب، إضافة إلى تعميده بالماء المقدس الذي كان نقطة تذكره لما حدث في حياته السابقة. وعرضت خلال الفيلم عدد من الأغنيات التي تضمنت موضوعات الحنين إلى الوطن والحب وتقديس الأم.
عبر سيرة حياة الرواي، أنبربر، تتكشف جملة من قضايا شعبه، أبرزها قضايا التعليم وتجنيد الأطفال في الحرب، وما تخلفه من آثار على مجتمع يعاني من ضعف التعليم، إضافة إلى قضايا النساء في المجتمع المحلي. أيضاً يُحاول الكشف عن الكيفية التي تُستغل بها الشعارات والأيديولوجيات كوسيلة لكبت التعبير والعنف السياسي. فبطل الفيلم يعاني من جراحات عميقة ناتجة عن الصدمة التي تعرض لها بعد عودته إلى البلاد، إبان سقوط الإمبراطورية الإثيوبية، وتولي حزب العمال الحكم، والحرب الأهلية الإثيوبية. يقول له صديقه تسفاي المغتال بطريقة دراماتيكية واصفاً وضع إثيوبيا الجديد: إذا وقفت على الحياد فسوف تقتل برصاصتين.
وفي قصدية تضيف عنصر الأمل على قصة أنبربر، ينتهي الفيلم بانخراطه في تعليم أطفال القرية، وتزامن ذلك مع ولادة طفله من محبوبته المُتّهمة بأفعال السحر من قِبَل شيوخ القرية.
(تيزا) بالأمهرية تعني العودة. وأنتج الفيلم سنة 2008 وفاز بالجائزة الأولى في المهرجان الأفريقي للسينما والتلفزيون سنة 2009، من إخراج وكتابة هايلي جيريما. الفيلم من بطولة آرون عارف، أبيي تيدلا، تيجي تسفاهون، نييبو باييه، فروينكا أفراهام.
وجيريما مولود في غوندار (اثيوبيا) في 1946م يقيم منذ 1968م في الولايات المتحدة، حيث التحق بمعهد للمخرجين السود في لوس انجليس. ويدرّس السينما في جامعة هاورد منذ 1975.
تمكن الفيلم من تحقيق شعبية كبيرة، وعُرِض في العديد من المهرجانات السينمائية. شهد لأول مرة ارتفاع شعبيته في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الخامس والستين، وقوبل العرض الأول للجمهور الذي حضره المنتجون والمخرجون والممثلون قوبل بالتصفيق لمدة 20 دقيقة من جمهور حاشد. فاز الفيلم بجائزتي لجنة التحكيم الخاصة وأفضل سيناريو. وتمت دعوة الفيلم بعد ذلك إلى تورنتو، ودخل في المنافسة في أيام قرطاج السينمائية بتونس واكتسح 5 فئات، بما في ذلك جائزة التانيت الذهبي، وأفضل سيناريو (هايلي جيريما)، وأفضل موسيقى (فيجاي آير وجورجا مسفين)، وأفضل ممثل مساعد (أبيي تيدلا) وأفضل تصوير سينمائي (ماريو ماسيني).
عُرض الفيلم بأيام السينما الإفريقية (سينما الجيران) بتنظيم من نادي السينما السوداني وجماعة الفيلم في الفترة من 11 إلى 18 نوفمبر 2022.