صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

مغامرات الحوار الهادئة: بورخيس متحدثا عن ماسيدونيو فيرنانديث

بورخيس

شارك هذه الصفحة

أدناه الجزء الثالث من حوارات بورخيس الإذاعية مع أوزفالدو فيراري. جرت في العام 1984

ماسيدونيو فيرنانديث

أوزفالدو فيراري: هذه المرة يا بورخيس أود أن نتحدث عن رجل الأرجنتينيون دوما على وشك فهمه، وعنه قلت أنت أنه ليس له بيوجرافيا حتى الآن- ماسيدونيو فيرنانديث.

خورخي لويس بورخيس: ورثت صداقة ماسيدونيو عن والدي. درسا القانون سوية، وأتذكر من صباي عند عودتنا من أوروبا في 1920 رؤيتي لماسيدونيو ينتظرنا عند المرفأ. هناك كان يقف موطني متمثلا في شخص. عندما غادرت أوروبا، كانت آخر صداقة عظيمة لي هي صداقتي ذات الطابع التعليمي مع أسينس1. فكرت: ها أنا أودع كل مكتبات أوروبا؛ لأن أسينس قال لي: “بوسعي أن أحيي نجوم السماء بسبع عشرة لغة حية وميتة”. يا لها من طريقة بديعة لأن تقول إنني أتحدث.. أعرف سبعة عشر لغة، أليس كذلك؟ “بوسعي أن أحيي النجوم” وهو ما يضفي إحساسا بالأبدية والشسوع، أليس كذلك؟

عندما ودعت أسينس في مدريد بالقرب من شارع مورييرا حيث كان يقطن فوق قنطرة (وقد كتبت قصيدة عن ذلك)2، فكرت: الآن أعود للوطن. ولكن بعد أن تعرفت بماسيدونيو كنت أفكر: لم أخسر شيئا في حقيقة الأمر. ها هو رجل يمكن أن يحل محل أسينس بشكل ما. ليس رجلا يمكنه أن يحيي النجوم بلغات كثيرة ولم يقرأ كثيرا، ولكنه رجل كرس حياته للتفكير، للتفكير بشأن تلك المشكلات الأساسية التي نسميها بنوع من الغموض: الفلسفة والميتافيزيقا.

كان ماسيدونيو يعيش ويفكر بذات طريقة شول سولار3- أي لأجل إعادة خلق العالم ولأجل إصلاحه. أخبرني ماسيدونيو أنه كان يكتب ليعين نفسه على التفكير. لم يفكر مطلقا بالنشر، صحيح أن أحد كتبه نُشِر في حياته، (أوراق الواصل للتو)، ولكن هذا كان نتيجة للمؤامرة السخية التي خطط لها رييس، الذي قدم العون للكثير من الكتاب الأرجنتينيين. وقدم العون لي أنا بالمثل. (سرقت) بعض تلك الأوراق من ماسيدونيو. لم يكن يولي كثير اهتمام لمسوداته، كان يحملها معه من فندق رخيص لآخر (لأسباب يمكن تخمينها بسهولة) متنقلا مع عمله في القانون أو في (أونس) حيث مسقط رأسه. كان يسوؤنا منه ذلك- كان يفر من فندق ما ويترك وراءه كومة من المسودات ينتهي بها الأمر إلى الضياع. كنا نقول له: “ولكن يا ماسيدونيو، لماذا تفعل ذلك؟” وكان يجيب بدهشة صادقة: “هل تعتقدون أنني قادر على التفكير بشيء جديد؟ يجب أن تفهموا أنني أفكر دوما ذات الأفكار. أنني لا أفقد أي شيء. سأفكر بذات الأشياء في فندق كذا وكذا. ما فكرت به في شارع خوخوي هو ذات ما سأفكر به في شارع ميسيونيس”.

فيراري: قلت إن المحادثات مع ماسيدونيو أبهرتك..

بورخيس: هذه هي النقطة الأساسية. لم ألتق شخصا أبهرتني محاوراته أو كان أكثر اقتصادا في كلماته منه. كان أقرب لكونه أبكما، صامت تماما. كنا نلتقي لنستمع له كل سبت في مقهى لا بيرلا، وكان في زاوية ريفادافيا وخوخوي، كنا نلتقي حوالي منتصف الليل ونظل هناك حتى الفجر.. نستمع. وكان يتكلم أربع أو خمس مرات كل ليلة، وكل ما كان يقوله كان يعزوه بسخاء لمحدثه. كان عادة ما يبدأ بالقول- وكانت له هذه الطريقة الأرجنتينية التقليدية في هذا القول- :”لا شك أن قد لاحظت…”، ثم يعقب ذلك بملاحظة لم يفكر بها أحدنا مطلقا (يضحكان). كان ماسيدونيو يحب أن ينسب أفكاره إلى الآخرين، لم يقل أبدا “فكرت بكذا وكذا”. بدا له ذلك نوع من الإدعاء أو الغرور.

فيراري: كان يفضل أن يعزو ذكاءه لذكاء كل الأرجنتينيين

بورخيس: نعم، وهذا بالمثل.

فيراري: أتذكر أنك قارنت رجلين بآدم.

بورخيس: هذا صحيح.

فيراري: ويتمان4 وماسيدونيو.

بورخيس: هذا صحيح.

فيراري: في حالة ماسيدونيو، كان ذلك لقدرته على التفكير بمعضلات أساسية وحلها.

بورخيس: في حالة ويتمان، كان ما قلته بسبب اكتشافه للعالم. مع ويتمان يراودك الشعور أنه كان يرى كل شيء للمرة الأولى، وهو ما لا بد أن آدم قد شعر به. وما شعرنا به جميعا ونحن أطفال. شيئا فشيئا نكتشف العالم.

فيراري: وذلك الإعجاب الذي كنت تكنه لماسيدونيو كان لحد ما شبيها بما شعرت به تجاه شول سولار، كما سبق وأن صرحت مرارا.

بورخيس: نعم، ماسيدونيو كانت تدهشه الأشياء وكان يسعى لتفسيرها. أما شول سولار فقد كان يتملكه نوع من الحنق وأراد أن يصلح كل شيء، أي أنه كان نوعا من المصلح الكوني. لم يكن ثمة ما يجمع بين ماسيدونيو وشول سولار. كانا يعرفان بعضهما وكنا نتوقع الكثير من لقائهما، ولكننا شعرنا بنوع من الخديعة بعد ذلك، لأن شول سولار رأى أن ماسيدونيو مجرد أرجنتيني آخر. بينما قال ماسيدونيو بشيء من القسوة إن “شول سولار رجل جدير بالاحترام وبالكثير من الشفقة.” وهكذا، فإنهما في واقع الأمر لم يلتقيا قط. أعتقد أنه برغم أنهما صارا صديقين بعد ذلك، إلا أن لقاءهما الأول لم يقع أبدا، وكأن كلا منهما لم ير الآخر. كانا عبقريين ولكن من النظرة الأولى كان كل منهما خفيا عن الآخر.

فيراري: هذا غريب. لكن الآن، أنت قلت إن ماسيدونيو كان يماهي بين الأحلام وجوهر الوجود، وأنت قارنت فعل الكتابة بالحلم.

بورخيس: كل ما في الأمر أنني لا أعرف إن كان ثمة فارق حقيقي بينهما. إنني أؤمن بأن مقولة ‘الحياة حلم’ صائبة تماما. ينبغي أن يكون السؤال إذن: هل ثمة من يحلم أم أنه مجرد حلم يحلم نفسه؟ بمعنى أنه إن كان ثمة حلم فربما هو شيء غير شخصي، كتساقط المطر أو الثلج أو تتابع الفصول. شيء يحدث ولكنه لا يحدث لأحد ما بعينه. وهذا يعني أنه ليس ثمة إله ولكن مجرد حلم طويل بوسعنا، إن أردنا، أن نسميه (الرب). أعتقد أن هذا هو الفارق. ماسيدونيو أنكر وجود الذات. وديفيد هيوم5 أنكر وجودها وكذلك فعلت البوذية. وهو أمر غريب، لأن البوذيين لا يؤمنون بتناسخ الأرواح، بل يؤمنون في الواقع بأن كل فرد خلال حياته يؤسس كيانا ذهنيا أو (كارما). ثم يرث فرد آخر هذا الكيان الذهني. لكن بشكل عام نميل لأن لا نفهم هذا عن البوذية. أما الهندوس، من جانب، فيتصورون أن ثمة روح تمر بحيوات عديدة، وتسكن أجسادا مختلفة، وتولد من جديد وتموت. ولهذا فإن الإله شيفا- يمكنك أن ترى له صورة بالقرب من هنا- هو إله راقص بستة أذرع، وهو إله الموت والبعث. لأن الهندوس يؤمنون بتطابق الأمرين، وأنك عندما تموت يولد شخص آخر، وبالتالي فإنك عندما تولد فإنما أنت تولد للموت. وهكذا فإن إله البعث هو ذاته إله الموت.

فيراري: صحيح، المعنى الذي أسبغته على عزلة ماسيدونيو يبدو لي مهما بالمثل، وقد ربطت ما بين نبل تلك العزلة والشخصية الأرجنتينية قبل ظهور الراديو والهاتف والتلفاز.

بورخيس: هذا صحيح، سابقا ربما كان الناس أكثر اعتيادا على العزلة. كان ملاك المزارع يعيشون في انعزال جزءا مقدرا من السنة، أو ربما طوال حياتهم، لأن عمال المزارع كانوا غير متعلمين ومن المستحيل خوض حوار معهم 6. كل مالك مزرعة كان نوعا من روبنسون كروزو في السهول أو التلال أو أيا يكن. ربما نكون قد فقدنا تلك القدرة على أن نكون وحدنا، أليس كذلك؟

فيراري: أعتقد هذا.

بورخيس: وفوق كل ذلك، فالناس اليوم في حاجة دائمة للصحبة، لصحبة الراديو وصحبتنا نحن (يضحك) ما الذي يمكن فعله بصدد ذلك؟

[كانت هذه الحوارات تبث على الهواء كل جمعة على إذاعة راديو مونيسيبال ببوينيس آيريس ابتداء من 1984 – المترجم]

فيراري: صحبة متخيلة.

بورخيس: نعم، صحبة متخيلة، ولكنني آمل أنها سارة كذلك في حالتنا الآن.

فيراري: ثمة شيء حقيقي في صحبة الراديو.

بورخيس: إلم تكن هذه هي الحال، إلم تكن صحبتنا مبهجة للآخرين، فما جدوى محاوراتنا إذن؟

فيراري: بالتأكيد، أدهشني أيضا أنك عزوت لماسيدونيو الاعتقاد بأن بوينس آيريس وقاطنيها لا يمكن أن يرتكبوا أخطاء سياسية.

بورخيس: حسن، يستحيل أن يكونوا على خطأ بتاتا. لكن نزعة ماسيدونيو القومية زادت الأمر سوءا، مبدأ سخيف هو في واقع الأمر. على سبيل المثال، أراد هو- ولم يفلح أبدا لحسن الحظ- أن نضيف لتوقيعاتنا بأسماءنا عبارة (فنان من بوينس إيريس). لكن لم يفعل أحد ذلك، فهي إضافة بديهية على كل حال (يضحكان). مثال آخر: إن كان ثمة كتاب جيد، كان يقول حينها إن المؤلف جيد لأن بوينس آيريس لا تقع في الأخطاء. وقد كان بوسعه على كل حال أن ينتقل بين ليلة وضحاها من مناصرة هيبوليتو يريجوين7 إلى دعم خوسيه فيليكس أوريبويو8. ومنذ لحظة انتصار الثورة لم يعد بوسعه لومها على أي شيء. وكذلك اعتقد المثل بصدد الممثلين ذوي الشعبية- من لحظة تحقيقهم الشهرة كان يحكم بأنهم بالضرورة جيدون. وكل هذا خطأ. فمن الجلي أننا جميعا قادرون على ارتكاب الأخطاء.

فيراري: ذكرت أن والدتك أشارت إلى نقطة أن ماسيدونيو كان داعما لكل الرؤساء الأرجنتينيين.

بورخيس: نعم، ناصر كل واحد منهم، ليس لأن يحظى بأي شيء من وراء ذلك، لكنه رفض التسليم بحقيقة أن أي رئيس يمكن أن ينتخب بأية طريقة سوى الانتخابات النزيهة. وهذا مكنه من تقبل كل شيء (يضحك). حسن، ربما من الأفضل ألا أسرف في إيراد الأمثلة.

فيراري: الآن، لو كانت هذه بلادا تتمتع بحس ميتافيزيقي، وإن كانت ثمة وشيجة تربط بوينس آيريس منذ نشأتها بالميتافيزيقا، فإنني أرى رابطا مماثلا بين ماسيدونيو والحس الميتافيزيقي لبوينس آيريس.

بورخيس: لست واثقا من ذلك. وهل هذا الحس حقيقي؟ ربما، لكنني لم ألحظ ذلك.

فيراري: حسن، إنني أراه في طريقة قراءتي لماسيدونيو.

بورخيس: آه، حسن، قد يكون الأمر كذلك، لكنني لست واثقا مما إذا كان ماسيدونيو استثناء.

فيراري: أعتقد أنه كذلك.

بورخيس: شأنه شأن كل عبقري، بالطبع.

فيراري: طالما شعرت دوما بما يمكن أن نسميه حاجة لتوضيح آرائك عن ماسيدونيو.

بورخيس: نعم، لكنني لم أفعل ذلك بشكل كامل. تحديدا لأن الأمر شخصي تماما ولا أدري إن كان بالإمكان شرحه. شيء كالطعم أو اللون. لو أن أحدهم لم ير ذاك اللون أو لم يتذوق ذاك الطعم فإن التعريفات بلا جدوى. وفي حالة ماسيدونيو أعتقد أن من لم يسمعوا صوته وهم يقرؤونه فهم في الحقيقة لا يقرؤونه. وأنا بوسعي ذلك؛ أتذكر بالضبط كيف كان صوت ماسيدونيو ويمكنني رفع الكلمة المكتوبة لمنزلة الكلمة الشفاهية.

الآخرون لا يتيسر لهم ذلك، ويجدون الأمر مربكا أو غير مفهوم.

فيراري: نعم، هل لاحظت ذلك؟ أمر غريب للغاية… أستطيع القول إنك إن فهمت ماسيدونيو فإن ذلك ييسر لك فهم غرائبيات شخوص مجتمعنا، عائلاتنا، ومن يشابهنا من الأشخاص؟ أرى الأمر على نحو ما…

بورخيس: كان ماسيدونيو ليقدر للغاية هذه الفكرة. كان ليتفق معها. لا أدري مدى صحتها من خطئها نظرا لأن ماسيدونيو كان شديد التفرد. أستطيع أن أقول هذا: كنا نراه كل سبت. كان عليّ أن أنتظر الأسبوع بطوله قبل أن تتاح لي رؤيته. كان من الممكن لي أن أذهب إلى زيارته لأنه كان يقطن قريبا من بيتنا وقد تلقيت منه دعوة لذلك. لكنني كنت أقول لنفسي: لن أفعل ذلك، لن أستغل هذا الامتياز. سأنتظر مرور الأسبوع مدركا أن ذلك سيتوج باللقاء مع ماسيدونيو. وهكذا كنت أتنازل عن رؤيته. كنت أخرج للمشي، أو آوي إلى فراشي مبكرا لأقرأ- كنت أقرأ كثيرا للغاية، تحديدا بالألمانية. لم أرد أن أنسى ما تعلمته من الألمانية في جنيف لأجل أن أقرأ شوبنهاور. ولذا، كنت أقرأ كثيرا. كنت آوي إلى فراشي لأقرأ أو أخرج لأتمشى وحيدا_ في تلك الأيام لم يكن هذا ينطوي على أي خطر؛ لم تكن ثمة اعتداءات أو أي شيء من هذا القبيل، كان زمنا أكثر هدوءا إل حد بعيد. كنت أفكر: ماذا يهم إن أصابني مكروه هذه الليلة؟ إذا بلغت يوم السبت فسيكون بإمكاني الحديث مع ماسيدونيو. كنا أنا وأصدقائي نقول لبعضنا البعض كم نحن محظوظين أننا ولدنا في ذات المدينة، في ذات الفترة، في ذات البيئة التي ولد فيها ماسيدونيو. كان يمكن أن يفوتنا ذلك. وهو ما يشعر به العاشق أليس كذلك؟ يا له من حظ أن تعيش في ذات الوقت الذي يعيش فيه كذا وكذا، فرادة في الزمان والمكان. حسن، هذا هو ما أحست به مجموعتنا الصغيرة تجاه ماسيدونيو. بعد وفاته أخذ يظهر أصدقاء (حميمون) له، أصدقاء لم نرهم طوال حياته، ولكن هذا ما يحدث دوما عندما يتوفى شخص بارز أو شهير. يظهر أشخاص مجهولون ويدعون صداقته. أتذكر شخصا بعينه-لا داع لذكره بالاسم- سمعنا نتحدث عن ماسيدونيو. استغرق ذلك الشخص في النوستالجيا، وزعم، وكان يصدق بالفعل، أنه كان صديقا لماسيدونيو. وأنه يتذكر ويحن باعتزاز للقاءات السبت في لا بيرلا، في حين أنه لم يذهب إلى هناك أبدا، لم يعرف ماسيدونيو أبدا، ولم ير حتى شكله. لكن لا يهم كل ذلك- كان في حاجة للنوستالجيا وهكذا كان يغذيها. وعندما يحدثني عن ماسيدونيو رغم أنني أعرف أنهما لم يلتقيا أبدا لم أكن أقاطعه.

فيراري: نوستالجيا خلاقة.

بورخيس: نعم، نوستالجيا خلاقة.

فيراري: بورخيس، يمكنني أن أستمر في الحديث معك عن ماسيدونيو إلى الأبد9 لكن…

بورخيس: ولم لا نستمر في الحديث للأبد؟ وعن كل شيء؟

فيراري: ينبغي أن نتوقف اليوم. هل نقول إلى اللقاء حتى الجمعة المقبل؟

بورخيس: ولم لا، ولكنني سأترقب الجمعة بقلق.

الهوامش والإحالات:

1 قَدرٌ ما قضى بأن يظل رافاييل كانسينوس أسينس – إلى الأبد – خفيا ومنسيا ومتلاشيا.

2 كتب بورخيس قصيدة عن ذلك.

3 في العام 1916 اختار أوسكار أوجستين أليخاندرو شولز سولاري لنفسه الاسم ‘شول سولار’، ‘Xul’ معكوس ‘lux’ أي ‘ضوء’ باللاتينية و’Solar’ أي ‘شمسي’.

يوظف بورخيس عددا من أصدقائه كشخوص في قصة ‘طليون أوقبار أوربيس تيرتيوس’، ومن بينهم شول سولار الذي ينسب له ترجمة عبارة من لغة طليون: ‘hlör u fang axaxaxas mlö’ والتي يفترض أن تعني ‘بزغ القمر فوق النهر’. ويقول إن سولار اختار أن يترجمها: ‘فوق المسيل اقتمار’، وذلك لخلو لغة أهل طليون (المثاليين الباركليين بغريزتهم) من الأسماء تماما واعتمادها بالكامل على الأفعال، إذ أن عالمهم المثالي بلا امتداد في المكان والزمن أي أنه حال متفلتة دائمة.

لا ننسى أن شول سولار كان مبتدع لغات خيالية.

4 برغم أن ديوانه ‘أوراق العشب’ قد نشر لأول مرة في العام 1855 إلا أن والت ويتمان أنفق على وجه التقريب ما تبقى له من عمر في كتابته وإعادة كتابته وتحريره.

وفيه يحتفي ويتمان بالشرط الإنساني (الذي يبغضه الشعراء) وبالجسد وملذاته وتجربة الحس على وجه العموم.. أي بالحياة ذاتها وبالعالم.

5 “أكد باركلي على الوجود المستمر للأشياء حتى عندما لا يوجد من يدرك وجودها، إذ أن الله يفعل ذلك على الدوام. هيوم، بقدر أكبر من المنطق، ينفي أي وجود كهذا (أطروحة في الطبيعة البشرية1، 4، 2). باركلي أكد على الهوية الشخصية: ‘لأنني أنا لست أفكاري، بل شيء آخر، فكر أو مبدأ نشط في حالة إدراك” (حوارات، 3). هيوم المتشكك ينقض هذا الاعتقاد، وجعل من كل رجل “حزمة من إدراكات متباينة، يعقب بعضها بعضا بسرعة تفوق التصور”.

[نفي جديد للزمن 1944_1947]

6 تنبني قصة بورخيس (الإنجيل حسب مرقص) على محاولة لابتداء تواصل وحوار بين مديني احتجزته فيضانات في الريف وبين عمال مزرعة. لتزجية وقت فراغه، يقرأ بطل القصة للريفيين كتبا وجدها في المنزل الذي يقيم فيه، يقرأ لهم رواية شعبية لريكاردو غويرالديس تدور حول موضوعة الحياة الريفية (دون سيغوندو سومبدرا) لكنه يلحظ لا مبالاتهم بالنص وقلة اهتمامهم به برغم زعم النص تمثيله لطرائق حياتهم، بعدها يقرأ لهم أجزاء من إنجيل مرقص، والذي -للمفارقة- يثير حماستهم حد أنهم يندفعون لتمثيل مشهد صلب المسيح، ويصلبون بطل القصة المسكين.

7و8 ليسا ذا شأن ولا مسوغ لتعريفهما كغالب أهل السياسة.

9 لبورخيس نص قصير بعنوان (محاورة على محاورة) يشرع فيه وماسيدونيو فرينانديث بالحديث عن الخلود، ولكي يكملا حديثهما بعيدا عن صخب اللحظة الحاضرة، يشرعان كذلك بالانتحار، وينتهي النص بالقول إن الراوي الذي هو بورخيس لا يعرف إن كانا انتحرا فعلا أم لا.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *