عند قنة جبل البركل المقدس، الواقع على بعد نحو 400 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم، والذي يقف بمنحنى النيل بمدينة كريمة في الولاية الشمالية، وقف السفير الأمريكي جون غودفري، مستقبلا شمس الصباح، ومستمتعا بمنظر خلاب قلما يتوفر في بلدان كثيرة.
في تغريدة مصحوبة بالصور على موقعه الرسمي بـ”تويتر”، عبر عن تلك اللحظة قائلا: “استمتعت بمنظر خلاب هذا الصباح على قمة جبل البركل المقدس، أحد الكنوز الثقافية العديدة التي تشرفت بزيارتها في السودان”.
من هناك كانت الفرصة مواتية للدبلوماسي الغربي الذي بلغ بزياراته من قبل اقصى غرب وشرق السودان، لزيارة المواقع الأثرية في منطقة (الكرو)، الأثرية الواقعة جنوب جبل البركل وتضم أكثر من 20 مقبرة ملكية ويعود بنائها إلى عهد الدولة الكوشية.
قال غودفري “تعلمت الكثير عن التاريخ السوداني من الخبراء في متحف جبل البركل. أوصيكم إذا سنحت لكم الفرصة بزيارة المتحف، جنبًا إلى جنب مع البازار المجاور من الحرف اليدوية والسلع المحلية الجميلة.”
في نوفمبر الماضي، وقف السفير الأمريكي، على ساحل البحر الأحمر بمدينة بورتسودان، معربًا عن دواعي سروره لمعرفة المزيد عن الشعب السوداني وثقافته. تلك كانت الزيارة الثانية له إلى شرق السودان فقد زار في الشهر السابق (اكتوبر) كسلا، ومن قبل شمال دارفور في أقصى غرب البلاد، في محاولة لاستكشاف أرض المعركة الدبلوماسية التي سيخوضها.
لدى وصوله الفاشر عاصمة شمال دارفور،في سبتمبر الماضي، لم يكتف غودفري بزيارة ميدانية لمخيم زمزم للنارحين الواقع على مبعدة 15 كليومترًا جنوب الفاشر، كما لم تكن زيارته خاطفة لساعات ولكنها استمرت لثلاثة أيام شملت لقاءات مع مسؤولين حكوميين وعدد من المنظمات والهيئات الدولية العاملة وقادة الإدارات الأهلية، وزيارة إلى جامعة الفاشر وقرية طرة على الريف الشمالي للفاشر، بجانب زيارة إحدى الأسر السودانية، وأخيرًا وصل إلى بورتسودان في زيارة طابعها دعم الجهود الإنسانية.
على طريق شريان الشمال، كانت للسفير غودفري محطة لافتة، حيث ترجل الى داخل احدى المقاهي التليدة هناك، قهوة ام الحسن، ووجد استقبالا وترحيبا كبيرين.
قال في تغريدة “سعدت بلقاء عائلة الراحلة ام الحسن في مقر قهوتها المشهورة في طريق شريان الشمال. وكانت الراحلة رائدة في ترحيب المسافرين، حيث ظلت تستقبلهم بحرارة لاكثر من 50 عاما من جميع انحاء البلاد عندما كانوا يتوقفون لتناول الشاي والقهوة واخذ قسط من الراحة. ان قصتها ملهمة وكانت أيقونة حقيقية للمرأة السودانية. وشكرا لأحفادها علي كرم الضيافة.”
في تلك القهوة جلس غودفري على عنقريب خشب خالي من الفراش الوثير واحتسى كوب شاي سوداني، برتوش ضاربة في عمق الحضارة السودانية، واستمع الى قصة امراة سودانية ملهمة “وكانت أيقونة حقيقية للمرأة السودانية”.
وفي العاصمة الخرطوم، تراوحت تحركات غودفري بين لقاءات مع القوى السياسية والعسكرية والمدنية ولجان المقاومة وأسر الشهداء، بجانب رجال الطرق الصوفية والفنانين، ما دفع بالبعض لاعتبار تحركاته تدخلًا في الشأن الداخلي السوداني، غير أن دبلوماسيين ومحللين لا يرون في نشاط السفير الأمريكي غبارًا، فهو من صلب عمله الدبلوماسي.
ينتهج غودفري دبلوماسية الترحال والتغلغل وسط السودانيين بمختلف جهاتهم واتجاهاتهم، من اجل التعرف عليهم، فعند اختياره للمنصب قال انه ذاهب الى الخرطوم لتمثيل حكومته لدى الشعب السوداني وقد فصل ذلك لاحقا بقوله “ان ما تعنيه مهمته بالأساس هو تقوية العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني، وما لا تعنيه هو تقوية العلاقات بين الحكومتين الأمريكية والسودانية في الوقت الراهن”. مؤكدًا أن “مفتاح تعميق العلاقات بين الحكومتين وتوسيع التعاون بين الولايات المتحدة والسودان على مستوى الحكومات، لا يمكن تحقيقه إلا في سياق حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الانتقالي في السودان”.