لوحات بالأبيض والأسود، ترصد العلائق بين الإنسان وأخيه الإنسان، وترصد الذات في عالمها الداخلي، تختفي ملامح الوجه لكن الجسد يقول كل شيء، ويجعل اللوحة قابلة للتأويلات المفتوحة. يقول محمد عبد الرسول عن معرضه الذي افتتح، بصالة عرض المعهد الفرنسي بالخرطوم، في التاسع من شهر يناير الجاري ويستمر حتى الثاني من فبراير المقبل: “اخترتُ هذا العنوان لكي يفكر المتلقي في كنه هذا الخفاء”.
يستوعب محمد عبد الرسول تشريح الجسد الإنساني، في أعماله، لكنه في ذات الوقت لا يحفل بنقل أشكال الأنسجة والأعصاب الداخلية للإنسان – كما يوضح لـ”الحداثة” – بقدر ما يرغب في نقل الحالة الشعورية.
يقول عبد الرسول عن علاقته بعلم التشريح: “لم نتلق درس التشريح بكلية الفنون الجميلة، إلا لماماً، لكنه أصبح جزءاً من اهتمامي وقد اطلعت على بحوث ودراسات معمقة فيه”.
يستلهم عبد الرسول أشخاص أعماله من الواقع المعاش ومن الماضي والذكريات، كما يقول في إفادته لـ”الحداثة”، ويضيف: “يحدث أثناء الاشتغال أن تتداعى مواقف من الذاكرة أو من المحيط اليومي، أقرأ ماذا تقول الأجساد الجالسة أو الواقفة في السوق أو في ميدان الحي أو في الذاكرة، ورغم أن الشخوص يمكن أن تكون مجهولة بالنسبة لي، أستدعي المواقف والمشاهد الحياتية لأحولها إلى عمل فني له وجهة نظر خاصة ولديه ما يقوله للناس”.
وحول التقنية التي استخدمها في المعرض الأخير يقول عبد الرسول، إن ما يبدو كأنه في مستوى من مستويات العمل، نقاطٌ بالنسبة لمتلقي اللوحة، ليس نقاطاً بالفعل، بل خطوط منحنية، وهو مستوى واحد ضمن مستويات العمل في هذا المعرض.
الفنان التشكيلي حاتم فاضلابي يقول لـ”الحداثة”، إن هناك ثلاثة مستويات للعمل الفني في تجربة محمد عبد الرسول الأخيرة: أشكال الحبال، والجسد، وخلفيته. ويضيف فاضلابي: “الجسد ليس كتلة منفصلة على باقي المستويات. إن أعمال عبد الرسول تُبين لنا أن الأبيض والأسود هو نوع من التلوين، وليس أبيض وأسود فقط، فما بين الأسود والأبيض درجة وسيطة هي الرمادي، وهو نوع من التلوين يكمن في الأبيض والأسود، أشار إليه من قبل الفنان التشكيلي القدير إبراهيم الصلحي حين قال إن أعلى درجات التلوين في اللون الواحد”.
ويواصل فاضلابي معلقاً على لوحات عبد الرسول الأخيرة: “عمل مميز، وفيه صبر عالٍ، وأعتقد أنه استغرق ساعات طويلة من العمل الشاق.. خاصة في القطع الكبيرة التي تتيح مساحات من المتعة بالنسبة للفنان التشكيلي”.
يقول عبد الرسول إنه إضافة إلى ما يعانيه الفنان التشكيلي السوداني من عنت في عيشه، فإن عليه مواجهة مشروعه الفني بكل جدية، ويضيف: “مرت لوحات هذا المعرض بعدة مراحل، بداية من وضع الاسكتشات الأولية ثم الاستغناء عن كثير منها، لتصل الأعمال إلى ذروتها المطلوبة، ومن ثم استغرقت مرحلة التجهيزات للمعرض جهداً فكرياً ومادياً، لكن لا ينبغي لكل ذلك أن يوقف حركة الفن الجادة”.
القاص والروائي الهادي علي راضي – وهو أحد متابعي تجربة محمد عبد الرسول عن كثب – يقول لـ”الحداثة”: “لوحات (وجوه مخفية) تُعبّر عن حالة الإنسان المأزوم – خيِّراً كان أم شريراً – إنسان يعيش في هذا العصر الضاج بالتفاهة والشر. ثمة تساؤل يثيره العنوان: هل فعل (خفاء الوجه)؛ يخص العمل الفني، أم يخصك أنت كملتقٍّ؟ بالطبع يخصك؛ فاللوحة ما هي سوى تجريد لذاتك المأزومة، فالمساحة الفاصلة بينكما – لحظة التلقي – هي منصة حوار صامت، مستفز، ضاج بالأسئلة وأنت تحاول قراءة اللوحة – وجهك المخفي – عبر علامات محمد عبد الرسول التي خطها داخل العمل الفني؛ بدربة وعناية فائقة وتكنيك مذهل”.