في شرق السودان، بات الإغلاق المتكرر للميناء الجنوبي أداة دائمة وفعالة للتعبير عن الاحتجاج، أو تشكيل ضغوط على الخرطوم، ذلك بالنسبة للسياسيين والقيادات المناطقية في البحر الأحمر.
أمس الأول، نفذ القيادي المحلي شيبة ضرار تهديدات كان قد أطلقها وتوعد فيها بإغلاق الميناء، وربما كامل ولاية البحر الأحمر، حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم في (تحالف أحزاب وكيانات شرق السودان)، ما أعاد إلى الأذهان حادثة الإغلاق الشهيرة التي قادها الناظر محمد الأمين ترك، وسبقت انقلاب 25 أكتوبر، وتسببت بأضرار مادية جسيمة للميناء وكافة سكان المدينة الساحلية الذين يرتبط معاشهم بعمليات الصادر والوارد.
شيبة ضرار، لمن لا يعرف تموضعات القوى المتصارعة على تمثيل مصالح أهل الأقليم، أو التوسل بها لتحقيق مصالح خاصة، هو زعيم محلي يملك الوصول إلى قطاع واسع ومؤثر من جماهير ولاية البحر الأحمر.
قد تتذكر وسائل الإعلام قيادة الرجل لاحتجاجات واسعة في المدينة، عام 2005، كانت قد انتهت على نحو مأساوي بارتكاب الأجهزة الأمنية وقتها لمجزرة شهدت سقوط 22 شهيدا في أنحاءها.
ولا يمنع هذا أن ضرار تقلب لاحقا في المناصب الولائية طيلة الأعوام التي تلت توقيع اتفاق سلام الشرق في العام 2006، ولكنه عاد الآن من منصة قريبة من الناظر ترك، ليتبنى مع مناصريه المطالب ذاتها المتعلقة برفض مسار الشرق الوارد في اتفاق سلام جوبا (2020) ومنبر خاص بشرق السودان، بجانب مقررات مؤتمر سنكات، وأخيرا رفض الاتفاق السياسي الإطاري الموقع في 5 ديسمبر بين قادة الانقلاب وقوى الحرية والتغيير.
بالطبع خرجت أمس أيضا بيانات رفض وتنديد بهذه الخطوة من عمال الموانئ ومن تجمع العاملين بهيئة الموانئ البحرية، بجانب تعالي أصوات احتجاجية من جميع العاملين بالقطاعات المرتبطة بنشاط الأرصفة، شحنا وتفريغا للبضائع على اختلافها، لكن كل ذلك قد لا يوقف استخدام الميناء كأداة لدى بعض القيادات المحلية حتى تتحقق أهدافهم، وربما يكون بداية لتصاعد احتجاجات أكبر بأدوات ووسائل مختلفة، كما يحذر الأمين السياسي السابق لمؤتمر البجا عبد الله محمد أحمد كنه.
هو يوضح أن تصرف ضرار ليس معزولا عن مواقف القيادات السياسية والمجتمعية في الإقليم بأكمله، من تجاهل قضية الشرق في الاتفاق السياسي الإطاري وعدم إشراكه في المفاوضات التي سبقت التوقيع، بل وحرمانه من توقيع الاتفاق نفسه.
ويشير إلى أن الناظر ترك انضم إلى (الكتلة الديمقراطية) سعيا إلى تمثيل الإقليم في الاجتماعات الجارية والعملية السياسية، لكن تم منع الكتلة من التوقيع، مضيفا أن ترك يمثل الكتلة الصامتة في شرق البلاد والقيادات التي فقدت الأمل في إمكانية تغيير طريقة تعامل الخرطوم مع قضايا الإقليم، ولا يمثل جهة أخرى.
ويحذر كنه من أن ردات الفعل على هذا التجاهل المستمر، ومن تردي الأوضاع المعيشية اليومية وكافة مناحي الحياة، لن تقف عند اغلاق كل الموانئ، لأن هذه الخطوة مجرد إشعار للحكومة التي تعتمد على مواردها، مشيرا إلى أن المواطنيين يموتون في هدوء وصمت من الجوع والمرض والكوارث، بينما تصرخ العاصمة من أجل إغلاق بوابات الميناء الجنوبي، وهذا بينما يخرج أغلب الذهب المصدر من البحر الأحمر ولا يجني الإقليم من عائداته شيئا.
وأضاف: إننا لا نقدح في وطنية أحد، لكن لا نفهم سر تجاهلهم للإقليم وأهله، ونطلب من من يجلسون لوحدهم في الخرطوم أن يأتوا إلينا ليروا كيف يعيش الناس هنا، فبسبب الغلاء الطاحن والأمراض وانعدام الأدوية يموتون في هدوء دون أن يصرخون مثلما يحدث في أماكن أخرى.
وتساءل كنه عن أسباب إهمال قضية تردي البنية التحتية للموانئ حتى فقدت على مدار أعوام مكانتها وهربت منها التوكيلات الملاحية، والتركيز على رمزية إغلاق بوابات الميناء الجنوبي وتأثيرها على المدخولات.
وحول أسباب غياب (مؤتمر البجا- الحرية والتغيير) عن المشهد، وتعدد الواجهات في الإقليم، يشير كنه إلى أن شباب مؤتمر البجا شاركوا مثل غيرهم في الثورة، وقدموا تضحيات مثل غيرهم في أنحاء السودان، لكن ذلك لم يشفع لهم عند الآخرين، فبعضهم يتواجد في الخرطوم ولا يسمح له بالمشاركة في مطبخ هذه السياسات والاتفاقات.
وبشأن رفض اتفاق سلام جوبا (2020) أوضح أن السبب الرئيسي هو منع وفد كامل من البحر الأحمر كان قد ذهب إلى جوبا بطائرة خاصة للمشاركة في المفاوضات، وتساءل عن أسباب المنع وعدم تنفيذ اتفاقية سلام الشرق، مضيفا: “لماذا أخفى اتفاق سلام الشرق في المرحلة الانتقالية، رغم التأمين على الالتزام به، ولما لا يتم دمج الاتفاق مع المسار”؟
ويقول كنه إن المواطنيين في حالة يائسة بسبب تردي الأوضاع في كافة مناحي الحياة وفقدان الأمل أيضا في إمكانية تحسنها، فيما تشكو حكومة الولاية من عدم وجود موارد وتخلو دواوينها من أي أموال سائلة، وهي أوضاع غير محتملة في مجملها، وهو ما يدفعني للتحذير من موقع المسؤولية، مما قد تذهب إليه الأوضاع في ظل ما يجري.
وتابع: لا نريد العودة للأوضاع السابقة، ولا نقبل الحديث عن العمالة وغيرها من الإساءات التي سنرد عليها فورا.
ورأى أن ضرار قيادي معروف في البحر الأحمر، وله تاريخ نضالي، ويقود قوة عسكرية أغلقت الميناء احتجاجا على تجاوز الشرق في الاتفاق السياسي الإطاري، وهو تجاوز حقيقي وواضح لا يمكن نفيه، فلم نشارك في جوبا ولا الاتفاق السياسي الإطاري في الخرطوم، وقد انضم الناظر ترك إلى (الكتلة الديمقراطية) حتى تكون لدينا مشاركة.
واعتبر أن ما سبق ذكره ينم عن استخفاف كبير بالشرق وأهله وقضاياه التي يعلمها الجميع، مشددا على أن قوى الشرق لن تقبل بمثل هذا الاستخفاف الذي قد يفتح الباب لمواصلة الكفاح من أجل تحقيق طموحات مواطنيه.