صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

ماذا يريد قادة إفريقيا من واشنطن؟

جو بايدن

جو بايدن

شارك هذه الصفحة

“عندما تنجح إفريقيا، تنجح الولايات المتحدة.. العالم كله ينجح”، بهذه العبارات وقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، محاولا استمالة 49 من الزعماء والقادة الأفارقة بأن وجهتهم المستقبلية مع أمريكا وليس سواها، مضيفا بالقول: “إن بلادي ستكون حليفا أساسيا للقارة الإفريقية خلال السنوات المقبلة”.

كان بايدن يخاطب، الأربعاء، القمة الأمريكية– الإفريقية في يومها الثاني معتبرا أن إقامة “شراكة” كبيرة مع إفريقيا هي “مفتاح النجاح للعالم”، وأن بلاده يمكن أن تكون حافزا حاسما للقارة الإفريقية المتنامية في السنوات المقبلة.

كلمات بايدن المشبعة بالإغراء حينا وبالتخويف حينا آخر- بالطبع- ليست وحدها ما يختمر في رؤوس القادة الأفارقة، الذين أووا إلى واشنطن، فمن قبل شدوا رحالهم إلى سوتشي الروسية في حين تراودهم بكين وتمنيهم بمستقبل أكثر ازدهارا. فكيف باتت إفريقيا على مرمى نيران القوى العظمى وإغراءاتها؟

أجندة محورية

ما بين قضايا البيئة والصحة والأمن الغذائي وتغير المناخ، والحروب الأهلية والتكنلوجيا وحتى استكشاف الفضاء الخارجي، تراوحت أجندة القمة الأمريكية- الإفريقية، التي انطلقت منذ الثلاثاء في واشنطن، بمشاركة 49 من القادة والزعماء الأفارقة مع قادة الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن، في محاولة من الأخير لإعادة رتق فتق العلاقات الذي أحدثه سلفه دونالد ترامب بين القارة السمراء وبلاد العم سام.

قد لا يختلف اثنان في منطق أن الأجندة أعلاه، محورية بالنسبة للقارة السمراء واحتياجاتها، غير أن ما هو أكثر منطقا أن القمة لا تخرج– بحال- عن دائرة التنافس المحموم بين الولايات المتحدة مع الصين على القارة الإفريقية، حيث تسعى الأخيرة لتوسيع نفوذها وتجارتها منذ سنوات في ظل تراجع أمريكي.

يبدو ذلك واضحا بتحذير مباشر أطلقه وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن للقادة الأفارقة، من أن نفوذ الصين وروسيا يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار. جاء التحذير خلال اجتماع في مستهل القمة الأمريكية الأفريقية، الثلاثاء.

إصلاح العلاقات

القمة الأمريكية الإفريقية

تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير الأربعاء، على موقعها الإلكتروني، إن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى إلى إصلاح العلاقات مع الدول الأفريقية بعد أن تجاهلها الرئيس السابق دونالد ترامب إلى حد كبير واستخفافه ببعضها خلال اجتماع بالبيت الأبيض في عام 2018.

وأضافت الصحيفة أن قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، هي الأولى التي تعقد منذ عام 2014، وتناولت في يومها الأول مواضيع مهمة تتعلق بالبيئة والصحة والحكم الديمقراطي والأمن، والتنمية والتجارة.

قلق امريكي

غير أن الصحيفة الأمريكية أشارت إلى قلق المسؤولين الأمريكيين إزاء النفوذ الصيني والروسي في القارة الإفريقية، فضلا عن حالة عدم الاستقرار الناجمة عن المجاعة والتغير المناخي والأوبئة والحروب.

أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرش

القادة الأفارقة مع رغبتهم الملحة في مناقشة قضايا جوهرية بالنسبة لشعوبهم مثل الصحة والبيئة والأمن، وحتى قضايا الفضاء، حيث شاركوا في منتدى حول الفضاء الخارجي على هامش القمة، ووقعت نيجيريا ورواندا كأول دولتين في أفريقيا على اتفاقيات أرتميس، التي تهدف إلى وضع مبادئ توجيهية لاستكشاف الفضاء، مع كل ذلك، يشوب القادة الأفارقة عدم الثقة إزاء القوى الاستعمارية.

ت ثخذ ضظغ

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن رئيس بوتسوانا، موكجويتسي ماسيسي، قوله “إن العديد من الدول الأفريقية تتوخى الحذر حيال نوايا القوى العظمى في العالم وسعت إلى ممارسة نوع من السلطة تجاه سياسات تلك الدول الكبرى.”

وأضاف ماسيسي: “العالم لم يكن لطيفا للغاية تجاه إفريقيا، يبدو الأمر كما لو أن استثناء واستعمار إفريقيا قد اتخذ شكلا جديدا دون المسمى الاستعماري، ولكن هو نوع من الغزو، ونحن نحاول الابتعاد عن ذلك والانخراط حتى يعملوا معنا وليس علينا ومن خلالنا أيضا”.

التزام ولكن..

قبيل انطلاق جلساتها قال الرئيس بايدن- بحسب بيان من البيت الأبيض- إن القمة تظهر التزام الولايات المتحدة تجاه إفريقيا، وتؤكد على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة.

كما أنها تساعد في تعزيز المشاركة الاقتصادية الجديدة، والالتزام المشترك تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، بجانب المساهمة في إدارة آثار فيروس كورونا والأوبئة المستقبلية، وتعزيز السلام والأمن، والاستجابة للتغير المناخي، وتعزيز الصحة الإقليمية والعالمية، ودعم الأمن الغذائي، وفقا لبايدن.

القادة الافارقة

إن إفريقيا هي القارة الأسرع نموا في العالم. إن عدد سكان القارة بحلول سنة 2030 سيبلغ 1.7 مليار نسمة، وهي موطن لخمس سكان العالم. كما أن القارة شابة ومتصلة وحضرية على نحو متزايد. وهناك طلب متزايد على الغذاء والرعاية الصحية، وكذلك التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية”، قالت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، أمام منتدى استثماري قبل انطلاق القمة، وهي محاولة لحث القادة الأفارقة على الحضور إلى واشنطن من أجل القمة.

 وأضافت “تلتزم الولايات المتحدة بجلب جميع الأدوات المتاحة لنا، بما في ذلك تمويل التنمية والمنح والمساعدات الفنية، وكذلك دعم الإصلاحات القانونية والتنظيمية، وكل ذلك لمساعدة شركائنا الأفارقة على الازدهار”.

السودان منبوذا

وجهت الإدارة الأمريكية، بقيادة بايدن، الدعوة إلى 49 زعيما وقائدا إفريقيا، من دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، لكن الدعوة تجاوزت أربع دول، بوركينا فاسو، غينيا ومالي والسودان، ومع أن الأخير يكابد من أجل إرساء دعائم الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة إلا أن تعليق عضويته من قبل الاتحاد الإفريقي بسبب انقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أطاح به إلى خارج القمة الأمريكية- الإفريقية على أهميتها.

تقف القارة السمراء منذ عقود في مرمى نيران تنافس غير مسبوق لقوى العظمى– أمريكا، روسيا والصين- ورغم التقدم الذي أحرزته الصين في القارة الإفريقية خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن واشطن حاليا أمام فرصة وفرتها الحرب الروسية على أوكرانيا، وفقا لمحللين أمريكيين يرون أن واشنطن تسارع الخطى لاستغلال انشغال موسكو بالحرب للتوغل أكثر فأكثر في إفريقيا، ومع ذلك، فإن روسيا أكثر انتباها وعلى استعداد لخوض معركة التنافس في إفريقيا.

منطق التفوق

ترى موسكو بأن لديها ما يجعلها تتفوق على واشنطن في هذا الصراع، ففي الـ30 من نوفمبر الماضي، قال سفير المهام الخاصة بوزارة الخارجية الروسية، رئيس الأمانة العامة لمنتدى الشراكة الروسية- الأفريقية، أوليغ أوزيروف، “إن الولايات المتحدة تحاول التنافس مع روسيا في عقد قمم بمشاركة زعماء أفريقيا، لكن موسكو لديها ميزات عديدة”.

وأضاف أوزيروف، خلال مؤتمر “الجوانب العملية للتعاون مع الدول الأفريقية في الظروف الجديدة”، استعدادا للقمة الثانية والمنتدى الاقتصادي الروسي– الأفريقي المزمع عقده في سان بطرسبرغ في يوليو 2023م قائلا:  “الآن، في الفترة من 12 إلى 15 ديسمبر، ستعقد القمة الأمريكية الأفريقية في واشنطن، حيث يحاول الأمريكيون بوضوح تجاوز قمة سوتشي، لكن من الواضح أنهم سيكونون في نوع من المنافسة معنا. والآن لديهم 44 رئيس دولة وافقوا على الحضور. وفي المجموع، سيكون لديهم 49 مشاركا”. وأضاف “اسمحوا لي أن أذكركم بأن قمتنا (القمة الأولى بين روسيا وأفريقيا في سوتشي في عام 2019) حضرتها جميع دول القارة، 54 من 55 عضوا في الاتحاد الأفريقي”.

وبالفعل، استضاف منتجع سوتشي الروسي في أكتوبر 2019، قمة “روسيا- أفريقيا” برئاسة مشتركة للرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والمصري عبد الفتاح السيسي، رئيس الاتحاد الأفريقي (حينها). كما استضاف المنتجع أيضا المنتدى “الروسي الأفريقي”، في حين قال الرئيس فلاديمير بوتين، “إن التعاون مع الدول الأفريقية استراتيجي وطويل الأجل، وأن تنمية العلاقات مع دول القارة ومنظماتها الإقليمية، إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية”.

سباق نحو افريقيا

وفقا لمقررات قمة سوتشي ترتب روسيا لعقد القمة المقبلة في إحدى الدول الإفريقية حسب ما أعلن وزير خارجيتها سيرجي لافروف في يوليو الماضي، الذي يخطط لإجراء رحلتين إلى إفريقيا في الفترة من يناير أو فبراير المقبلين، ومن المقرر أن تشمل زيارة ثماني دول، بحسب موسكو.

قمة سوتشي

نقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قوله “إن روسيا تسعى إلى عقد قمة ثنائية روسية- إفريقية، وأن جميع اتصالات موسكو في هذا الصدد تركز على التحضير لهذه القمة بأكبر قدر ممكن من الفعالية”.

وقال السفير المتجول بوزارة الخارجية الروسية، أوليغ أوزيروف “إن برنامج القمة الروسية- الأفريقية الثانية، المقرر عقدها في يوليو 2023، سيكون أكثر شمولا من القمة الأولى، وسيشمل كتلة من التعاون الإنساني.”

وأضاف “لقد أرسلنا دعوات لجميع المشاركين، لكن المهمة الرئيسة هي الوصول إلى قمة مثمرة، وبالطبع نتطلع إلى مشاركة تمثيلية للوفود الأفريقية على أعلى المستويات”.

لكن الولايات المتحدة سعت جاهدة عبر قمة واشنطن لاستمالة القادة الأفارقة؛ فقد تعهدت بتخصيص 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى ثلاث سنوات، بحسب البيت الأبيض.

وكذلك، أعلنت إدارة بايدن الثلاثاء منح 4 مليارات دولار بحلول عام 2025 للتوظيف وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية في أفريقيا، لاستخلاص العبر من أزمة وباء كوفيد-19.

التجارة ليس الا

في أغسطس الماضي، أطلقت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء وحذرت فيها من أن الصين التي ضخت مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة الإفريقية والبنية التحتية والمشاريع الأخرى، ترى المنطقة كساحة تستطيع من خلالها تحدي النظام الدولي القائم على القواعد، وتعزيز مصالحها الجيوسياسية والتجارية الضيقة، وتقويض الشفافية والانفتاح.

ووفقا لمحللين أمريكيين ترى الإدارة الأمريكية أيضا أن روسيا، تاجرة الأسلحة البارزة في إفريقيا، يمكن أن تعمل على عدم الاستقرار من أجل مصالحهم المالية والاستراتيجية في القارة السمراء.

مع ذلك، أكد مسؤولو البيت الأبيض أن المخاوف بشأن نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا لن تكون محور محادثات القمة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *