قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إن جهود الغرب “لعزل” بلاده فشلت تماماً، وإن موسكو تبني علاقات أقوى مع دول في أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادي، إلى جانب بلدان أخرى.
تصريحات الوزير الروسي جاءت بعد عودته من الخرطوم، التي زارها في ختام جولة شملت مالي وموريتانيا والعراق، وكان قد زار أيضاً مؤخراً، جنوب أفريقيا وأنجولا وإريتريا.
وقال لافروف لدبلوماسيين روس في موسكو الجمعة الماضية، “اليوم يمكننا أن نؤكد أن خطط الغرب لعزل روسيا من خلال فرض حصار علينا أخفقت تماما”.
وأضاف “على الرغم من المخططات المعادية لروسيا التي وضعتها واشنطن ولندن وبروكسل، فإننا نعزز علاقات حسن الجوار بالمعنى الواسع لهذا المفهوم مع أغلبية الدول”.
ووصلت العلاقات بين روسيا ودول الغرب حد المواجهة، بعد أن غزت روسيا أوكرانيا المجاورة، العام الماضي ، فيما امتدت المواجهة بين موسكو والغرب إلى مناطق أخرى حول العالم بينها إفريقيا.
وتخشى الولايات المتحدة َوحلفائها، من صعود النفوذ الروسي في القارة، وعلى الأخص دول غرب أفريقيا، بعد تضعضع التواجد الفرنسي التاريخي في بلدانها.
تزامنت زيارة لافروف إلى الخرطوم، مع وصول 6 مبعوثون غربيين بهدف دعم الإتفاق الإطاري بين قادة إنقلاب 25 اكتوبر في السودان، وقوى سياسية بينها تحالف الحرية والتغيير، وحث الأطراف على سرعة تشكيل حكومة جديدة.
أما الضيف الروسي فقد بحث مع الحكومة التي يقودها الجنرالات تعزيز العلاقات المشتركة وبحث مستقبل الاتفاقيات الموقعة سابقاً، وابرزها مشروع انشاء قاعدة عسكرية بحرية في السودان.
وبدا إن تلك الزيارة كانت ثقيلة على القوى التي تدعم الإتفاق الإطاري، بسبب الدعم الروسي الثابت للجنرالات في مواجهة الشارع السوداني الذي يطالب بانتقال ديمقراطي، وموقفها من مسألة التدخل في شؤون السودان عبر الآليات الإقليمية والدولية، فقد حث لافروف السودانيين على حل مشاكلهم بأنفسهم، ولوح لامكانية ان تدعمهم روسيا في مجلس الأمن.
وغير بعيد عن ذلك تحدث الضيف عن مساعي بلاده لخلق عالم متعدد الأقطاب، والعمل علي خلق امم متحدة تتساوى فيها جميع الدول بشكل تام.
وناقشت الزيارة دعم التعاون وتأمينه فى مجال عمل الشركات الروسية التي تعمل في مجال التعدين، وطبيعة عمل الشركات الروسية الخاصة (فاغنر) بسبب انتشار العصابات الإرهابية في عدة بلدان من بينها أفريقيا الوسطى، باتفاق مع حكوماتها.
وتُحظى مسألة تواجد فاغنر في السودان، بجانب جيرانه، إفريقيا الوسطى وليبيا، باهتمام امريكي كبير، وصل حد حث تلك الدول على ابعادها فوراً.
وكان مدير المخابرات الأمريكية قد زار الشهر الماضي دولا في الجوار، من بينها ليبيا، لبحث نشاط فاغنر، وصرح لاحقاً في واشنطون بأنه بحث فعلاً هذا الملف مع الليبيين.
وأكدت دوائر في السياسة الأمريكية حينها، أن تحركات وليام بيرنز، تاني ضمن توجهات رسمية بملاحقة الشركات الأمنية الروسية خارج الصراع داخل أوكرانيا، بمعنى انها ستعمل على محاصرة نشاطها في كل مكان.
ويحضر هنا، تعليق للافروف حول تزامن زيارته للسودان مع زيارة 6 مبعوثين غربيين، إذ قال: «هذه الوفود تُتابع خطواتنا وتذهب أينما ذهبنا؛ لتعرقل علاقاتنا وجهودنا وسعينا من أجل عالم متعدد الأقطاب»
في الخرطوم المضطربة هذه الأيام بسبب تعثر عملية استعادة المسار الديمقراطي وابعاد العسكريين الذين يسدونه، اصبحت التدخلات الغربية الداعمة للمسار الديمقراطي مكان ترحيب كبير، بعد التدخلات الروسية السالبة، التي بدا أنها فشلت في تحقيق أهدافها حاليا، بعد الوصول لإعلان سياسي جديد بين المدنيين والعسكريين بفضل الحضور الغربي.
لكن تصريحات لافروف في موسكو، تثير مخاوف أيضاً لدى دوائر سياسية ودبلوماسية في الخرطوم من مغبة ان تصبح البلاد ساحة ثانية للصراع الروسي الأمريكي حتى لو تشكلت حكومة مدنية، بما يقوض تطلعات مواطنيها.
وما يدعم هذه المخاوف تجذر العلاقه بين الجنرالات وروسيا، وتشابك المصالح العسكرية والاقتصادية، التي ترسخت على مدى سنوات الحصار الأمريكي على النظام البائد، وسنوات ما بعد سقوطه.
الشاهد ان الساعات الماضية حملت تسريبات عن تفاهمات جرت بين روسيا والجنرالات، على قضايا ذات إهتمام مشترك مثل القاعدة العسكرية في البحر الأحمر والتي تنتظر موافقة برلمانية، وملفات ذات طبيعة عسكرية أيضا تتصل بالجيش وتسليحه الروسي.
واستنادا على جذور العلاقة المتشابكة بين موسكو والجنرالات، والسيطرة الحاسمة على ملف العلاقات الخارجية حالياً، وفرص التأثير عليه مستقبلاً من خلال الحاضنة الجديدة المتعددة التوجهات لمؤسسات الحكومة المنتظرة، لا يُستبعد تعزيز العلاقات مع موسكو عسكرياً، على الاقل لحد يثير توتر واشنطن أكثر، لأن الفشل في الخرطوم، يعني أن جهود محاصرة النفوذ الروسي ستفشل غالبا في دول الجوار.