يواجه السودان أوضاعا سياسية مرتبكة للغاية جره إليها الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش في 25 أكتوبر من العام قبل الماضي، وحتى الآن قد يبلغ أو لا يبلغ فترة انتقالية جديدة برعاية دولية وإقليمية، مطلوب من هذه الفترة أن تضع البلاد في مسار ديمقراطي انتقالي.
وإذا قدر للسودان أن يبلغ هذا المسار فمن المؤكد أنه سيبلغه بمؤسسات صحفية هي الأضعف و”غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه أجور العاملين… ومهددة بالتوقف عن الصدور”، طبقا لما قاله الصحفي عبد الله رزق وهو يتحدث عن الأجور في ورشة لنقابة الصحفيين السودانيين.
وكانت كلمات رزق موحية للعشرات من الصحفيين الذين حضروا في دار النقابة ليخرجوا هواء ساخنا ومخيفا حول مستقبل هذه المهنة في البلاد. ويقول الصحفي راشد عبد الوهاب إنه “لا يمانع أن تغلق المؤسسات الصحفية أبوابها” طالما أنها ضعيفة وغير ملتزمة بالأجور العادلة للصحفيين. وتشير التحليلات الأولية إلى أن متوسط الأجور للصحفيين في السودان لا يتجاوز 27 ألف جنيه في الشهر (45 دولار)، ما خلق واقعا سيئا يدفع لانتهاك أخلاقيات المهنة.
وفي هذا الخضم من تراجع أجور الصحفيين، كانت المواقع الإلكترونية الإخبارية مجهولة المصدر والتمويل تحقق وجودها، إذ ساهمت في صناعة الكثير من الأخبار الزائفة والمضللة التي ساعدت على وضع العراقيل في طريق انتصار الديمقراطية والتحول المدني الديمقراطي. وبلغت المواقع الإلكترونية في العام 2020 نحو 41 موقعا إلكترونيا، ظهرت 30 منها بعد الانتصار الأولي لثورة ديسمبر، ونشأت على النسق الذي تنشأ عليه الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا فيس بوك.
يترافق نقاش مشكلة أجور الصحفيين في السودان مع إضرابات عن العمل في غالبية القطاعات، وتتمحور حول زيادة الحد الأدنى للأجور، مثل قطاع المعلمين وأساتذة الجامعات وقطاع الإرصاد الجوي وموظفين في أجهزه الدولة المختلفة، وتتراوح مطالب الحد الأدنى للأجور بين 60 ألف جنيه للمعلم (100 دولار)، و550 ألف جنيه للأستاذ الجامعي (917 دولار).
وفي الواقع، فإن الصحافة السودانية التي بدأت قبل أكثر من قرن (1903)، تواجه واقعا مريرا هو ثمرة لثلاثة عقود من انعدام الحرية والكبت والتلاعب السياسي بالمؤسسات الصحفية، وحتى اليوم توقفت 10 صحف ورقية عن الصدور، ولا تعمل سوى 6 صحف فقط لتغطي حاجة 42 مليون نسمة، ويتوقع رزق ألا يطول استمرار صدورها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة خلفها الانقلاب.
ومنذ أول أيام انقلاب الجبهة الإسلامية (الإنقاذ 1989) تم سحب تراخيص جميع الصحف الصادرة وقتها، ولم تنشأ سوى ثلاث صحف فقط لتعبر عن وجهة نظر الانقلاب، ثم توالى صدور الصحف رويدا رويدا لكن بشروط الانقلاب وبواسطة ناشرين على صلة، مباشرة أو غير مباشرة، بالنظام.
وقبل سنوات، أنجز الباحث، زهير عبد الكبير، رسالة أكاديمية خصصها للبحث في (الأوضاع الإدارية للصحف) وخلص فيها إلى أن الصحف السودانية التي نشأت خلال الثلاثين سنة الماضية نشأت كاستثمارات لأفراد، وينعدم فيها الهيكل والتراتبية الإدارية، ما يعني أن “حكومة الإنقاذ طوّرت، خلال العقود الثلاثة الماضية، تقنيات متقدمة من الضبط والسيطرة على صناعة الصحافة ووضعها في خدمة النظام، بشكل استحال معه، إلى حد بعيد، وجود صحافة مستقلة” كما يؤكد رزق.
رئيس هيئة تحرير صحيفة الحداثة