قبل ساعات من موعد إغلاق شرق السودان ليوم واحد، التي يتبناها المجلس الأهلي الذي يقوده الناظر محمد الأمين ترك، تبدو الصورة في الإقليم مختلفة تماما عن سابقتها إبان الإغلاق الأول، حيث تتزايد أصوات الرفض وتعلو تحذيرات بالمقاومة.
وكان المجلس الاهلي الذي يقوده الناظر محمد الأمين ترك أعلن إغلاق شرق البلاد يوم غد السبت، بالتزامن مع الموعد المعلن لتوقيع الاتفاق السياسي النهائى بين قادة انقلاب 25 أكتوبر وتحالف الموقعون على الاتفاق من القوى المدنية التي يتقدمها تحالف الحرية والتغيير.
ووسط شكوك عديدة في سلامة التوجه ومدى اتصاله بقضية الإقليم، تعلن أطراف مختلفة في الشرق رفضها لهذا المخطط، وتحذر من مقاومته، فيما يشدد ترك على أن العملية السياسية الجارية لا يمكن أن تمضي دون حل قضايا شرق السودان.
مساعي الإغلاق تواجه هذه المرة رفضا واسعا من كيانات وكتل سياسية ونقابية وقيادات محلية، تخشى من تأثيرها على استمرار وجود وعمل ميناء بورتسودان الذي يعتمد عليه الأهالي في كسب عيشهم.
وبجانب ذلك، فشل ترك والمجلس الذي يقوده منذ شهور في تقديم طرح نزيه ومتوازن لقضايا الإقليم، بينما أكدت الأحداث منذ الإغلاق السابق، استخدام القضية العادلة في صراعات السلطة بين قادة الانقلاب من جهة، وبين قادة الانقلاب والقوى السياسية في الخرطوم من جهة ثانية.
ترك ومجلسه الذي يتكون من إدارات أهلية يحتج على عدم السماح بمشاركتهم في الاتفاق السياسي، الذي سيفضي إلى تشكيل حكومة جديدة وبدء مرحلة انتقالية ثانية، من المقرر أن تمتد لعامين.
وسبق لهذا المجلس أن أغلق شرق السودان في سبتمبر من قبل عامين وطالب بإسقاط الحكومة الانتقالية التي كان يقودها الدكتور عبدالله حمدوك، ما فتح الباب أمام انقلاب 25 أكتوبر في البلاد، لكنه عاد وتقارب مع قادة (مسار الشرق) الذي كان يعارض توقيعه.
وقبل خطوة الإغلاق الأول، عقد المجلس مؤتمرا في سنكات بولاية البحر الأحمر (2020)، حضر جلسته الختامية قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
وشملت توصياته المطالبة بإقليم موحد لولايات شرق السودان الثلاثة وفق الحدود الجغرافية التاريخية، وتكوين تنسيقية عليا مشتركة بين كافة مكونات الإقليم علاوة على رفض التدخلات الخارجية والتغول على السيادة الوطنية.
الخطوة الجديدة، كما يتضح تتم في إطار خطة أكبر يتبناها (تحالف الكتلة الديمقراطية) ضد الاتفاق الذي يمضي بدونه، وبهدف إسقاط الحكومة الجديدة عبر تصعيد يشمل الشرق ضمن مناطق أخرى من بينها العاصمة الخرطوم. لكن الشكوك حول نجاعتها تتزايد بفعل متغيرات عديدة شهدها الإقليم خلال الفترة الماضية.
أبرز التطورات على ساحة الإقليم كانت انقسام المجلس الذي يقوده ترك، على وقع التقارب بينه وبين قادة مسار الشرق، وتنصله عن أغلب مقرارات مؤتمر سنكات، التي تؤسس بموجبه المجلس.
ويتكون الفصيل المنشق من قيادات مؤثرة في المجتمع المحلي، استنادا على المواقع التي كانت تشغلها في حكومات النظام البائد، ومثل إعلانها أمس الأول عن رفض الإغلاق تحديا حقيقا للقرار المعلن بالإغلاق.
وكان لافتا تعهد المجلس الأعلى للإدارات الأهلية بشرق السودان، بعدم السماح بتمرير أجندة سياسية تهدف لإغلاق شرق السودان والميناء.
وتأكيده أيضا على أن أي تحركات تستهدف الإغلاق سيقفون لها بالمرصاد، ولن يسمحوا بصعود الأجندة السياسية لتقوية موقف جهة ضد أخرى.
ويدعم هذا المجلس العملية السياسية بعد أن شارك في ورشة خصصت لشرق السودان، من بين خمس ورش تقرر أن تصبح توصياتها بروتكولات ملحقة بالاتفاق النهائي.
وفي ذات الإتجاه أعلن تحالف أحزاب مؤتمر البجا عن رفضه القاطع لإغلاق الشرق بفرية مصلحة إنسانه، بعد أن أوضحت التجربة “زيف الشعارات ومسببات الصراع في أصلها وخوض صراعات بالوكالة و إنابة عن الغير”.
وأكد بيان صدر أمس عن التحالف دعمه الجاد للعملية السياسية الجارية الآن.
وأضاف: “نؤكد على سعينا للوصول مع القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري لصيغة توافقيه بأسرع ما يمكن”.
وتضمن البروتوكول الخاص بالشرق تنفيذ المسار الذي كان يعترض عليه الناظر ترك، بجانب دعوة الحكومة المرتقبة لعقد مؤتمر يناقش قضايا الإقليم بمشاركة كل الأطراف.
لكن يشارك ترك الاعتراض على الاتفاق السياسي، قوي أهلية ومدنية تبنت مقترح عقد منبر خاص بالإقليم مع دمج المسار.
وأمس أعلنت تنسيقية شرق السودان دعمها الإغلاق، ورفضها تغييب الإقليم عن المشاركة في وضع أسس المرحلة المقبلة، وتضم التنسيقية قيادات أهلية وأحزاب سياسية.
ورغم ردود الأفعال الكثيرة على قرار الإغلاق وتعدد الأطراف المؤيدة والمعارضة، فإن صوت الرفض الأعلى يصدر عن مجتمع المدينة الساحلية بورتسودان، الذي تضرر كثيرا من الإغلاق السابق، ويحاول حتى الآن تجاوز تداعياته على عمل الميناء الرئيس في البلاد، والذي يعد أبرز مصادر دخلها.