تفتح الخرطوم، مرغمة، اليوم الأربعاء صدرها لاحتضان 6 مبعوثين من الدول الغربية، بجانب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في زيارة أعلن عن أنها تأتي من المبعوثين لتأكيد دعم الانتقالي السوداني للحكم الديمقراطي، ومن الوزير الروسي بهدف تطوير العلاقات، لكنها في الواقع تشكل أوج التنافس الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا) والشرقي (روسيا والصين) معا لخطب ود القارة العذراء النابض بالموارد والحياة والمستقبل.
تضم قائمة المبعوثين الدوليين كل من الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي، آنيت ويبر، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، بيتر لورد، المبعوث الخاص للمملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويذر، المبعوث الفرنسي الخاص للقرن الأفريقي، فريديريك كلافيه، رئيس شعبة القرن الأفريقي في الخارجية الألمانية، تورستن هوتر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان، جون أنطون جونسون.
بجانب مهمة دعم واسناد الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد، يحاول المبعوثون الغربيون تطويق وتحجيم النفوذ الروسي في السودان، فروسيا وقفت مساندة وداعمة منذ الوهلة الأولي لانقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه قادة الجيش وأطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، بينما رفضت الدول الأوروبية الانقلاب وأدانته، وتدفع الآن في اتجاه إنهائه واستعادة التحول المدني الديمقراطي.
في زيارته الرابعة لأفريقيا خلال 6 أشهر، وصل وزير الخارجية الروسي، سيرجيي لافروف صباح الثلاثاء، إلى مالي، في مستهل جولة إفريقية تشمل موريتانيا والسودان، بعد زيارة إلى العراق الإثنين. زيارة لافروف إلى الخرطوم هي محاولة بينة لاقتفاء أثر النفوذ الأمريكي المتقدم في السودان عبر بوابتي واشنطن وتل أبيب، التي أنهى وزير خارجيتها إيلي كوهين، الخميس الماضي، زيارة مفاجأة إلى الخرطوم عاد منها مبشرا باتفاق سلام تاريخي مع السودان قائلا: “نعود من الخرطوم بنعم 3 مرات، للسلام وللمفاوضات وللاعتراف بإسرائيل”.
صراع النفوذ الأمريكي –الروسي في إفريقيا يتجلى في أبهى صوره الآن في السودان، بعد تراجع المد الصيني بسقوط نظام البشير المباد، ويشكل السودان (الكرت) الرابح لهذا الصراع في افريقيا، نظرا لموارده وموقعه إذ يمثل بوابة لدول غرب إفريقيا على البحر الأحمر.
في باماكو عاصمة مالي أجرى لافروف الثلاثاء، مباحثات، مع نظيره وزير الخارجية عبد الله ديوب، ورئيس المجلس العسكري الانتقالي، الكولونيل أسيمي غويتا، وعد خلالها بدعم ومساهمة أكبر من موسكو في إفريقيا التي تواجه “نهج استعماري جديد من الغرب”، بحد تعبيره.
أشاد لافروف بالتحالف الجديد بين مالي وروسيا ووصف الطرفان الزيارة بأنها سابقة “تاريخية” من قبل وزير خارجية روسي، الذي قال خلال مؤتمر صحفي “سنقدم لهم مساعدتنا للتغلب على الصعوبات. وهذا يشمل غينيا وبوركينا فاسو وتشاد وبصفة عامة منطقة الساحل وحتى الدول المطلة على خليج غينيا”.
فيما قالت الخارجية المالية، “إن الزيارة تكرس الإرادة الصلبة لأسيمي غويتا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبث دينامية جديدة في التعاون في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد”.
بنهاية عام 2021، وطدت روسيا نفوذها في غرب إفريقيا التي شهدت موجة رفض عارمة للقوات والاستعمار الفرنسي، وذلك، بتسليم أسلحة وإرسال مئات الجنود وكذلك مرتزقة مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة لتدريب القوات ومساعدتها في عدد من دول غرب افريقيا، وأيضا في السودان، حيث تولت مهام تدريبية وكذلك قدمت مساعدات تقنية للقوات الأمنية السودانية، وذكر تقرير سنوي صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) عام 2020 أن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18% من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2020.
لافروف وعد بصورة واضحة، بتعزيز التزام روسيا في إفريقيا في مواجهة حملة دبلوماسية وضغوط تقودها الولايات المتحدة وأوروبا في القارة لتحجيم الدور الروسي، وقال “سنقدم دعمنا لحل مشاكل القارة الافريقية وننطلق دائما من المبدأ القائل أنه يجب معالجة المشاكل الافريقية بحلول افريقية”. مشيرا أن سلوك الغربيين في إفريقيا هو نفسه “في كل مكان في العالم” حتى في أوروبا حيث جعلوا أوكرانيا “رأس حربة” لشن “حرب هجينة” على روسيا، معتبرا الانتقادات الموجهة للتحالفات الجديدة بين روسيا وبعض دول القارة تعكس نهج الغربيين الاستعماري الجديد.
تجنح روسا إلى الدعم الأمني والعسكري في علاقاتها مع إفريقيا ما يشجع على استمرار الانقلاب العسكري في القارة التي شهدت مؤخرا انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، وبالتالي فإن التقارب الروسي مع إفريقيا يثير قلق الغربيين، الذين يعملون من أجل ارساء الديمقراطية والحكم المدني في القارة السمراء.
في يناير الماضي، وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إريتريا، خلال جولة إفريقية قادته إلى كل من أنغولا وإسواتيني وجنوب أفريقيا، تزامنت مع جولة لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، وتأتي بعد شهر من استضافة الرئيس الأميركي جو بايدن 53 من قادة القارة السمراء في قمة بواشنطن، وهدفت جولة لافروف لتعزيز العلاقات بين موسكو ودول القارة الأفريقية والتحضير لقمة ستعقد في جنوب إفريقيا في أغسطس المقبل.
بالمقابل، أنهى وزير الخارجية الأمريكي، انطونيو بلينكن، في أغسطس الماضي، جولة إفريقية هي الثانية له بإفريقيا جنوب الصحراء منذ توليه المنصب، شملت جنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية ورواندا، وكان قد زار كينيا ونيجيريا والسنغال من قبل.
لدى مخاطبته نحو 50 من القادة الافارقة في واشنطن، خلال القمة القمة الأمريكية– الإفريقية منتصف ديسمبر الماضي، قال الرئيس الأمريكي “إن بلادي ستكون حليفا أساسيا للقارة الإفريقية خلال السنوات المقبلة”، فيما أطلقوزير دفاعه لويد أوستن، تحذيرا صريحا للقادة الأفارقة، من أن نفوذ الصين وروسيا يمكن أن يكون مزعزعا لاستقرار قارتهم.
في تلك القمة، وجهت الإدارة الأمريكية، بقيادة بايدن، الدعوة إلى 49 زعيما وقائدا إفريقيا، من دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، لكنها استبعدت السودان، بجانب بوركينا فاسو، وغينيا ومالي بسبب انقلاب 25 أكتوبر. في العام الماضي، كثف مسؤولون أوروبيون من لقاءاتهما مع قادة الحكم العسكري، لاقناعهم بالعودة لمسار الانتقال المدني، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، واليوم يحل نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، بيتر لورد، مع فريق المبعوثين الدوليينن في محاولة لإعادة وضع الحصان أمام العربة في السودان، واستعادة زمام الديمقراطية ما يمكن من قيادته بعدا عن النفوذ الروسي الداعم للشارات العسكرية، فهل ينجح الفريق الدولي، في تسديد كرة العملية السياسية في السودان في مرمى العسكريين؟