في الخرطوم. تقف (العملية السياسية) الآن في “عنق الزجاجة”، بحد توصيف القيادي في ائتلاف قوى الحرية والتغيير– المجلس المركزي، ياسر عرمان. ومع أن عرمان أضاف مستدركا بأن ما قصده بـ”عنق الزجاجة” هو مجرد تشبيه، مثل الحد الفاصل بين نهاية الليل وأول الصباح، حيث يكون الظلام دامسا، وأن العملية تمضي باتجاه اتفاق نهائي سيتم رغم المماحكات من جهات كثيرة. لكن في كل الأحوال، يبقى ذلك العنق هو أدق توصيف لعملية التسوية الجارية، لماذا؟
مصطلح “عنق الزجاة”، يستخدم كناية عن حدوث أزمة ووجودها في منفذ ضيق، والمقصود به أيضا الوصول إلى نقطة اختناق في خط الإنتاج عندما يزداد العمل بسرعة لا تستطيع عملية الإنتاج مجاراتها، ما يؤدي إلى حدوث تأخير في الإنتاج وزيادة تكلفته، وبالحالتين فإن العملية السياسية المستندة على الاتفاق السياسي الغطاري الموقع بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري في الخامس من ديسمبر الماضي، تقف الآن في “عنق الزجاجة”.
بعد أكثر من شهرين على الاتفاق الإطاري، بالفعل باتت العملية السيساية على وشك الوصول لاتفاق نهائي، يجعل الحكم في أيدي المدنيين، ويعزز العلاقة مع العسكريين، بحسب ياسر عرمان في مؤتمر صحفي الأربعاء، لكن هذه النقطة النهائية لا تزال أمامها تحديات عصية.
يعدد عرمان نفسه بعض هذه التحديات قائلا: “نحن على وشك الوصول إلى الاتفاق النهائي، ولكن هناك كثير من الذين يضعون العصي في العجلة.. إنهم يعملون والانقلاب لم ينته بعد والهجوم على العملية السياسية ازداد من الفلول ومن غيرهم”.
خلال المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه بجانب ياسر عرمان، كل من طه عثمان، وجعفر حسن والواثق البرير، بدا أن الحرية والتغيير تقف عند موضع “ردة الفعل”، وليس “صناعة الفعل”، وهي واحدة من نقاط التحدي الرئيسة.
إن أطراف العملية تم تحديدهم وجرى توقيع اتفاق بذلك من قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، بجانب الحرية والتغيير، وذلك، ردا على ما قاله دقلو قبل أيام بوجود وثيقة موقعة وفي الأدراج، وأعقب ذلك، أنباء عن وثيقة أخرى للاتفاق الإطاري تحت الأدارج.
أنه لا يوجد اتفاق سياسي جديد مع قوى الكفاح المسلح المنضوية تحت الكتلة الديمقراطية من حيث الموضوع والمستوى، ومع ذلك، الكشف عن التوصل إلى إعلان سياسي كامل مع كل من رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وعضو الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، جعفر الميرغني، وهو في انتظار استكمال المشاورات لإكمال التوقيع، وأنه اتفاق “لا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء الاتفاق الإطاري الموقع”، كل ذلك ردا على أنباء تحدثت الأسبوع الماضي عن اتفاق سياسي جديد سيوقع مع القادة الثلاثة وشيكا.
أنه لا يوجد صراع بين الحرية والتغيير والدعم السريع من جهة والجيش من جهة أخرى، ردا على أنباء تحدثت عن صراع بين الجيش والدعم السريع، واتهام قوى الحرية والتغيير بالانحياز لموقف الأخير.
بخلاف ذلك، فإن أبرز التحديات أمام العملية السياسية الجارية هو رفض الشارع الذي تقوده لجان المقاومة وبعض القوى الثورية، بجانب رفض قوى الحرية والتغيير– التغيير الجذري وحزب البعث الأصل، للعملية ومقاومتهم لها بمواقف علنية، في ظل عدم وجود ضوء في آخر هذا النفق.
لفت ياسر عرمان، في المؤتمر الصحفي إلى هذه النقطة تحديدا، مقرا بأن الشارع هو الإسناد الحقيقي للعملية السياسية، وأن إنهاء الانقلاب لا يتم إلا عبر الحراك الشعبي وبالتالي دعا الشعب السوداني وقوى الثورة إلى الخروج في مواكب كبيرة؛ لأن ذلك هو مربط الفرس لنجاح الثورة، ومع أن عرمان أشار إلى ما قال إنه حوار يومي مع لجان المقاومة إلا أن عدم وجود آلية حقيقة وشفافية لهذا الحوار يجعل من العملية مجرد حديث منابر لا غير.
أبدى قادة الحرية والتغيير مخاوف حقيقية من محاولات يقودها فلول النظام المباد، وموالييهم لإفشال العملية السياسية، أو بالمقابل إغراقها بلفيف من كياناتهم وأحزابهم، لكن لم يطرح هؤلاء القادة رؤية واضحة لمقارعة هذه المحاولات.
وبالمحصلة فإن العملية السياسية تقف الآن في “عنق الزجاجة”، والخوف كله أن يؤدي هذا إلى حدوث تأخير في وضع النهاية المطلوبة وبالتالي زيادة التكلفة.