قال قائد انقلاب 25 أكتوبر، عبد الفتاح البرهان أمس الأول في (الزاكياب) شمال الخرطوم، إنهم يدعمون الاتفاق السياسي الإطاري الموقع مع المدنيين؛ لأنه يتضمن دمج (قوات الدعم السريع) في الجيش، وأن هذا هو الفيصل بينهم كعسكريين والحل السياسي الجاري الآن.
المعلوم أن الجيش الذي يقوده البرهان، كان قد وقع في 5 ديسمبر من العام المنصرم، على اتفاق إطاري مع تحالف قوى الحرية والتغيير وقوى سياسية ومدنية أخرى، في مستهل حوار يؤدي إلى اتفاق سياسي نهائي، يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة، على انقاض المرحلة الأولى التي قضى عليها الانقلاب.
ويؤكد اتفاق 5 ديسمبر على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي.
وتضمن بنداً بشأن وضع (قوات الدعم السريع)، ودمجها في القوات المسلحة، بجانب (حركات الكفاح المسلح)، ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد وفق الجداول الزمنية المتفق عليها.
ومن المقرر وفق نصوص الاتفاق، أن تشهد الأيام المقبلة عقد ورشة لمناقشة خطة الإصلاح الأمني والعسكري، بما يتضمن كيفية معالجة أوضاع (قوات الدعم السريع) والحركات التي تحمل السلاح، فهل تصريحات البرهان هذه استباقا لعمل الورشة وتوصياتها؟
الملاحظ أن البرهان ربط بين استمرار التزام العسكريين بالعملية السياسية كلها، وبين الاتفاق على كلام واضح ومنصف ومقنع عن الدمج، “دمج الدعم السريع والحركات المسلحة في القوات المسلحة”.
وقبل هذه التصريحات، انتشرت في الوسائط، تسريبات عن خطة لإعادة هيكلة القوات المسلحة تشمل (قوات الدعم السريع)، قيل إنها خلاصة ورشة لخبراء عسكريين، لكن تم نفيها من قبل الإعلام العسكري، وخرج بعدها إعلام (قوات الدعم السريع) ليحذر من تداول ما يتعتبره شائعات.
لكن هذه الشائعات التي تم نفيها رسميا، خرجت بعد أيام من خطاب ناري يهاجم الاتفاق الإطاري، ويطرق بشدة على وضعية (قوات الدعم السريع) وموقعها في التراتبية العسكرية، وكان صاحب الخطاب الفريق كباشي، العضو في المجلس الانقلابي.
ولا يغفل مراقبون تأثير الدعم الذي يظهره قائد (قوات الدعم السريع) للاتفاق مع المدنيين في قوى الحرية والتغيير، على العلاقة مع بقية قادة الانقلاب، مستعيدا صورة ذهنية زاهية كان قد بنتاها قوات الدعم السريع إبان انعقاد الاعتصام السلمي أمام مباني القيادة العامة 2019. وكذلك حديث قائد قوات الدعم السريع عن ضرورة تنظيف الجيش أولا من فلول النظام البائد، قبل مس وضعية قواته، وهذا ما يجد تأييدا كبيرا وسط هذه القوى التي لا تثق في البرهان.
واستنادا على هذه الحالة من عدم الثقة تظهر القوى المدنية قربها من قوات الدعم السريع، وعدم قلقها من وضعه الحالي على فرص نجاح العملية السياسية، وتعول على بند الإصلاح الأمني والعسكري المتفق عليه، دون تفصيل.
فبينما تنتظر القوى الموقعة على الاتفاق أن تتولى الحكومة الجديدة عملية الإصلاح الأمني والعسكري، وفق ما يتم الاتفاق عليه في الورشة، يرغب البرهان فيما يبدو أن تتم على أيديهم ووفق رؤيتهم، بداية بوضعية قوات الدعم السريع.
المؤشرات، ذات الصلة، تفيد بأن مصير الاتفاق النهائي مرهون بالوصول إلى اتفاق بين البرهان وجنرالاته، وبين الدعم السريع، على خطة الإصلاح الأمني والعسكري داخل الورشة المعنية أو خارجها ، والتي بدونها ستمضي الأوضاع إلى تعقيد آخر.
الشاهد أن التقلبات في العلاقات المتشابكة بين الجنرالات وقيادات الحرية والتغيير و(قوات الدعم السريع) طوال سنوات ما بعد سقوط النظام البائد، طالما شكلت مشهد البلاد وأثرت على أوضاع مواطنيها.
لكن الثابت بشأن هذا الاتفاق بالنسبة للمراقبين، هو أن عدم الوصول إلى صيغة واحدة بشأن كيفية الوصول لجيش واحد في ظل تعدد القوات، سيشكل خطرا على الاتفاق نفسه، بأكثر ما تشكله حالة الانقسام بشأنه في الشارع.