صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

من أحق بتكوين تنظيمات المزارعين وبأي قانون؟

شارك هذه الصفحة

جاء في أخبار الأيام الماضية خبر عن لقاء جمع محافظ مشروع الجزيرة، عمر مرزوق، ومسجل تنظيمات العمل لبحث تكوين تنظيمات جديدة للمزارعين.

التناقض: خصم وحكم؟

اللقاء يدفع إلى المقدمة بسؤال مركزي وهو: من الذي ينعقد له اختصاص تكوين تنظيم يدافع عن المزارعين، المزارع أم إدارة المشروع؟

للإجابة على السؤال المركزي المركب ينبغي، بداية؛ الإحاطة بشكل علاقة الإنتاج بمشروع الجزيرة، إذ أنه، وطبقا لعلاقة الإنتاج بين الحكومة والمزارعين، فحكومة السودان مخدم، والمزارع هو صاحب الحق في تكوين جسم نقابي أو مطلبي يدافع عنه. كان هذا هو الحال قبل قانون ٢٠٠٥، الذي حاول تغيير طبيعة وهوية المشروع، بدءً من قوميته، ثم طبيعته الطبقية القائمة على كونه مشروع إعاشي لصغار المزارعين والعمال الزراعيين. رغم ذلك، كان يساهم مساهمة كبيرة في الناتج القومي الإجمالي للدولة، قبل أن تنخفض نسب المساهمة عقب قانون ٢٠٠٥، وتوجه الدولة نحو بدائل أخرى غير الزراعة.

مجرد خبر اللقاء يكشف عن تناقض بين وواضح من إدارة مشروع الجزيرة، التي تريد أن تُصبح الخصم والحكم في آن واحد، وهو واقع مشوه ومصطنع، خلقته حالة الربكة في القوانين التي تسود المشروع. في الحقيقة فإن إدارة المشروع مكرهة لا بطل، إذ أن ما يأتي من البنك الدولي، تفرضه عليها الحكومة الاتحادية، وهو هنا: مشروع بدون قانون، وبدون منبر نقابي.

تنظيم منتجين أم اتحاد؟

لأن قانون ٢٠٠٥، حالت دون تطبيقه عقبات كثيرة، أهمها وحدة المزارعين، وتحديدا صغارهم والعمال الزراعيين، فإن الحكومة في ذاك الوقت، ولأنها كانت تمضي في طريق تنفيذ الروشتات المقدمة من قبل البنك الدولي، فإنها كانت مُصممة على تنفيذ جوهر سياستها القائمة على :

رفع يدها عن التمويل والري بالمشاريع الزراعية القومية.

خصخصة المشاريع الزراعية، وقد تم تطبيق الخصخصة في المشروع بصورة كاملة، وتم بيع كل المؤسسات التابعة له، وتملك بعضها نافذون في الدولة القديمة، تحت ما سمي حينها بشركات الحلول المتكاملة.

تسليم الأراضي الزراعية لرأس المال الأجنبي والمحلي، وهي خالية من الموانع، وعلى رأس تلك الموانع (المنتج الصغير) والعامل الزراعي، وإن كانت السياسية هذه تستهدف ضمن ما تستهدف تحويل صغار المزارعين إلى عمال زراعيين في أراضيهم، بعد إجبارهم على تركها، بحيل وأساليب عدة.

تصفية أي صورة لوجود حركات أو تنظيمات مجتمع مدني بمشروع الجزيرة، أسوة بما تم من تصفية لهيئة سكك حديد السودان.

وأفلح القانون فقط في خلق ازدواجية قوانين بالمشروع، وما يدرى أحد الآن بالمشروع، ما القانون الذي يحكمه، وهو وضع مقصود لذاته، حتى يتثنى للرأسمالية الطفيلية تجميع قواها، والاستعداد لجولة أخرى من المعارك بعد أن كاد المزارعون أن يهزموا مخططاتها بوحدتهم، ويوفر الانقلاب الآن فرصة لهذه القوى، حتى تعود من جديد، وبالفعل بدأت بلقاءات بإحدى قرى المشروع، جاء تتويجا لها هذا اللقاء المشار إليه أعلاه.

مزارع سوداني

الجمعيات لماذا؟

ولكون أنه، كما أسلفنا، فإن مقاصد الحكومة لتحقيق الأهداف أعلاه، لم تتحقق بالكامل، فإنها مضت، وتحت ضغط الحاجة للمجتمع الدولي، وبسبق إصرار وترصد نحو سن ما سمته بقانون جمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني سنة ٢٠١٠- ٢٠١١، تعديل سنة ٢٠١٤، والذي مضي لتقنين سلب المزارع، أهم مكتسباته وهي (اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل) ليحل محله (جمعيات للمنتجين) وهذه النقطة هي مربط الفرس، ولكنها كانت أيضا كعب أخيل العملية كلها، وتسعى السلطة- أي سلطة- ذات توجه رأسمالي- برجوازي، إلى تغيير علاقات إنتاج المشروع والتي كانت قائمة على النسب المئوية الآتية:

(٤٩) للمزارع (٣٦) لحكومة السودان (١٠) لإدارة المشروع (٣) للخدمات الاجتماعية (٢) للحكم الشعبي، وأهمية الـ (٣٦)% من قيمة عائدات القطن، لأن الدولة كانت تقوم بالتمويل الكامل للعمليات الزراعية بالمشروع، تأخذ تكلفتها ويقتسم صافي الأرباح على النحو أعلاه، والآن، انتهى كل ذلك، وأصبح المُزارع يُمول نفسه بنفسه، ومع ذلك، ترهقه السلطة بالضرائب والجبايات وقطع المياه وتركه للسوق ليدخل منافسا لما يأتي من الخارج، في معركة غير متكافئة، تمهيدا لإجباره على الخروج دائرة الإنتاج وبيع أرضه في النهاية، طالما أن قانون ٢٠١١ يجعل المشاركة في إدارة التنظيمات أهم شروطها هو المساحة الكبيرة، وبالتالي فقد جاء القانون لتمكين سيطرة كبار المزارعين على أمر المشروع، بعد أن يحول القانون أقسامه لشركات وجمعيات إنتاج لا يربط بينها رابط.

جاء هذا القانون ليقضي في آن واحد على حقيقة أساسية قام عليها المشروع وهي: أنه وحدة إنتاجية واحدة، وبالتالي يشكل هذا مدخل لجعل أقسام المشروع جزر معزولة، كل منها يمثل بالقانون شركة لها الحق في سن سياسة خاصة بها، وأن تبيع محصولها لمن تريد، حتى خارج السودان، وليس المُنتج، إنما بيع الأرض نفسها، وهنا بانت حقيقة القانون.

بعد انتصار الثورة وقيام حكومة في أغسطس ٢٠١٩، لم يتغيير الحال كثيرا، فقد حافظت الحكومة الانتقالية على ذات النسق السابق، هو محاولات السيطرة على الأرض، وطرد صِغار المزارعين منها، وكثيرا ما عول المزارعون على سقوط النظام المُباد، لكن من تسنموا ذُرى السلطة بعد التغيير خذلوهم، ومضوا في ذات اتجاه من سبقهم، وذلك بالآتي: في كل المؤسسات والدوائر بالسودان، تم إحلال القوى التي ناءت بحمل عبء النضال ضد سلطة الجبهة القومية الإسلامية، ممثلة لمن قادت معهم النضال، إلا أن مشروع الجزيرة، والذي كان استثناء، فرضت هذه القوى عليه ممثلين، جزء منهم كان عضوا بالنظام المُباد، وشقت تحالف المزارعين، والذي كان حادي ركب نضالهم، والأنكأ أنها حافظت على جوهر السياسات والقوانين القديمة، وقاومت بضراوة جهد المزارعين لصياغة قوانين ديمقراطية، وقيام اتحاد لهم.

وفي وقت كان يدور الصراع الأيدولجي والطبقي في مواقعه، بكل مكان، كان الصراع حول مشروع الجزيرة يدور بالخرطوم، وعملت قوى الحرية والتغيير، كل ما بوسعها من أجل تصفية أي مقاومة جنينية بالمشروع، وفرضت من خلال لجنة التمكين، لجنة تسييرية لإنتخاب اتحاد للمزارعين، وقاومت قوى الحرية والتغيير في عام ٢٠٢١، محاولات المزارعين لسن قانون ديمقراطي، وفرضت عليهم قانون فرفضوه. وحتى قيام الانقلاب في ٢٥ أكتوبر، كانت (قوى الحرية والتغيير تمضى بالمشروع نحو أكثر النقاط تخلفا في تاريخه، وتحديدا لنقطة ما قبل ١٩٥٢، تاريخ انتخاب أول اتحاد للمزارعين.

كيف المخرج؟

وكما يقال: “إن الرأسمالية تخلق بنفسها لنفسها، أشكالاً مناسبة من العلاقات الزراعية مستخدمة في ذلك الأشكال القديمة للاستيلاء على تلك الأرض: الشكل الفلاحي المشاعي والشكل العشائري… إلخ”، فإن الصراع حول الأرض بمشروع الجزيرة الآن، يأخذ أشكالا متعددة، منها القوانين الجائرة، وعلاقات الإنتاج الظالمة وغمط المزارع أهم حقوقه، وهي المنبر المدافع عنه والمطالب بحقوقه، وهو واحد من أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، التي يمضي الرأسمال- مع تبدل الحكومات- في سلبهم إياها، حتي يكونوا لقمة سائغة ويسلموا بأرضهم دون موانع للرأسمال الأجنبي الذي يسيل لعابه لهذه الأراضي الضخمة.

وحدة المزارعون ونضالهم من أجل قانون ديمقراطي يشاركون في إعداده، وعلاقات إنتاج عادلة، وتمويل كامل للمشروع، وري منتظم، ومنبر نقابي/ مطلبي، هي محور صراعهم ضد من يسعى لطردهم من أراضيهم. وهذه الآن هي جبهات الصراع السياسي الاجتماعي المحتدم بالجزيرة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *