صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

رجلُ وأربعة تحالفات

صورة للشارع العام
شارك هذه الصفحة

بحذر يدخل قائد النقلاب، عبد الفتاح البرهان، في تحالف جديد مع مجموعة ما تلبث أن تجدد هوامش ثوبها السياسي وتزينه ببعض الأسماء والألقاب، هي آخر ما تبقى من بعثرة اعتصام القصر الشهير؛ فمنذ انقلاب (25) أكتوبر الذي غلب عليه تطبيق النموذج المصري، ظل قادة الانقلاب يتأرجحون بين تحالف وآخر، ولايمكن البت حتى الآن في النتيجة النهائية لتحالفه الجديد، وهو الرابع منذ استيلائه على السلطة.

مراحل وحركة العسكريين لطالما أتت في مربعات مغلقة، ولم تحقق لهم أي نوع من مستوى توليفة تناسب خوضهم غمار سلطة كاملة، بالأحرى يسعى البرهان لتحالفات قائمة على محور دور مباشر للجيش في الحياة السياسية.

تعتمد حركة البرهان في العملية السياسية نمطين من التعاطي، علنا يتبنى انسحاب المؤسسة العسكرية من العملية السياسية، لكنه في الخفاء يحرك رقعة الشطرنج نحو الكفة التي تتبنى خطه السياسي، بل طموحه كقائد ينوي حكم السودان، وتدعمه رؤية منامية من والده.

وإن كان البعض يرى أنه يدخل للعملية السياسية الوليدة مع حلفائه الجدد على مضض، ويحاول إيجاد مخارج جديدة بعد فشل محاولته الأخيرة بإيقاد شعلة ما يسمى بـ (مبادرة الطيب الجد)، التي غطاها غبار النسيان وتجاوزتها سرعة اللعب في المضمار السياسي غب وصول مولانا محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فقد تفتحت الآن حاضنة شعبية أكبر بنظر البرهان، وأعلى كسبا له من الناحية السياسية، وهي طائفة الختمية، وإن لم تخلو من جراح تتمثل في تعنت الابن الأكبر للميرغني، هو الحسن، الرافض لأي تحالف يضمه والعسكريين أو حواضنهم، ومضى بعيدا إلى حيث مقترح الدستور المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين المثير لهواجس العسكريين وعمقهم الإقليمي.

إن الثابت في تحالفات العسكريين في مواجهة قوى الثورة هم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا (أكتوبر 2020)، لكن الحركات المسلحة لم يتسع أفقها لاستيعاب العملية السياسية الجديدة، ولم تخرج من درس ثورة ديسمبر إلا ببعض الحقائب الوزارية، والمكتسبات الشخصية، وبالتالي أصاب عقلها السياسي ضمور كبير، بدأ يتحسسه قادة الانقلاب بالبحث عن حواضن جديدة بدأت بالتزامن مع الانقلاب مع مجموعة من الإسلاميين، على رأسها علي كرتي، الذي ذهبت التحليلات السياسية لتسميته بالزعيم رقم صفر للانقلاب، خاصة مع استعادة عناصر النظام البائد لوجودهم في جهاز الدولة، واستعادة الأموال والأرصدة  المجمدة في البنوك بقرار من (لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو).

لكن سرعان ما تخلى البرهان عن حلفائه الإسلاميين، ربما إلى حين، خاصة وأنهم قد بدأوا في التآمر على حكمه بسرعة، وأقلقت عودتهم مضاجع دول إقليمية تمقت رؤيتهم في مشهد سياسي جديد، فضلا عن انكبابهم على غنيمة السلطة التي فقدوها مع سقوط نظامهم قبل ثلاث سنوات، فقد ألمح برهان في خطابه السياسي الشهير بقاعدة “حطاب العملياتية” هذا الشهر حين قال إن البعض بدأ ينخر في عظم الجيش، وأن الإسلاميين غير مسموح لهم بالعودة مرة أخرى، بل ذهب لإقناعهم بحديث صريح: “خلاص كفاكم تلاتين سنة حكم”، لكن الناس لم يصدقوا وقتها ذلك الحديث، ولم يتزحزح توقعهم مما يضمره العسكريين لأهداف ثورة ديسمبر، فبعد يومين من ذلك بدأت الحركة تدب مجددا في هيكل الإسلاميين الجديد “التيار الإسلامي العريض” عندما أقاموا أحد مواكبهم الداعية لعدم التدخل الأجنبي، والساعية للحكم مع البرهان، الموصوفة لدى رئيس البعثة السياسية فلوكر بيرتيس بأنها مجموعة مدفوعة الأجر.

ولا تنفصل رؤية مستقبل  تحالفات البرهان مع الكتل السياسية المتصارعة على المشهد الانتقالي عن إرث التحالف والشراكة مع (قوى الحرية والتغيير)، وإن كانت صيغتها مرفوضة من الشارع، الذي لم تأت سيرته في هذا التحليل من واقع إتساع أُفقه السياسي لما هو أبعد مما يحدث الآن،  وبرز للسطح تحالف (الكتلة الديمقراطية) برئاسة جعفر الميرغني وحركات الكفاح المسلح، وهو تحالف متوقع وتكتل لقطع الطريق أمام التسوية الثنائية لصالح الحل السياسي الشامل لأزمة الانتقال، فيما يتبدى البعد الخارجي للتحالفات بصورة ظاهرة بهندسة الانتقال من جديد، لكن ليس بطريقة تضع الفترة الانتقالية بين تجاذبات مصالح الانقلابيين. ورغم اعتراف البرهان الصريح لأكثر من مرة بأن ثمة محادثات وحوار يجري مع قوى ثورة حقيقية، وإذاعة قوى الحرية والتغيير لقرب تسوية لتكوين هياكل حكم مدنية واستلام كامل للسلطة من الجيش، يرى التحالف أن العملية السياسية مهددة بالآراء المتقلبة للعسكريين، حيث كلام الليل يمحوه النهار في الممارسة السياسية وطبيعة مواقفها وتحالفاتها.. هل سيذهب البرهان إلى تحالف خامس؟


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *