صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

منطق لا يمكن رده بسهولة

شارك هذه الصفحة

قبل الأمس، خرج ثوار منطقة البراري في تصعيدهم اليومي ضد انقلاب 25 أكتوبر، وكأن البلاد لم تشهد تغييرا بعد توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين الحرية والتغيير وشركاء الانتقال الجدد، وبين قادة الانقلاب الذين أصبحوا الطرف الثاني في الاتفاق والشريك الأبرز.

تصعيد البراري الثوري دخل شهره الرابع وأزيد دون توقف ولو ليوم، وشهد خلال تلك الفترة سقوط 3 شهداء ومئات المصابين تحت سطوة القوة الغاشمة للأجهزة الأمنية، وربما غياب الدعم السياسي الذي عادة ما تحتاج إليه أنشطة المقاومة.

مشهد عمليات الكر والفر بين الثوار و(دفارات) الشرطة و(تاتشراتها) في شوارع المعرض، وشارع الشهيد معاوية بشير (شهيد 2019)، وكان ذلك بالتزامن مع بث مباراة متلفزة لكرة القدم ضمن منافسات كأس العالم، كان لافتا.

وربما كان مشوبا بتصاعد الغاز المسيل للدموع والأبخرة السامة من القنابل الصوتية، دوى قاذفات الغاز والرصاص المطاطي والحصى والزجاج المكسور، بجانب وقع الحجارة على صفيح السيارات الأمنية المصفحة، وصوت احتكاك عجلاتها بالاسفلت المهترئ وهي تطارد كل المارة.

قد يكون لاستمرار تلك الأنشطة الثورية، رغم التطورات السياسية الماثلة، رسائل لا تخطئها عين، في ظل موقف عام من الاتفاق يشهد تباينات ما زالت تُعبّر عن نفسها على مستويات مختلفة.

فعلى الرغم من كل الحيثيات التي دفعت الاتجاه إلى الوصول لاتفاق سياسي، من أجل تحقيق هدف تفكيك الانقلاب وإزالة آثاره، وأيضا عمليات حشد التأييد المستمرة في أوساط المقاومة والمجتمع المدني، والتي استندت على وجهات نظر تتسم بالمنطقية، فإن لمن بقوا في الشوارع منطقا لا يمكن رده بسهولة.

يرى بعض من في تلك الشوارع، أن الاتفاق منح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، وبقية قادة الانقلاب، حصانة لا يستحقونها من الجرائم التي تم ارتكابها قبل وبعد الانقلاب، ما يعد خيانة لدماء الشهداء والمصابين، بجانب أن الاتفاق أبقى على سلطتهم المطلقة على الجيش والدعم والسريع، وربما فتح الباب لنفوذ خفي على بقية الأجهزة الأمنية والشرطية.

وبجانب كل ذلك، فإن الاتفاق كرّس لسيطرة حاضنة سياسية جديدة على المرحلة الانتقالية، تضم قوى غير معنية بالثورة ولا ببرنامج الانتقال، وليس لديها التزامات تجاها أو طموحات الشعب السوداني، مما يعني أن تكوين مؤسسات الانتقال، وحتى برامجها، لن يخدم الانتقال الديمقراطي، وقد تعمل على إفراغه من مضمونه.

يقول بعضهم إن الحديث عن توازنات القوى، والتحجج بحسابات الربح والخسائر، والإشارة للمكاسب الكبيرة التي حقهها هذا الاتفاق للثورة ولقواها، ليس له معنى طالما ظل البرهان وحميدتي في المشهد، وعلى رأس القوى العسكرية دون أن تمس سلطاتهما وصلاحياتهما.

في نظر من بقوا في ذلك الشارع، على الأقل، لم يحدث تغييرٌ على أى مستوى؛ فلا العدالة تحققت ولا توفرت لديهم مؤشرات لإمكانية تحقيقها، بجانب أن سقوط الضحايا مستمر، وشكل القمع لم يختلف بعد توقيع الاتفاق، ولا يتوقعون خلاف ذلك.

ثوار تلك الشوارع لا يرغبون في مناقشة بعض الفرص التي يمنحها هذا الاتفاق، ولا يزمعون التراجع عن طريقهم منذ 25 أكتوبر 2021، لأن في ذلك هزيمة لكل ما دفع الشهداء من ثمن، والمصابين من معاناة وألم، فالمعنى لديهم هو القيمة التي لا تتأتى بالحلول التدريجية والعدالة المؤجلة.

وقد يكون لذلك المنطق حضوره الناصع في ظل الاجواء التي خلفها توقيع ذلك الاتفاق،فالشاهد أن من ناصروا توقيعه من شرفة الأمل، في أن يفتح الباب لحراك سياسي كبير، يوازي نضالات وتضحيات الشوارع من أجل تحقيق اهداف ثورة 19 ديسمبر المجيدة، باتوا أقرب للتردد من إمكانية تحقيق هذا.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *