صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

لن يكون الأخير في مواجهة الانقلاب

شارك هذه الصفحة

أعلنت (لجان مقاومة ولاية الخرطوم) عن جدول فعالياتها الثورية على الشوارع لشهر مارس، وشملت مواكب مركزية يتجمع فيها الثوار في منطقة واحدة، وأخرى محلية داخل الأحياء، بجانب وقفات احتجاجية وأنشطة أخرى متنوعة لم يُعلن عن مواعيد تنفيذها.

وجاء الإعلان بعد ساعات من سقوط شهيد جديد برصاص الشرطة شرق الخرطوم، أثناء مشاركته في موكب “ختام المهزلة” الذي دعت له هذه اللجان يوم 28 فبراير المنصرم.

الجدول المعلن لن يكون الأخير بحسب اللجان التي تصعد من مناهضتها لانقلاب 25 أكتوبر في السودان منذ لحظة وقوعه، ولا يبدو أن الثوار يأبهون للاتفاق السياسي الإطاري الموقع بين قوى الحرية والتغيير وقادة الانقلاب في 5 ديسمبر الماضي.

ومنذ وقوع الانقلاب سقط في الاحتجاجات المناهضة له 125 شهيداً، ولا يزال آلاف الجرحى يتلقون العلاج. كما أن جدول الفعاليات الثورية الصادر يعتبر الرابع، منذ توقيع الاتفاق الإطاري بين قوى سياسية وقادة الانقلاب في الخامس من ديسمبر 2022، وهو الاتفاق الذي ترفضه اللجان رسميا لأنه “يفتح الباب أمام إفلات قادة الانقلاب من العقاب من الجرائم التي ارتكبت ضد الثوار السلميين في شوارع الخرطوم ومدن السودان”.

وفي بيانها الأخير الصادر بتاريخ 4 مارس، أكدت اللجان على أنه لا مجال للإفلات من العقاب، وأن أي اتفاق أو تسوية لا توقف القتل المجاني لأبناء شعبنا ولا تضمن محاسبة كل من تورط أو أمر ونفذ عمليات البطش والقتل لأبناء الشعب السوداني، لا تعنيها بشيء البتة، وهي منها براء. وبذا يجدد البيان تمسك لجان المقاومة برفض الاتفاق السياسي الإطاري. ودرج قائد الانقلاب على التحذير من عدم الالتزام بالاتفاق “ما لم يضمن مشاركة جميع الأطراف السياسية، ما عدا المؤتمر الوطني”، بينما ترفض القوى السياسية التي وقعت، إغراقه بمن تصفهم فلول النظام البائد.

وعاد أخيرا قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، ليشير إلى التوافق الوطني الذي يطلبه، خلال خطاب في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمم المتحدة الخامس لأقل الدول نمواً، بالعاصمة القطرية الدوحة، وقال إن الحوار الحالي بين القوى السياسية يهدف للتوصل إلى توافق وطني، يفضي في النهاية إلى تشكيل حكومة مدنية تكمل الفترة الانتقالية، وتوصل البلاد إلى انتخابات في نهايتها، مؤكداً دعمه لكل المساعي الوطنية والإقليمية والدولية في هذا الصدد.

وتستند لجان المقاومة في رفضها للحوار مع قادة الانقلاب في إنه سيفضي للإفلات من العقاب وشرعنة وجودهم في العمل السياسي ومؤسسات الحكم، بينما كانت مدنية الدولة والسلطة أحد أبرز مطالب ثورة ديسمبر المجيدة التي أسقطت نظام عمر البشير.

تضم لجان مقاومة ولاية الخرطوم، 6 تنسيقيات، تتوزع على أنحاء العاصمة، وهي (تجمع لجان أحياء الحاج يوسف)، (تنسيقية شرق النيل جنوب)، (لجان أحياء بحري)، (تنسيقيات لجان مقاومة أم درمان الكبرى)، (تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم). وقد تحملت مسؤولية مواجهة الانقلاب الذي جرى في السودان في 25 أكتوبر على الحكومة الانتقالية التي كان يقودها الدكتور عبدالله حمدوك. ونجحت اللجان التي تستند على قاعدة من الشباب في أحياء العاصمة، وتجد دعماً كبيراً من مختلف الشرائح، في تنسيق وإدارة عملية مناهضة الانقلاب على مدى 16 شهراً، ما منع قادته من تنفيذ خطتهم التي كانت تتمثل في تشكيل حكومية انتقالية جديدة من الموالين، وإجراء انتخابات في غضون عام من وقوع الانقلاب.

أما قادة الانقلاب، فهم من عناصر اللجنة الأمنية العليا التي كانت تحمي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وظلوا على قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية بعد سقوطه، بفضل مفاوضات جرت مع المدنيين وانتهت إلى صيغة من الشراكة في إدارة البلاد لمدة ثلاث سنوات، قبل إجراء انتخابات. وتم توقيع اتفاق الشراكة بدعم ووساطة إقليمية ودولية في العام 2019، بعد أن ارتكبت اللجنة الأمنية أيضاً جرائم بحق المدنيين في العاصمة والولايات، شملت القتل والحرق والاغتصاب والإخفاء القسري.

اليوم، ورغم مرور أكثر من أربعة شهور على توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، فإن القوى السياسية التي وقعت الاتفاق تخشى من تنصل قائد الانقلاب من تنفيذه، بينما يعلن نائبه مراراً دعمه وإلتزامه بالاتفاق. ولا يمر أسبوع دون أن يطالب، عبد الفتاح البرهان، القوى الموقعة بتوسيع قاعدة المشاركين في العملية السياسية التي ستتمخض عن الاتفاق السياسي النهائي، وبحسم قضية الجيش الواحد من خلال الاتفاق على خطة وجداول زمنية لدمج الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش.

وسبق لتحالف الحرية والتغيير أن وسع من قاعدة الاتفاق بإستدعاء أحزاب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بجانب جماعة أنصار السنة المحمدية. لكن البرهان يدعم مشاركة تحالف آخر ترفضه الحرية والتغيير، هو الكتلة الديمقراطية، الذي يضم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا مع الحكومة الانتقالية المنقلب عليها في 2020، والفصيل الآخر من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وقوى سياسية ثانية شاركت في حكومات النظام البائد.

ومن بين أسباب رفض تحالف الحرية والتغيير ضم الكتلة الديمقراطية للاتفاق، اشتراطها تعديلات جوهرية في نصوصه وفي مشروع الوثيقة الدستورية الملحقة، ترى أنها ستمنح العكسريين فرصة للاستمرار في السلطة، وعدم الإيفاء بالتزاماتهم بالخروج من السياسة.

وبدا لمراقبين أن الاتفاق السياسي الإطاري يواجه حالة من انسداد الأفق، قد تؤدي، إن استمرت، لإعادة تكريس سلطة الانقلاب بدعوى فشل عملية التوافق بين الأطراف السياسية، حتى في ظل دعم قائد الدعم السريع.

وأدت التصريحات المشككة في مدى التزام البرهان بتنفيذ الاتفاق، والشكوك المثارة أيضا حول وجود دور لفلول النظام البائد في هذا التطور، إلى إعادة تعبئة في الشارع شملت حتى من كانوا يدعمون الوصول لتسوية مع قادة الانقلاب عبر الحوار. وتشمل الفئة الأخيرة أعضاء في أحزاب سياسية وقعت على الاتفاق، وناشطون في تجمعات مهنية وعمالية، وأعضاء لجان مقاومة في أحياء سكنية.

في الواقع، أظهرت هذه اللجان خلال السنوات الخمس الماضية قدرة تنظيمية كبيرة، ساعدت في استمرار وجودها على الشارع وتأثيرها في الساحة، والتزام عضويتها بالجداول والمشاركة في مختلف الأنشطة الداعمة لمدنية الدولة، وهذا المطلب كان حجر الأساس في عمليات حشد الشباب داخل أوعية اللجان التنظيمية.

ومع إن لجان المقاومة لم تتوقف عن أنشطتها المناهضة للانقلاب في الشارع طوال الشهور الماضية، فإن من الواضح أنه سيقع على عاتقها مرة أخرى، إعادة حشد الشارع وقيادته في مواجهة كل الاحتمالات، وكالعادة مهما تكلف ذلك من ثمن.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *