صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

“لكم أعيش.. أو أموتُ شاعرا”

شارك هذه الصفحة

كتابات ونصوص مختارة في أربعينية الشاعر الراحل عبد الله إبراهيم موسى (شابو) الذي وافته المنية بالعاصمة الخرطوم صبيحة 30 أكتوبر الماضي.

رحل شابو والخرطوم في جنة بلاغتها الثورية

لم يكن شابو شاعراً مشغولاً بمصيره الشخصي، أو سعادته الخاصة، أو آلامه وشقائه. فقد كانت سعادة الوطن ومصيره وآلامه، بمثابة شفرة ناشطة وفاعلة في كل نصوصه الشعرية:

ماذا عليك إذا ابتعدت

ماذا عليك إذا انقضى زمن الغناء

وصوّحت أمجاد عمرك في الربيع

حجراً غدوت على الطريق…

حجر تكثف ثم أقعى في طريق السابلة

فالعشب ينمو فوق ظهر الناقلة

رحل شابو بغُصّة الصامت، وترك حجراً أقعى في طريق السابلة، والخرطوم في جنة البلاغة الثورية. تجربة شابو في الشعر والحياة توتّر أصيل بين التأمل الجمالي والفعل السياسي. حفظ ألسناً عديدة – الخيال مُتعدد اللغات كما يقول  شتاينر- وكان أن اخترقت نصوصَه أصواتٌ من مركز العالم ومحيطه: لوركا ونيرودا وماشادو ورفائيل البرتي، ويتمان وعبد الصبور والسياب والفيتوري وجيلي عبدالرحمن والمجذوب.

شابو الذي ركن إلى لغة البساطة وبساطة اللغة، كما أشار بحصافة أستاذنا الراحل عبد القدوس الخاتم، والذي طالما كشف عن وعيه اللغوي بالشعر، ووعيه الشعري باللغة؛ كتب شعراً بلمسات شعرية بسيطة ومُرهفة، دون الدخول في لآفاق وجودية معقدة مثلما تجربة رفيقيه النور عثمان أبكر ومحمد عبد الحي.

ذاكرة شابو الستينية مُتخمةٌ بسردياتٍ التَقطت لحظات فارقة في المنجز الجمالي في السودان، حملت معها، فيما حملت، الثورة ورياح التغيير وتجليات الحداثة. تلك هي لحظة صدور ديوانه الأول “أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين” 1968م، بمقدمة كتبها عبد الرحمن الخميسي. آنئذ، كانت الغابة والصحراء تياراً غامضاً وملتبساً، كما أن أبادماك اختزلت حركتها إلى إنشاد باهت تفوقت عليه حركة الشعر – وحركة السرد آنذاك أيضاً – ومنها شابو، وحملت الهم التاريخي في أن يكون لنا صوت وهوية جمالية، بل ونحلم بدولة وطنية تستوعب التناقضات الداخلية لبنية التاريخ وبنية الجغرافيا.

بعد عقدين من الزمان، بعد عزلة قرأ فيها شابو كثيراً، وتأمل فيها أكثر – تجدر الإشارة هنا إلى أن شابو يعتبر من أعمدة التعليم الفني: نظريا وعملياً  وكتب بضعة كراسات حول مستقبل التعليم الفني – كان صدور “حاطب ليل” 1988م. ارتفع صوت شابو هنا لغة ومخيلة وذاكرة، وتقنية أيضاً، وما زال أميناً وحريصاً على اشتباك نصه الجمالي مع التاريخي – مع الذاكرة بل ومساءلتها:

سيكتب من فوق الشواهد من بعدنا

بأنّا عشقنا طويلا

وأنّا كتبنا بدم الشغاف

كان لم يقل شاعر قبلنا

وأنّا مشينا إلى حتفنا

رعيلا يباري رعيلا

وأنّا وقفنا بوجه الردى وقوفا جميلا

تقاسم شابو الذاكرة الستينية مع عدد من رفاقه، تقاسم معهم الجمال والحياة: عيسى الحلو ومكي أبو قرجة وعبد الرحيم أبو ذكري ومحمد المكي إبراهيم. وكان على تواصل، ولم ينقطع يوماً، مع النور عثمان أبكر. وقد وردت تفاصيل تنبش تلك الذاكرة حتى قعرها في يوميات شابو. كان شابو قلباً بالغ الطيبة وعارفاً جميلاً متصالحاً مع نفسه ومع هذا العالم، وأحب رفائيل البرتي وماشادو ولطالما رددنا معه أبيات الأخير:

لم أكن رجلاً يتلفع بمعارفه قط

ذلك أنني، بالمعنى الحق للكلمة

لست سوى رجل طيب.

 

لترقد روحه بسلام

الرياض 25 نوفمبر 2022


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *