صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

“لَكُم أعيش.. أَو أموتُ شَاعرا”

شارك هذه الصفحة

كتابات ونصوص مختارة في أربعينية الشاعر الراحل عبد الله إبراهيم موسى (شابو) الذي وافته المنية بالعاصمة الخرطوم صبيحة 30 أكتوبر الماضي.

كان إيمانُ شابو بالشعر طاقة لا تفنى

لربما

ألقاكمُ غداً

عند التقاء الساكنين

في الحراك، في الشارع

الممتد للأبد،

الآن لا أحد هنا

يطل من طفاوة الزبد

وربما إلى الأبد.

عبد الله شابو

إذا ما قابلته في ظهائر الخرطوم التي تتقلَّب فيها الشمس ذات اليمين وذات الشمال، فستكون في ضيافة قلبه. يسـألك: فطرتَ؟ شربتَ الشاي؟ فإذا أجبت، فهذه تهيئة لطريق إلى حديث لا يخلو – حتماً – من ذكر الشِّعر، ثم تنسكب الحكمة التي نخرت تضاريس وجهه البارق بمحبّة الحياة.

ما الذي يفعله الشِّعر في حياتنا غير أن يجعلنا متأملين لدقائقها المنسية، فنتحول من زواحف مدفونة في شقوق الواقع، إلى بذور يرويها الشعر بماء الصداقة والحُب؟ وكذا هو حاله الدائم، راحلنا وتاج رأسنا وفقيدنا عبد الله شابو.

أسأله – ونحن ننتظر حضور أعضاء نادي الشعر باليونسكو – عن جماعة أبادماك، وتلك قصة أخرى يرويها بشغف إلى ماضٍ وأصدقاء التهمتهم الحياة أو الوفاة سيّان.

أسأله عن الشاعر الراحل عبد العزيز سيد أحمد، وكيف أن جِيلي من  الكُتّاب، لا يعرفه، ومن عرفه لَقِيَ ديوانه ومسرحياته بين يدي الفريشة كاللُّقطة التي لا صاحب لها، فيقول: صديقي كان حاد الطباع قليلاً فأعرض عن ذكره الذاكرون!

يُسهب في وصف محمد عبد الحي، وعبد الرحيم أبو ذكرى، وتاج السر، والفيتوري، ثم يقرّظ شِعر أنس مصطفى، قائلاً: إنه الشِّعر ولا مزيد.

يقول – وقد تهيّأ لبذل تجربته لنا ونحن عصبة شعراء نتشدّق بالشعر المُترجم -: لقد تعلمت الإسبانية لأقرأ شعر لوركا في لغته، وقد أخْفَت الترجمة كثيراً من محاسنه.

تسأله عن الكُتب فتجده حاضراً، مستحضراً الحديث منها والقديم، وقد علّمنا ألا نتشدّق بآخر ما قرأناه؛ فالقراءة – لديه – تستوجب الفهم والهضم، ثم إنها لا تظهر وبذات القدر لا تَخفى، فالقراءة هي الأم الرؤوم تتخلّق صورتها عميقاً في بِنْتِها الكتابة.

يتسع قلب شابو ليرى العالم من خلاله، ويحلم به بسيطاً معافى من أدرانه البشرية، ليصير شعره برلماناً للرؤى المشتبكة لإنسان القرن الحادي والعشرين المُحتاج إلى حكمة الشعر قطعاً. ليس بالشعر وحده، لكن شابو الإنسان، والذي يحدث الناس بالحكمة والحُسنى، انطبق في شخصه الشعر والشاعر.

 

بصورة شخصية، عضَّدَ شابو إيماني بالشعر، بوصفه حياة كاملة وموقفاً منها ينحاز إلى الجمال مطلقاً، فاتحاً الدروب للآتين دون أن يجعلهم أسرى، فهو كمثل ضوءٍ يكشف العتمة ويشحذ البصيرة. أقول كان إيمان شابو بالشِّعر طاقة لا تفنى.

يقول ضاحكاً مستبشراً – وما زلنا ننتظر أعضاء نادي الشعر باليونسكو – والسخرية تملأ ملامح وجهه الوديعة: الشعراء لا يعرفون كيف يديرون حياتهم، فكيف يديرون مؤسساتهم؟!

تلتحم سيرة شابو الشخصية بحلم المثقف والمبدع في بلد عانى ما عانى من نكبات سياسية: فيلتقي باليسار السوداني ثم يتسع أفق الإبداع لأكثر من ذلك، ويُبتعث للدراسة بالولايات المتحدة، وقبل ذلك يدخل سلك التعليم الفني بالسودان حتى يتقاعد في نهايات القرن العشرين أو أوائل القرن الذي يليه، وخلال حياته يلتقي بفارس والمجذوب وجيلي، ولا يفارق تفعيلة الشعر حتى أجله الذي قُدر عليه.

ينقل شابو خبرته الحيوية والشعرية – وهو كما يقول في عنوان ديوانه إنسان يحدث الناس – إلى أجيال ممن التقى بهم وهم في بداياتهم أو نضجهم، وفي مختلف القضايا يبدو واسع الثقافة صارمها، ومتأملاً حقيقاً بالتأمل، يعلمك البساطة النافذة والبسط العارف في القول والفعل.

إنه من ألطاف وسعادات القدر، أن تلتقي بعبد الله شابو الإنسان والشاعر، وأن يحدثك فيما لن يحدثك به شخص من بعد. له الرحمة والرضوان العالي من ربه.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *