صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

“حسين” وزحف الرمال يهددان آثار مروي

شارك هذه الصفحة

حذر مدير موقع إهرامات البجراوية، محمود سليمان، من خطورة زحف الرمال على كامل منطقة جزيرة مروي، الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي، وأصبح يحاصر أغلب المواقع الأثرية. وحمل سليمان الجهات المعنية في الدولة مسؤولية الإهمال الذي تعانيه آثار البلاد بسبب عدم توفير الموارد المالية المطلوبة للحفاظ على المواقع وحمايتها من التشويه والتدمير.

وتعاني المنطقة الأثرية في جزيرة مروي، شمال السودان، من إهمال يهدد بضياع كنوزها، في ظل ضعف الموارد المالية المتاحة للهيئة العامة للآثار والمتاحف، وحرمانها حتى من عائدات المواقع الأثرية التي تذهب لإدارات السياحة.

تقع المنطقة الأثرية بين نهري، النيل وعطبرة، وتعد معقل مملكة كوش ومقرا لحكامها، وكانت قوة عظمى بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، وتتألف من الحاضرة الملكية للملوك الكوشيين في مروي، بالقرب من نهر النيل، وبالقرب من المواقع الدينية في النقعة والمصورات الصفراء.

من بين آثار أخرى، تضم المنطقة الأهرامات والمعابد ومنازل السكن وكذلك المنشآت الكبرى، وكانت كلها متصلة بشبكة مياه.

واليوم تعيش المنطقة الأثرية حالة من عدم الاهتمام الرسمي، وتكاد تخلو من أعمال الترميم والتنقيب لولا جهود البعثات الأجنبية العاملة تحت إشراف هيئة الآثار والمتاحف.

وقال عمال في منطقة المصورات الأثرية إنها تعاني إهمالا كبيرا من الجهات المختصة يعرض كنوزها من الأهرامات والمدافن والحمامات التي تعود إلى عهد حضارة مروي للتشويه والضياع، وشكوا من افتقاد كامل المنطقة للبنية التحتية وافتقارها حتى لخدمات المياه والكهرباء والحراسة.

المصورات أو، المصورات الصفراء، موقع أثري كوشي في شمال السودان يبعد 20 ميلا عن مدينة مروي، و20 كيلو متر من موقع النقعة و190 كيلو متر شمال شرق العاصمة الخرطوم وحوالي 29 كيلو متر إلى اتجاه الشرق من مجرى النيل.

 يشكل الموقع مع مدينة مروي والنقعة جزيرة مروي، وتم إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي في العام 2011م.

ومن أهم الآثار في منطقة المصورات الصفراء السور العظيم ومعبد ضخم مكرس لإله الحرب النوبي اباداماك، يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث قبل الميلاد ومجموعة من الحفائر والمحاجر، هذا إلى جانب آثار الممالك المسيحية التي امتد نفوذها إلى ما بعد منطقة (سوبا) جنوب الخرطوم.

ويؤكد عاملون في المدينة الأثرية أن كامل المنطقة الأثرية في جزيرة مروى بحاجة عاجلة لاهتمام من السلطات المسؤولة، مشيرين إلى غياب التأهيل والاهتمام بحماية كنوزها من التشويه والضياع، رغم وجود جهات مختلفة تعمل في المواقع الأثرية منذ سنوات طويلة.

ولاحظت “الحداثة” أثناء زيارتها إلى المنطقة، أنها تغرق في الظلام لعدم وجود كهرباء، بجانب ضعف الحماية المخصصة لها من التشويه والتخريب، والتي تشمل خفير وشرطي.

ورصدت أيضا، أعمال تشويه في المواقع الأثرية شملت الحفر على الجدران الداخلية لكتابة أسماء زوار، بشكل يطمس الكتابة الأصلية التاريخية باللغة المروية، مثل “حسين” الذي أراد تخليد ذكراه على حجارة الجدران.

وتعاني المنطقة الأثرية بأكملها من مهددات طبيعية، حيث يشكل زحف الرمال المستمر خطر كبير، لا يظهر المسؤولين تحركا لدرءه.

وأشار عبد الرحيم الهادي، وهو يعمل في المدينة الملكية منذ 50 عاما، إلى أنها تفتقد تماما لأي من أشكال البنية التحتية، فلا مياه ولا كهرباء ولا أماكن إقامة مناسبة للزوار، بجانب غياب تام للشرطة المختصة.

وشكا من عدم وجود قوى عاملة في الموقع بشكل يحافظ عليه من التشويه والضياع، موضحا إغلاق الموقع أمام الزوار لأربع سنوات دون أسباب معقولة، بينما لا تجري أي عمليات ترميم من أي جهة.

وأضاف: “هذه المواقع تحتاج لتحرك فوري من الهيئة القومية للآثار والمتاحف، من أجل تطويرها وفتحها للزوار، وإغلاقها من دون إجراء عمليات ترميم يعرضها للتخريب والضياع”.

تضم كامل المنطقة الأثرية نحو 120 هرما متناثرة على مساحة كبيرة، بجانب المعابد والحمامات.

ويقول خبراء آثار إن الوعي هو خط الحماية الأول لآثار البلاد كلها، وبدونه لن تتمكن الهيئة من حمايتها مهما توفرت العناصر الشرطية.

ولكنهم يشكون أيضا من عدم وجود دعم حكومي حقيقي لعمل الهيئة التي تعاني من عدم وجود موارد وعدم قدرتها على سد النقص في كوادرها، بجانب الأوضاع الوظيفية المتردية للكادر العامل حاليا رغم أنها تضلع بمسؤوليات كبيرة.

وتتولى البعثات الأجنبية تمويل جميع الأعمال الحالية في المناطق الأثرية، من تنقيب وحماية. لكن حتى هذه الدعم تناقص في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا وغيرها.

وتخصص الهيئة العامة للآثار والمتاحف خفير واحد لحماية موقع أهرامات البجراوية غير المسور، وهو ما لا يكفي حتى لضبط حركة الزوار.

ويحمل مدير موقع أهرامات البجراوية، محمود سليمان محمد بشير، الهيئة مسؤولية هذا القصور في توفير الحماية، ولعدم وجود صرف حقيقي على المواقع الأثرية. ويشير إلى أن إيرادات هذه المواقع لا تصرف عليها، بل تذهب إلى الإدارة العامة للسياحة معا أنها غير معنية بحماية الموقع أو الصرف عليه، ما يكشف عن خلل كبير ينبغي معالجته.

وأضاف: “اللوائح تمنع الزوار من تسلق الأهرام أو الكتابة عليها، لكن اللافتات التحذيرية لا تكفي وحدها، نحتاج لعدد كبير من الخفراء وتواجد أكبر للإداريين داخل الموقع. الخربشات وحفر الأسماء على النصوص القديمة مسألة خطيرة، لأنها تتم على حجر رملي هش وسهل، وتؤثر بشكل كبير على شكل الهرم”.

وكشف مدير موقع أهرامات البجراوية لـ “الحداثة” عن قرار بعدم فتح الغرف في بعض الأهرامات للزوار، لعدم اكتمال ترتيبات السلامة، ما يعني عدم توفر الموارد المطلوبة.

وعن تقييمه لأوضاع كامل المنطقة الأثرية في الوقت الحالي، يرى سليمان أنها احتفظت، إلى حد كبير، بسلامتها خلال الـ 100 عام الأخيرة مقارنة بالفترات الأبعد، رغم كل عمليات التشويه، لكنه حذر بشكل خاص من خطورة زحف الرمال على المنطقة وآثارها، وهو مهدد طبيعي أطل بداية الستينيات.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *