صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

مغامرات الحوار الهادئة: بورخيس متحدثا عن سقراط

بورخيس

شارك هذه الصفحة

أدناه الجزء الرابع من حوارات بورخيس الإذاعية مع أوزفالدو فيراري. جرت في العام 1984

 

سقراط

أوزفالدو فيراري: شخص لم نتكلم عنه من قبل يا بورخيس، وربما هو مصدر إلهام لنا في بعض الأحيان… هو سقراط. ولكن بشكل ما فإن محادثاتنا تذكر به.

خورخي لويس بورخيس: نعم، أتذكر أن جورج برنارد شو تكلم، حسن، عن سلالة الرسوليين الدراميين. وهكذا يبدأ بالطبع بالتراجيديين الإغريق، ثم يأتي للدرامي العظيم أفلاطون، والذي اخترع سقراط.

فيراري: استنادا إلى شو.

بورخيس: إستنادا إلى شو. ثم يأتي لدراميين آخرين هم أكثر جلالا ولمعانا، وهم الدراميون الذين كتبوا الأناجيل الأربعة1، الذين اخترعوا يسوع. ومن بعدهم لدينا بوزويل2، الذي اخترع دكتور جونسون، ثم لدينا الدراميون الذين نعرفهم جيدا3، ثم لدينا شو والذي يتبنى التقليد الرسولي، والذي هو الدرامي العظيم في عصرنا. أعتقد أن أفلاطون أحد أقدمهم، الدرامي الذي ابتدع سقراط والشخوص الأخرى التي تشارك في الحوارات السقراطية.

فيراري: بما يتسق مع نسخة مسرحية من العالم.

بورخيس: نعم، بما يتسق مع نسخة مسرحية من العالم، حسن، ثم لدينا ربما أتباع فيثاغورس، بما أن فيثاغورس لم يترك أي أثر مكتوب، لا؟

فيراري: حسن، من بين هؤلاء الذين لم يخلفوا أثرا مكتوبا لدينا من يصفهم كارل جاسبرز4 في حقله الفلسفي بالفلاسفة الكبار: سقراط، بوذا، كونفوشيوس ويسوع.

بورخيس: أعتقد أن كونفوشيوس كتب شيئا ما … هنالك (المختارات)5، لكن ليس من الممكن أن يكون هو كاتبها لأنها تتضمن طرائف عنه. والآن أنا أفكر في مثال محمد _ لدينا القرآن، ولكن ربما السنة أكثر أهمية منه، لا؟ وهكذا بوسعنا القول أن الكتابة ليست أهم شيء، ما يهم ليس أن تكتب بل أن تتحدث وأن يسجل أحد ما المحادثة … حسنا، في هذه اللحظة أنا مجرد فيثاغورس متواضع (يضحك) من الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية.

فيراري: تعلم أن جاسبرز أضاف أن حياة سقراط كانت محادثة متواصلة مع الجميع، بمعنى، مع كل مواطني أثينا.

بورخيس: والآن، في حالة أفلاطون، أنا أعتقد… لكن ينبغي أن أكون هيللينيا لأن أتحدث عن كل هذا، وأنا بالكاد أتذكر أشياء قرأتها العام الماضي، كما أنني لا أحسن قراءة اليونانية. من المحتمل أن أفلاطون ليعزي نفسه عن موت سقراط، قد وجد وسيلة يتيح بها لسقراط أن يواصل الحديث بعد موته. وكلما واجهته مشكلة كان ليسأل نفسه: “ما الذي كان ليقوله سقراط؟” على الرغم من أن فكر أفلاطون بالطبع لا يتشعب فقط في سقراط وإنما في بقية المحاورين _ جورجياس6 على سبيل المثال، بعض الخبراء في الفلسفة تساءلوا عما كان يهدف له أفلاطون بالضبط من وراء هذه المحاورة أو تلك. يبدو لي أنه من الممكن القول أنه لم يكن يهدف لشيء بعينه، أنه سمح لفكره أن يتشعب خلال عدد من المتحاورين، وأنه تصور جميع هذه الآراء بدون هدف معين ماثل في ذهنه. هذا ممكن، أليس كذلك؟

فيراري: بالإضافة لذلك، لكونه قد التقط فيها روح سقراط فقد نجح في منحها الخلود.

بورخيس: أشك في أنه كان بحاجة لتخليده، بما أنه رفض تقبل موت سقراط. أحب أفلاطون أن يفكر: “حسن، ها هو سقراط، مواصلا تفكيره، مواصلا تفكيره حتى بعد شراب الشوكران، حتى بعد موت الجسد، حتى بعد تلك المحاورة الأخيرة” التي يمزج فيها سقراط بين العقل والخرافة.

فيراري: آه، هذا محوري.

بورخيس: نعم، لا يدرك المرء أنهما شيئان مختلفان. يبدو أننا قد فقدنا هذه القدرة، أعتقد أن الأسطورة كانت في البداية بالضرورة وسيلة للتفكير. وفي حالة المسيح، فإنه كان يفكر بالأحاجي، بمعنى أنه كانت له طريقة خاصة في التفكير. يا للغرابة _ الشخص الذي يبدو أنه لم يستطع فهم هذا مطلقا هو ميلتون. لأن كل شيء في (الفردوس المفقود)7 يناقش بعقلانية، أو كما قال ألكسندر بوب8 فإن ميلتون يجعل يسوع والشيطان يتكلمان كالإسكولاريين. كيف لم يستطع ميلتون أن يفهم أن يسوع، بالإضافة لكونه كل ما كان، هو أيضا أسلوب؟ من ناحية أخرى فقد صرح بليك9 بأن المسيح – كما هو حال بليك نفسه – أراد خلاصا من خلال الأخلاق، ومن خلال الفكر، ومن خلال الجمال كذلك، نظرا لأن أحاجيه تلك كانت إبداعات جمالية، ولأن مجازاته كانت مذهلة. على سبيل المثال، أي أحد كان ليدين شعائرية الجنائز، ولكن ليس المسيح. بدلا عن ذلك يقول: “دع الموتى يدفنون موتاهم”10 وهذه من ناحية جمالية مقولة بديعة. بل بوسع المرء حتى أن يكتب قصة عن ذلك، هاه؟ عن أناس موتى يدفنون موتى آخرين _ قصة رائعة.

فيراري: بالتأكيد.

بورخيس: وهو دائما ما كان يتحدث هكذا، مثال آخر ما قاله عن رجم امرأة زانية: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر”. هذه ابتكارات لفظية مدهشة لم يدانها شيء من حينها. وكل واحدة استنادا لبليك هي درس في الجماليات. والآن نموذج سقراط هو نموذج مذهل لأنه بالرغم من كونه -على حد علمي- لم يترك سطرا مكتوبا واحدا، فإن لدينا حس ما بشخصيته مفارق لذاك الذي لدينا عن أفلاطون. أفلاطون لا يتماهى مع سقراط_ لسقراط وجوده القائم بذاته، وسيستمر وجوده في مخيلة الجميع.

وفي النهاية لا بد أن يقارن المرء محاورة سقراط الأخيرة مع مشاهد آلام المسيح من (العهد الجديد) … لأن مشاهد الآلام ابتكرت خصيصا لتثير الشفقة.

فيراري: مجابهة الشوكران، ومجابهة الصليب.

بورخيس: نعم، مجابهة الشوكران والمجابهة مع الصليب. لكن سقراط مع ذلك لا يثير شعورا بالشفقة_ يتحدث سقراط وكأن هذه ليست محاورته الأخيرة. وقوة هذه المحاورة تكمن في التناقض الذي نحسه دائما بين المنطق المدهش والأماثيل المدهشة التي يبتدعها سقراط من جانب، وحقيقة أنه يقول كل هذا وهو، حسن، على شفير الموت. بالإضافة لذلك فإن معضلة الخلود بالتحديد هي ذات أهمية بالنسبة له، بما أنه يناقشها وهو يموت_ وبلا أدنى شكوى فإنه يتقبل قدره ويواصل الكلام كما كان يفعل طوال حياته، وهو ما تفوق أهميته حقيقة أنه أجبر على شرب الشوكران.

فيراري: لقد بلغ حالة من السكينة سبق أن ذكرت أن على المرء أن يطمح لها في مرحلة معينة من حياته.

بورخيس: حسن، هذا ما أراده سبينوزا بالطبع، لأن سبينوزا عندما يتحدث عن (المحبة الذهنية لله) فإن ما يعنيه هو أن على المرء أن يتقبل مصيره، نظرا لأن كل الأشياء، حسن، منطقية بطبيعتها، لا؟ ويمكننا أن نرى ذلك في النظام الذي اتبعه في كتابه (الأخلاق)، في النظام الهندسي للكتاب. وذلك لأنه رأى أن الكون أيضا صنع بهذه الطريقة، أن الكون بدوره كان منطقيا، أن الكون بشكل أو بآخر صنع بذات منحى هندسة إقليدس.

فيراري: وهو قد تصور أن عمله أيضا كان جزءا من تناغم الكون.

بورخيس: حتما، بما أن حياته وعمله، حسن، وحياتنا وحياة قارئي سبينوزا_ كلها جزء من تلك الألوهة اللامتناهية.

فيراري: بالطبع، واﻵن أنت قلت يا بورخيس أننا فقدنا القدرة عل استخدام العقل والأسطورة في ذات الوقت، لكنك أنت شخصيا لم تفقد هذه القدرة، إن جاز لي أن أقول هذا.

بورخيس: لا… لا أدري إذا ما كنت قد استطعت استخدام المنطق في أي وقت في حياتي، أما فيما يتعلق بالأسطورة فقد ابتكرت أساطير متواضعة، حسن، أمثولات متواضعة لنقل. وعامة يفترض المرء الآن أن ثمة نوعين من الكتب. حتى في حالة أرسطو… أرسطو فقد القدرة الأسطورية تماما، على الرغم من استخدامه المثير للإعجاب للمنطق، لا؟ أما أفلاطون فقد احتفظ بهذه القدرة، وثمة كتب بأكملها عن أساطير أفلاطون_ كأسطورة أطلانطس مثلا.

فيراري: أعتقد أنه من الخطير لحد بعيد أن تفقد تلك القدرة التي حازها سقراط وأفلاطون.

بورخيس: يجب أن يوجد الأمران جنبا إلى جنب؟

فيراري: نعم، من الخطير أن تكتفي فقط بالممارسة الأرسطوطالية.

بورخيس: نعم، نحن الآن نبتدع إما كتابة مجردة أو أمثولية، أعني مجازية، وهو الشكل المصغر للأسطورة. لكن في النهاية هما أسلوبان متباينان.

فيراري: بالطبع، ثمة مقولة عند سقراط، أعتقد أنك ستحبها: “أنا لا أخاطب إلا الأفراد،”

بورخيس: الفرد هو الشيء الحقيقي الوحيد. أستخدم تلك الحجة لأكتسب الثقة عندما أكون على وشك إلقاء خطاب. أفكر: حقيقة أن ثمة 500 من معاصري هنا ليست مهمة، بما أنني لا أخاطب وحشا متعدد الرؤوس. لا، أنا أخاطب كل واحد من هؤلاء الأفراد. حتى ولو كنت أتكلم أمام 500 شخص، فكل منا إنسان، كل واحد منهم وأنا بالمثل. لكن بالطبع فإن الفرد مفهوم رفضه هيوم، رفضه بوذا، وبين ظهرانينا رفضه ماسيدونيو فيرنانديث (يضحك). أعتقد أن أحد أول الأشياء الواردة في سفر التعاليم البوذية (محاوارات الملك ميليندا)11 والتي يعلمها الراهب للملك – والتي ستغدو في النهاية جوهر الإيمان البوذي – هي أن الذات لا وجود لها. وهي الفكرة التي سترتبط بعد ذلك بهيوم وشوبنهاور، وهي كما أعتقد ذات الفكرة التي توصل لها ماسيدونيو فيرنانديث بطريقته الخاصة.

فيراري: نعم، حسن، لدينا متصوف هندوسي هو أوروبيندو12، وهو يقول أنه لا وجود لثورة أو تطور في المجتمع ما لم يتغير أو يتحسن كل فرد فيه.

بورخيس: نعم، أعتقد أن في ذلك ميل لتضخيم أهمية الدولة. ليس فقط الدولة_ فكل شخص يفترض أيضا أن البلد يعتمد على حكومته. لكن الحكومات ليست بتلك الأهمية، ربما الشيء المهم هو الأفراد، كل واحد منهم، أو كل طريقة من طرق عيشهم. حسن، لنأخذ مثالا خطر لي الآن_ فلنفترض أن سويسرا كانت مملكة وأن السويد كانت جمهورية، هل كان ذلك ليغير في أي منهما بأي شكل؟ لا أظن ذلك، ها؟

فيراري: الأمر يعتمد ببساطة على المواطنين.

بورخيس: ولهذا أقول أن أشكال الحكومات الأخرى… نحن الآن نميل لتصديق أن كل ذلك مهم، ولكنه ربما ليس بهذه الأهمية، وهو ما يقود أيضا للافتراض الخاطئ بأن الحكومة ملومة على أخطاء الجميع… ربما كانت الحكومة بذات ارتباكنا، هذا هو التفسير الأقرب للصواب.

فيراري: وهذا هو السبب، إذا تذكرنا سقراط، الذي دفعه لتكريس حياته لتعليم الناس كمواطنين.

بورخيس: نعم.

فيراري: لأن المرء إذا لم يتعلم كمواطن، فمهما كانت جودة الحكومة فإن المجتمع لن يكون بوسعه أن (يعمل).

بورخيس: بمعنى، أنه في تلك الحالة، فعلى كل منا أن يعيد تعليم نفسه. وفقط عند ذلك سيكون بإمكاننا أن ننقذ ذلك الفرد الذي نسميه (الأمة).

فيراري: بالطبع.

بورخيس: ومن ثم العالم_ بما أن العالم بدوره مصنوع من أفراد.

فيراري: وربما كان بوسع مثال سقراط أن يعيننا.

بورخيس: نعم، في حالة سقراط يفكر المرء بالتحديد في تلك المحاورة الأخيرة، ولكن على المرء أيضا أن يفكر في حياة سقراط بأسرها.

الهوامش:

1 يعني بالطبع كتاب الأناجيل الأربعة (القانونية): متى ومرقص ولوقا ويوحنا، إذ يمكن في واقع الأمر النظر للإنجيليين الأربعة باعتبارهم كتابا لسيرة حياة المسيح، ناهيك عن أن كلا منهم قد أسبغ على روايته لوقائع حياة المسيح وكرازته وصلبه طابعا (دراميا) بعينه.

فمتى – على طريقة سوفوكليس – يصور ‘المسيح ملكا’، ولذا يبدأ إنجيله بنسب المسيح للملك داؤود: “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داؤود ابن إبراهيم” متى 1:1.

ملكوت المسيح عند متى أرضي كما هو سماوي، والمسيح عنده أمير عبراني يتحدر من سلالة ملكية ويطمح لاستعادة عرش داؤود (وهي للمفارقة ذات التهمة المبطنة التي كاد له بها سادة السنهدرين عند بيلاطس البنطي، والتي تنبه المسيح مرارا لمحاولتهم لتوريطه بها وأحسن مراوغتها بعبارته الشهيرة: دعوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله).

إهتم مرقس بتصوير المسيح ‘الإنسان’، ونرى المسيح في إنجيل مرقس يكثر من وصف نفسه ب ‘ابن الإنسان’.

يفتتح لوقا إنجيله بمطلع تقريري بديع مفارق لنبرة بقية الأناجيل، ويذكر على نحو مبهم بمطلع ‘دون كيخوته’: “إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا منذ البدء الذين كانوا معاينين و’خداما’ للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به.

كان في أيام هيرودوس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا …” لوقا 1: 1-5.

وبرغم أن لوقا يصف من يروي عنهم بأنهم ‘خدام’ للكلمة إلا أنه يعرض المسيح بوصفه ‘خادما’ للبشرية.

اشتهر يوحنا بوصف ‘اللاهوتي”، إذ يكاد إنجيله أن يكون مكرسا بالكامل للاهوت المسيح، للمسيح ‘الإله’، ويتبدى هذا بجلاء في المطلع الملغز والمحير لإنجيله على نحو فريد: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه”. يوحنا 1: 1-5.

وتقف الرموز الإكليروسية لكل من منهم شاهدا على طبيعة ‘كنايته’ عن المسيح: إذ يرمز لمتى بالأسد، ولمرقس بالإنسان، وللوقا بالثور، وليوحنا بالنسر.

2 جيمس بوزويل هو واضع بايوجرافيا واسعة الشهرة لدكتور جونسون – صاحب القاموس الأعظم أثرا على الإنجليزية قبل عصر قاموس أوكسفورد – وهي على شهرتها كانت دوما مثارا للجدل بين من يرونها عملا عظيما مؤسسا لهذا الضرب من الأدب، ومن يجدون في شخص بوزويل مثالا جديرا بالسخرية والهزء كرجل متواضع القدرات نقل عن حياة رجل عظيم ما كان في متناول فهمه هو لا ما كان أقرب للحقيقة، (وهو ما عبر عنه بيرتراند رسل بشكل أكثر توفيقا عن علاقة زينوفون بسقراط).

وفي فصل دراسي للأدب الإنجليزي درسه ‘بروفيسور’ بورخيس بجامعة بوينوس آيريس بين عامي 66 و67 خصص محاضرة لعلاقة بوزويل بسامويل جونسون، والبايوجرافيا التي كتبها عنه، وتباين آراء النقاد حولها، ولنا أن نورد منها هذه الفقرة:

“ثمة أمر بالغ الغرابة بصدد بوزويل، أمر قد فسر بطريقتين مختلفتين، وسأعرض هنا لوجهتي النظر اللتين هما على طرفي نقيض: إحداهما للمؤرخ وكاتب المقال الإنجليزي ماكولاي والذي خطها حوالي منتصف القرن التاسع عشر. والأخرى لبيرنارد شو، كتبها على ما أعتقد حوالي 1915 أو شيء من هذا القبيل. ثم لدينا طيف واسع من الأحكام يتراوح بين وجهتي النظر هاتين. ماكولاي يقول أن تفوق هومير كشاعر ملحمي وشكسبير كشاعر درامي، وديموثينيس كخطابي، وسيرفانتس كروائي لا يتطرق إليه الشك كحال تفوق بوزويل ككاتب سيرة. ثم يزعم أن تفوق كل هذه الأسماء البارزة من جهة مرده للموهبة والذكاء، وأن الأمر الغريب بصدد بوزويل هو أن مرد تفوقه لحماقته وتناقضه وكبريائه. ثم يورد سلسلة من الأمثلة تظهر بوزويل كشخصية بلهاء. ويقول أن هذه الأمور لو حدثت لشخص غير بوزويل لتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه، أما بوزويل فقد كرس نفسه لنشرها …”

أما عن رأي بيرنارد شو عن بوزويل وكتابه عن دكتور جونسون فهو تقريبا تكرار بالحرف لما يذكره هنا عن سلالة الدراميين الرسوليين التي تحدث عنها شو.

3 لا نعرف أصلا من هؤلاء الدراميون الذين يفترض بورخيس أننا نعرفهم جيدا.

4 شأنه شأن كارل يونج بالضبط كان كارل جاسبرز عالم نفس ألماني-سويسري مولعا بالفلسفة واللاهوت، أما حقله الفلسفي المذكور فهو على الأرجح الكتاب الذي عنونه بهذه الأسماء الأربعة ذاتها: ‘سقراط، بوذا، كونفوشيوس، يسوع’.

5 تعزى مختارات كونفوشيوس أو ال’لون يو’ لما يعرف بالكلاسيكيات الصينية الخمس – أو الأربع! – وفي قسط وافر منها يتلمس كونفوشيوس – أو تلامذة مدرسته على الأرجح – سبل استقرار المجتمع ورفاهه من خلال الالتزام بروح من الفضيلة والوئام يسميها ‘رن’.

6 كان جورجياس السفسطائي – الذي كان يسميه خصومه بجورجياس العدمي – يزعم أن بوسعه الإجابة عن أي سؤال مهما كان، ولكنه بالمثل كتب كتابا سماه ‘كتاب اللاوجود’ سعى لينفي فيه وجود أي شيء، وإنه إن وجد فلا سبيل لمعرفته، وإن عرف فلا سبيل للحديث عنه أو شرحه للغير.

7 يعطي ميلتون بالفعل في ‘الفردوس مفقودا’ ثقلا مهما لقوة البيان وفصاحة المحاجة وإن كان يربطها دوما بسياق متصل بالشيطان.

في عاصمة الجحيم ‘بانديمونيوم’ التي ينفى إليها ثوار الملائكة من السماء يلجأ الشيطان إلى قوة حجته وبراعته الخطابية ليجمع من حوله جيشا من هؤلاء الملائكة المنفيين يخوض بهم حربه ضد السماء، ويستخدم بلاغته بالمثل لإقناع حواء بالأكل من شجرة المعرفة في جنة عدن.

وتكون عقوبة الشيطان على ذلك – بالإضافة لمسخه لحية – أن يفقد قدرته على الكلام.

وفي واقع الأمر فإن ميلتون – قصد أم لم يقصد، على خلاف دام قرونا بين شراحه ونقاده – قد جعل من شخصية الشيطان الأشد جاذبية من بين كل شخوص ‘الفردوس مفقودا’.

8 نال ألكسندر بوب شهرته من خلال ترجمتيه الشهيرتين المنظومتين للإلياذة والأوديسة، إلا أنه بالمثل من أهم نقاد وشراح ميلتون في ‘الفردوس مفقودا’ و’الفردوس مستعادا’.

9 تكاد تكون موضوعة قصيدة ‘النمر’ لويليام بليك هي ذات موضوعة ‘الفردوس المفقود’ .. أي جاذبية الشر وحتميته ومنطقه المحكم.

وضع ويليام بليك بالمثل رسوما illustrations بديعة لمنظومتي ميلتون، تعد من الأجمل في تاريخ اقتران الكلمة بالصورة، والعلائق والصلات التي تربط ميلتون ببليك هي موضوعة محببة لا يتسع لها المجال.

10 متى 22:8، ويعلق القديس أوغسطين على هذا المقطع قائلا: “ويرقى ذاك للقول: قد مات أبوك، إلا أن أمواتا غيره يجدر بهم دفن موتاهم، إذ أنهم لا يؤمنون”.

ويضيف – في غير ما حاجة – نافيا تناقضا عن له عن وقائع سرد هذه المقولة للمسيح بين متى ولوقا: “يروي متى أن هذا قد وقع عندما أمرهم المسيح بالذهاب للبحيرة، ولوقا يروي أنه وقع عندما كانوا في الطريق، وليس في هذا من تناقض، لأنهم لا بد كي يصلوا للبحيرة أن يسيروا في طريقها”.

وهو ابتزاز للبداهة لا تقتضيه أية حاجة كما أسلفنا.

11 ‘الميليندا بانها’ هي محاورات بين الحكيم ناجاسينا والملك ميليندا (ميناندر)، حاكم إغريقي لباكتريا (شمالي الهند)، وهي محاورات تذكر بمحاورات أفلاطون، وتحمل طابعا ملتبسا بين البوذية والفلسفة الإغريقية.

وقد يتبدى هذا على سبيل المثال من إجابة ناجسينا على الملك عندما سأله: من هو ناجاسينا؟

فكانت إجابته أن العربة ليست صندوقها ولا عجلاتها ولا دولابها ولا هي كل ذلك ولا أكثر منه، وأنه بالمثل ليس جسده ولا أفكاره ولا عواطفه ولا كل ذلك ولا أكثر منه.

12 سري أوروبيندو مناضل هندي ضد الاستعمار الإنجليزي، إبان إحدى مرات اعتقاله ألمت به رؤى روحية ما فهجر السياسة بعد خروجه من السجن واتجه للروحانيات ودراسة اليوجا.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *