صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

هل كان خروج “يوناميد” خطأ استراتيجيا؟

قوات يومانيد كانت تقوم بحماية النازحين بدارفور

قوات يومانيد في حماية النازحين بدارفور

شارك هذه الصفحة

هذه المرة، يتجدد تقيح جرح دارفور النازف منذ نحو عقدين من الزمان، من جنوب دارفور، وتحديدا على بعد كيلومترات معدودة من شرق عاصمتها نيالا، اذ اسفرت سلسلة هجمات نفذتها مليشيا مسلحة تستغل عربات الدفع الرباعي والدراجات النارية، على ايام، 15 قتيلا -على الاقل، و16 الف نازح ومتشرد وعدد من العالقين في شِعاب الخلاء وعشرات ممن هم في عداد المفقودين، بجانب حرق 15 قرية، كليا أو جزئيا.

تعيد مشاهد القرى المشتعلة وجموع الفارين من آوار القتل الى الاذهان ذات سيناريو جرائم الحرب والتطهير والجرائم الانسانية الذي شهده الاقليم في 2003م وعلى مدى سنوات، مخلفا آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين والمفقودين.

احداث شرق نيالا وبنسق السيناريو الذي جرت عليه تضفي موضوعية متأخرة على  مطالب المئات من نازحي دارفور الذين تظاهروا في ديسمبر 2020م رفضا لخروج قوات البعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي “يوناميد” من الاقليم، فهل كان خروج قوات البعثة المختلطة خطأ استراتيجيا وقعت فيه الحكومة الانتقالية؟

مخاوف النازحين

حرق عدد من القرى شرق نيالا

في 31 ديسمبر 2020م، انتهت رسمياً مهمة “يوناميد”، بعد 13 عاماً من الإنتشار في دارفور،  وتزامن اعلان خروج البعثة مع موجات رفض واسعة خاصة من قبل النازحين واللاجئين الذين ذاقوا كل أشكال المرارات على مدى نحو عقدين، تمثل في التشريد القسري والتقتيل خارج نطاق القانون، وسلب الأراضي، بجانب تفكيك نسيجهم الإجتماعي.

مخاوف النازحين ازاء مغادرة “يوناميد” بأنها ستجعل ظهرهم مكشوفاً أمام المليشيات قد  أصبحت واقعا، فقد بنوا رفضهم –حينها- على عدم قدرة القوات الحكومية على حمايتهم، ولأنها بالنسبة لهم ليس بمنأى عن ما تعرضوا له. فقد كان انتشار البعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على اتخاذ “إجراءات قسرية” في حال كان السلام مهددا، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء إلى القوة، وذلك، بخلاف مهمة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان المعروفة اختصاراً بـ”يونتاميس” التي بدأت مهمتها في الأول يناير 2021م، بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

حماية المدنيين

الآن، تشير اصابع المتضررين بقرى بليل، الى اتهام السلطات بالتقصير  في حمايتهم لا سيما وان الاحداث قد جرت تحت مراى ومسمع من قوات نظامية أشار البعض الى اتهامها بالتواطؤ  بل ضلوعها في الأحداث، وهو ما أكدته المنسقية العامة لمعسكرات النازحين، بقولها “إن الانتهاكات البشعة جرت امام مرأى ومسمع القوات الأمنية السودانية، التي تتمركز بالقرب من مناطق الأحداث، دون ان تتحرك لوقف الجرائم”، لكن كيف ذلك؟

بحسب الرواية الرسمية للجنة امن الولاية برئاسة الوالي حامد هنون، فإن الاحداث بدأت الاربعاء الماضي، عندما حاولت مجموعة من الرعاة يمتطون جمال نهب محتويات (تكتك) يستغله عدد من مواطني قرية “أموري”، قتل في العملية مواطن وجرح
آخر، وأضاف بيان للجنة الامن “تم تحريك قوة مشتركة إلى موقع الحادث من  محلية بليل  وتم القبض على احد المتهمين وتم تدوين بلاغ بالرقم 1256 تحت المواد 20/130/175  من القانون الجنائي”.

وأضاف البيان “بتاريخ الخميس 22/12/2022م وعلى خلفية هذا الحادث تحركت مجموعة من مواطني قرية اموري فى شكل فزع اهلي إلى موقع الحادث الاول واشتبكوا مع بعض الرعاة وافادت المعلومات عن مقتل احد الرعاة وإصابة اخر”.

“فى الساعة السادسة من صباح الجمعة 23/12/2022م بدأت مجموعة من الرعاة يمتطون الابل والمواتر بالهجوم على قرية أموري تم حرق القرية ومقتل 4 من المواطنين وجرح عدد 3 اخرين”، تقول لجنة امن الولاية التي مضت “إمتدت الأحداث بشكل عشوائي على كل من قرية (حميضة ،سيموا، ام شطير) وتم حرق جزئي لهذه القرى ونهب عدد من المحالات بقرية أربعاء جميزة ومحاولة الدخول الى كل من قري (ابو عضام، فاشا وغبشة)، وامتداد للأحداث تم قتل مواطن اثناء إحتجاجات من بعض المواطنين في  طريق الفاشر نيالا.

على مدى خمسة ايام ظلت الهجمات مستمرة ما أدى لنزوح أكثر من 16 ألف شخص، وفقا لبيان  صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية (أوتشا)، ورغم فرض السلطات بجنوب دارفور حالة الطوارئ وحظر التجوال في محلية بليل وتفويض القوات النظامية بحسم المتفلتين،  والدفع بتعزيزات عسكرية قوامها 57 مركبة كاملة العتاد وقوة مكونة من 400 جندي من القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة والمخابرات  إلى المناطق المتأثرة، والاستعانة بالطيران العسكري في مهمات الاستطلاع، الا ان المليشيا واصلت تنفيذ جرائمها.

فبعد أقل من اسبوع على احداث بليل وبذات السيناريو، تشهد مدينة زالجني هجوما لمسلحين، قاموا بقتل 9 اشخاص وحرق سوق (مرين) بمعسر الحميدية للنازحين، على تخوم مدينة زالنجي، ووقعت الاحداث ايضا على مراى ومسمع من القوات النظامية.

حرق سوق مرين بزالنجي.

محصلة تلك الاحداث مروعة بالنسبة لنازحي دارفور الذين كابدوا عقدين من مثل هذه الانتهاكات المستمرة مع عدم وجود اية   مؤشرات على قرب خلاصهم، رغم توقيع اتفاق السلام في جوبا في اكتوبر 2021م، الذي نص على انشاء قوات لحماية المدنيين في الاقليم وعودة النازحين واللاجئين الى قراهم التي فروا منها.  

جرائم حرب

تقول المنسقية العامة للنازحين في بيان ان ما حدث في محلية بليل بشرق نيالا، يرتقي الى جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، مشيرة الى ان الاوضاع الامنية في الاقليم لا تزال تشكل خطرا دائما على حياة جميع النازحين والمواطنين، وتنذر بوقوع كارثة انسانية، لا يُحمد عُقباها.

ازاء الاحداث المستمرة بالاقليم، تكتفي بعثة الامم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، “يونتاميس”، بالادانة وحثت اطراف النزاع على وقف العنف بشكل فوري، وذلك جريا عند حدود تفويضها، لكن اطار التفويض  الذي يتمحور بالاساس حول تقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي، يتسع ليشمل دعمُ مسارات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، وتنسيق المساعدات الانسانية، بجانب تقديم العون لبناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون وعلى وجه الخصوص في دارفور وفي المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).

حثت “يونتاميس” في تغريدة على موقعها الرسمي بـ”تويتر” السلطات على اتخاذ تدابير اقوى لحماية المدنيين في اقليم دارفور، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ومحاسبة الجناة.

ووفقا للامم المتحدة يعيش 292 ألف شخص في محلية بليل، منهم 246 ألف فردا بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2023، وسط توقعات بوصول 43 ألف شخصا من سكان المحلية إلى أزمة فوق مستويات انعدام الامن الغذائي.

أطلقت الامم المتحدة كذلك، تحذيرات جدية، من تجدد أعمال العنف القبلي في قرى منطقة بليل، واشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا”، الى هدوء في الاوضاع بعد نشر قوات الامن، لكن لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه.

نساء في دارفور بحاجة للحماية

فالاوضاع الانسانية –حسب المنسقية- التي يعيشها الفارون جراء الهجمات قاسية، لاسيما أن بينهم أطفال ونساء وكبار سن، وقيادات أهلية، إضافة إلى عدد من الأشخاص لا زالوا في عداد المفقودين.

وحسب مصادر تحدث لـ”الحداثة” فإن النازحين بحاجة الى خدمات إنسانية طارئة كالطعام والمياه والأغطية والمأوي والدواء والعلاج.

اندلع النزاع بين الحكومة في المركز والحركات المسلحة في دارفور عام 2003 وخلف بحسب احصاءات الأمم المتحدة 300 ألف قتيل، وتسبب في تشريد 2,5 مليون شخص، وفقا للمنظمات الدولية.

وفي 2009 اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس المخلوع عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، ثم اصدرت في 2010 مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب ابادة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *