صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

هل تباع أراضي “حلفا” لمرتين؟

شارك هذه الصفحة

أصدرت السلطات المختصة في الولاية الشمالية، المجاورة لمصر، قرارا بنزع الأراضي الزراعية وأراضي الإطماء في مدينة حلفا من الجمعيات التعاونية الزراعية التي يمتلكها ويديرها الأهالي، في مقدمة لطرحها لمستثمرين.

ويخشى الأهالي في المدينة من تكرار تجربة تهجير أسلافهم بعيد إنشاء السد العالي بواسطة جمال عبد الناصر، وإغراق بحيرة السد للمدينة القديمة عام 1964م.

بالنسبة لمن تمسكوا في الماضي بالبقاء في وادي حلفا، حتى بعد أن هاجرت غالبية الأسر وغرقت المدينة بتاريخها في بحيرة السد، لا يمكن أن تعوض الأراضي التي انحسرت عنها البحيرة ما خسروه بسبب الإغراق، لكنهم يرفضون أن تنزع من جمعياتهم الزراعية التي تضم القرى المتبقية لتمنح لمستثمرين.

تقول، أضواء كاشف، العضوة في اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية، إن التمسك بالأرض يعني التمسك بالتاريخ والهوية، لذا فإن قضية أراضي حلفا القديمة بالنسبة لأهلها أبعد ما تكون في دلالتها عن قضية أراضي زراعية وحسب، وتذكر كاشف بمراراة التهجير وإغراق المدينة من أجل بناء السد العالي.

حلفا نفسها كمدينة “كان يخطط لها أن تختفي بمجرد تهجير أهلها إلى حلفا الجديدة بشرق السودان، لكن إصرار بعض أهلها على رفض التهجير والتمسك بأرضهم في ظل اسوأ ظروف يمكن أن يحتملها البشر، هو ما أبقى على وجود وادي حلفا في الوجود، وأجبر الحكومات المتعاقبة على الاعتراف بحقها وحق أهلها في الوجود”، تضيف أضواء كاشف.

وبعد تهجير سكان وادي حلفا في العام 1964، بعد بناء السد العالي، رفض الآلاف المغادرة إلى حلفا الجديدة، وقرروا الصعود إلى مناطق أعلى، وتحدوا حتى قرارات حكومية بوقف تقديم الخدمات الأساسية لمن يرفض التهجير.

التطور الأبرز في موقف الحكومة بشأن من تمسك بالبقاء في حلفا، كان عبر (هيئة تعمير وتطوير وادي حلفا)، إبان نظام الرئيس الراحل جعفر نميري، لكن القرار الذي حفظ حقوق الأهالي في ما تبقى من الوادي، كان في العام 2006 في أعقاب اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) وقضى بأن تخصص جميع الأراضي شرق وغرب المدينة حتى حدود 10 كيلومترات لأهلها، ليتوج القرار جهود مستمرة لعقود من أجل حفظ حقوق سكانها.

وتشير أضواء كاشف إلى أن من رفضوا مغادرة وادى حلفا بعد التهجير، وتمسكوا بالبقاء في ما تبقى من أرضهم، رغم إيقاف الحكومة تقديم كل الخدمات، يواجهون اليوم محاولة ثانية لتجريدهم من الأرض والمدينة من خلال قرارات النزاع لأجل طرحها لمستثمرين.

في يناير من هذا العام، أصدرت وزارة الزراعة قرارا بنزع الأراضي الزراعية في حلفا من الجمعيات الزراعية التعاونية التي يمتلكها الأهالي، ومُنحت لجنة الأراضي الزراعية، وهي جهة حكومية، حق تخصيصها، ما يفتح الباب لطرحها للاستثمار، وسط رفض واسع في المدينة.

والأراضي محل القرار، هي آخر ما تبقى للأهالي من أراض زراعية في وادي حلفا وحول بحيرة النوبة، بعد أن غمرت مياه السد العالي في الماضي كل الأراضي الزراعية وأشجار النخيل التي اشتهرت بها حلفا، وتقدر مساحة أراضي الإطماء حول البحيرة بنحو نصف مليون فدان، تزيد أو تنقص تبعا لحجم المياه في البحيرة.

الطبيعة المتغيرة لهذه الأراضي عالية الخصوبة، بسبب نقص أو زيادة المياه في البحيرة، دفع اتحاد الجمعيات إلى اعتماد المرونة في استخدامها وزراعتها على مدى سنوات، لأنها بنهاية الأمر هي كل ما يتوفر لأهل المنطقة.

ما يدعو للتساؤلات بشأن مسوغات قرار النزاع الذي صدر حديثا، هو أن وزارة الزراعة في الولاية الحدودية، وهي ذات جهة الاختصاص، كانت قد أصدرت في العام 2006 قرارا يحفظ حقوق الأهالي، وقضى بتخصص الأراضي الرسوبية عالية الخصوبة حديثة التكوين حول بحيرة النوبة، في المنطقة من (اشتكيت) شمالا وحتى قرية (دال) جنوبا بالضفتين، لمواطني المنطقة وأبنائها العائدين والمقيمين بحلفا القديمة والجديدة.

القرار الذي حمل رقم 14 في ذلك العام، كان يهدف بحسب الوزارة، للتماشي مع سياسة الولاية في تشجيع العودة الطوعية لأبنائنها داخل وخارج السودان، وجعلها جاذبة ومهيأة لاستقبال العائدين، وتوفير سبل العيش الكريم لهم.

وعادت الوزارة لتصدر قرار في العام 2013، بنزع هذه الأراضي من أهل حلفا، على أن تخصصها هي بمعرفتها، ولم يتم تنفيذ هذا القرار بعد احتجاجات ومناهضة شرسة من الأهالي.

يقول الأهالي إن دوافع نزع هذه الأراضي الآن، هو طرحها للاستثمار دون اعتبار لأهل حلفا الذين يعتمدون عليها في كسب العيش، وفي ظل عدم وجود بداثل أخرى يمكن الاعتماد عليها.

الأهالي يشكون في الأساس من تغول عمليات التعدين على جميع الأراضي المتاحة لهم، حتى الأراضي الزراعية القليلة المتوفرة، فما البدائل المتوفرة لكسب العيش على ضوء نزع أراضيهم الزراعية؟

أضواء كاشف تقول إن الجمعيات التعاونية تمثل الأهالي، وأن نشأتها متصلة بعملية التمسك بالأرض والتاريخ من خلال البقاء في حلفا، والتكيف مع الظروف الصعبة التي واجهت من رفضوا التهجير.

توضح أن اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية، اضطلع بمهام الحفاظ على الأرض وتسجيلها وحصر القرى وتحديد الفواصل بينها، والتي بكل منها تعاون وجمعية زراعية متعددة الأغراض، وأن هذا التماسك ساعد الأهالي سابقا في التصدي لمحاولات النظام البائد، انتزاع أراض وتخصيصها لمستثمرين، من خلال كافة أشكال المناهضة ومن بينها القانون.

“لكن اليوم تجري محاولة أخرى لنزع أراضي حلفا من أهلها، دون اعتبار لما عانوه في الماضي، وما واجهوه حتى تظل حلفا باقية، ولن يسكت عليها الأهالي”، تضيف أضواءكاشف.

 

أهالي حلفا القديمة يرتبون صفوفهم عبر جمعياتهم التعاونية، وأجسامهم المدنية المختلفة لمناهضة القرار الجديد، تحت شعار “حلفا لن تباع مرتين”. وبعض التسريبات المتداولة حول مسوغات القرار تفيد بأن الجهات المختصة في الولاية الحدودية، ستطرح مساحات ضخمة للاستثمار، وبعض الأراضي ستستغل في مشاريع تم الاتفاق عليها مسبقا مع شركاء محليين ومن دول الجوار.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *