أمهل الأهالي في وادي حلفا السلطات 10 أيام لتنفيذ قرارها بالتراجع عن نزع أراضيهم الزراعية، بجانب تنفيذ بقية مطالب المذكرة التي كانوا قد رفعوها، وأعلنوا نيتهم العودة للتصعيد حال لم تتم الاستجابة.
وشهدت منطقة وادي حلفا، المتاخمة للحدود مع مصر، احتجاجات استمرت لنحو ثلاثة أشهر، على قرار صدر في يناير الماضي من وزارة الزراعة في الولاية الشمالية، بنزع أراض زراعية تخص الجمعيات الزراعية التعاونية للأهالي، ما أدى لتراجع السلطات عن قرار النزاع تحت وطأة الاحتجاجات التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي بإغلاق الطريق لمعبر اشكيت الحدودي مع مصر.
وقالت اليوم الناشطة في المدينة، أضواء كاشف، إن الحكومة أُمهلت 10 أيام فقط لإنزال قرارها الأخير موضع التنفيذ، بجانب تنفيذ المطالب الأخرى لأبناء وادي حلفا، وإلا سيعود الأهالي للتصعيد عبر التتريس الشامل وإغلاق المعبرين الحدوديين مع مصر.
وأوضحت أن الأهالي رفعوا (ترس الصمود) في وادي حلفا بعد صدور قرار الولاية رقم 25 الذي ألغى القرارات السابقة بشأن نزع الأراضي من الأهالي وأيلولتها لحكومة السودان، لكنهم ينتظرون تنفيذ كامل مطالبهم.
وتضيف كاشف أن القرار الأخير الصادر بعد مناهضة مواطني وادي حلفا للقرار 130” ألغي جميع القرارات الصادرة بخصوص أراضي حلفا، ومن بينها 18 و130، وأبقى على القرار 14 القاضي بتخصيص الأراضي الرسوبية عالية الخصوبة لأبناء وادي حلفا وبحيرة النوبة على امتداد ضفتي البحيرة، من اشكيت شمالا وحتى دال شرقا.
وأشارت إلى أن المذكرة التي كان الأهالي قد دفعوا بها إلى السلطات، تضمنت أيضا مطالب أخرى تشمل أبعاد شركات التعدين وأسواقها من حرم المدينة إلى مناطق التعدين الآمن لمسافة تتراوح من 30 إلى 50 كيلو مترا، وتخصيص نسبة من موارد وادي حلفا التي تذهب لخزينة الولاية والخزينة العامة لعملية تعمير وتطوير وادي حلفا، وتشييد البنى التحتية اللازمة، في مقدمتها الصحة والتعليم، بجانب تأهيل الشباب وتدريبهم وإعادة ملكية مصنع أسماك بحيرة النوبة إلى الأهالي بعد أن تغول عليه النظام البائد.
كما تضمنت المذكرة إعادة (جهاز تطوير وتعمير وادي حلفا وبحيرة النوبة)، بكل آلياته السابقة حتى يتولى مهمة تعمير وتطوير المنطقة.
وقالت كاشف إن القرار الجديد لم يبق على القرار 28 القاضي بتخصيص مساحة معينة لأبناء وادي حلفا عبر جمعياتهم الزراعية، والمحددة حصرا بـ 10 كيلو شمال وشرق المدينة، لذلك هناك مساع جارية لتعديل هذا البند والنظر فيه، مشيرة إلى أن السلطات أمهلت 10 أيام لإنزال قرارها الأخير موضع التنفيذ، بجانب تنفيذ المطالب الأخرى لأبناء وادي حلفا، وإلا سيعود الأهالي للتصعيد عبر التتريس الشامل وإغلاق المعبرين وإغلاق المدينة.
وكانت خكومة الولاية الشمالية قد أعلنت الخميس عن تراجعها عن قرار سابق لها، بنزع أراضي “الإطماء ودلتا الحوض النوبي” بمحلية وادي حلفا، بعد احتجاجات للأهالي استمرت لثلاثة أشهر.
الاحتجاجات التي قادها اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية ولجان المقاومة وناشطون في المنطقة، بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، حيث تم إغلاق الطريق المؤدي إلى معبر اشكيت الحدودي مع مصر.
ناهض الأهالي القرار استنادا على أن دوافع نزع هذه الأراضي كان طرحها للاستثمار دون اعتبار لأهل حلفا الذين يعتمدون عليها في كسب العيش، وفي ظل عدم وجود بداثل أخرى يمكن الاعتماد عليها.
وينص القرار الجديد الصادر عن حكومة الولاية، إلغاء جميع القرارات الحكومية السابقة، مع الإبقاء على القرار (14) للعام 2006، وتنفيذ جميع البنود الواردة فيه بحسب أسس منح الأراضي في الولاية الشمالية وضوابطها.
القرار المشار إليه يقضي بحفظ حقوق الأهالي من خلال تخصيص الأراضي الرسوبية عالية الخصوبة حديثة التكوين حول بحيرة النوبة، في المنطقة من (اشكيت) شمالا وحتى قرية (دال) شرقا بالضفتين، لمواطني المنطقة وأبنائها العائدين والمقيمين بحلفا القديمة والجديدة.
والأراضي محل القرار، هي آخر ما تبقى للأهالي من أراض زراعية في وادي حلفا وحول بحيرة النوبة، بعد أن غمرت مياه السد العالي في الماضي كل الأراضي الزراعية وأشجار النخيل التي اشتهرت بها حلفا، وتقدر مساحة أراضي الإطماء حول البحيرة بنحو نصف مليون فدان، تزيد أو تنقص تبعا لحجم المياه في البحيرة.
الطبيعة المتغيرة لهذه الأراضي عالة الخصوبة، بسبب نقص أو زيادة المياه في البحيرة، دفعت (اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية) إلى اعتماد المرونة في استخدامها وزراعتها على مدى سنوات، لأنها، بنهاية الأمر، هي كل ما يتوفر لأهل المنطقة.
يأتي التطور في ظل موجة من الاحتجاجات شملت مناطق مختلفة في البلاد، بسبب الطريقة المتبعة من حكومة انقلاب 25 أكتوبر في تخصيص الموارد، وأبرزها الأراضي الصالحة للزراعة ومواقع التعدين.
ودرج الأهالي في المنطقة النوبية التي تقع شمال الولاية، على تنظيم احتحاجات على قرارات حكومية غالبا ما تتصل بتخصيص الأراضي، أو التأثيرات المدمرة لعمليات التعدين على البيئة.
ويقول نائب المنسق العام للجنة التمهيدية لمناهضة التعدين في المنطقة النوبية، وائل حسن، إن المشاكل التي يواجهها الأهالي لا تقف عند محاولة انتزاع الأراضي القليلة الصالحة للزراعة مثلما حدث في وادي حلفا، بل تشمل المخاطر الناجمة عن عمليات التعدين الواسعة باستخدام مختلف السموم على البيئة، ورفض الشركات العاملة والمعدنيين حتى الالتزام بالضوابط الحكومية ذات الصلة، في ظل حراك شعبي مناهض يدفع يوميا تكلفة هذه المناهضة.
المتابع الأوضاع في المنطقة النوبية، وفقا لوائل، يشعر بأن هنالك استهداف ممرحل ومتواصل، فقبل قضية الأراضي والتعدين كانت هناك حرائق النخيل ومشاريع السدود، واليوم تواجه المنطقة النوبية أيضا زيادات غير معقولة في تكلفة كهرباء المشاريع الزراعية ورسوم المياه التي لم تدفع الدولة أصلا ولو مليما في كلفة توصيلها.
كل هذه الأوضاع كما يشير، ساهمت في ارتفاع الوعي بالمخاطر التي تحدق بالمنطقة، وساهمت في زيادة الحراك الشعبي المقاوم لها، وعمليات الضغط الذي يمارس من أجل الانتصار لقضايا المنطقة وإيصال صوت الشارع النوبي، حتى تظل النوبة باقية ولا يتكرر التاريخ مرة أخرى في ظل هذا الجيل.