صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

مواكب الثورة.. ماهو صحيح وخطأ.. أو محتمل

الخرطوم 13 ديسمبر

شارك هذه الصفحة

أحصى الدكتور عمرو محمد عباس أكثر من ألف نشاط سلمي جرت وقائعها خلال السنة الماضية، كانت جميعها موجهة لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه قائد الجيش.

وإذا كانت بعض هذه الأنشطة عبارة عن وقفات احتجاجية واعتصامات مؤقتة فإن النشاط الغالب كان هو المواكب السلمية المتكررة في الشوارع. وهي نزعة فريدة امتازت بها الثورة السودانية، واستمرت لأكثر من أربع سنوات برغم القمع المفرط الذي راح ضحيته أكثر من 120 شهيدا وآلاف الجرحى خلال السنة الأخير فقط. والآن تستعد البلاد لمواكب واسعة ليوم غد.

هذه النزعة الثورية السلمية ستدخل سنتها الخامسة. لذا، طلبت (الحداثة) من أساتذة علوم سياسية في الجامعات ومحللين سياسيين قراءة هذه المواكب وهي مقبلة على سنتها الجديدة وأمامها (اتفاق 5 ديسمبر) الموقع بين قوى الحرية والتغيير وقادة الانقلاب. قدمت (الحداثة) بعض الفرضيات.. إليكم ما تفضل به الكتاب:

بعد (اتفاق 5 ديسمبر) تجد قوى الحرية والتغيير خصومتها في المواكب

صحيح إلى حد ما. ومع أن الأدوات السياسية لقوى الحرية والتغيير، وحسب ما هو معلن من قياداتها هي أن المواكب وزخمها في الشارع هي إحدى أدواتها لإدارة العملية السياسية كما تسمي بذلك الاتفاق الإطاري الموقع أخيرا. ولكن في داخلها قد يكون لدى بعض الأطراف رأي فيها، وهو أن المواكب قد تكون إحدى مصادر التشويش على العملية السياسية، وبالتالي، الوصول إلى اتفاق نهائي، وقد تفكر بأن الطرف الآخر، العسكريين، قد لا يطمئنون لها في مفاوضاتهم من أجل خروجهم من المشهد، أو القبول بالحد الأدنى من الاتفاق، والدليل على ذلك هو الأحاديث والتصريحات المتداولة في الخطابات الأخيرة لقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان في تنويره لبعض جنود القوات المسلحة.

د. أسامة النور. كاتب مقالات ومحلل سياسي

خلقت المواكب وعيا سياسيا جديدا له تأثيره المستقبلي

صحيح. ويمكن القول إن المواكب الاحتجاجية لثورة ديسمبر، أعادت تعريف الفعل السياسي بوصفه تركيبة من تركيبات وعي سياسي جديد، تنتجه تشكيلات ثورية- قاعدية أكثر من كونه مد جماهيري- كتلي تتحكم فيه مواقف أيديولوجية جوهرانية وثابتة تجاه عمليات التغيير والبناء والتأسيس.

إن الطابع النسقي المتنوع للمواكب المندلعة على مدى سنوات، لا يحررها فحسب من كونها شكل احتجاجي- خارجي لوعي سياسي في طور التشكل الجنيني، بل يؤكد أيضا على أنها شكل من أشكال التأسيس السياسي المستقبلي المستمر، للقطيعة بين ثقافة سياسية كانت سائدة وأخرى في طور التلبور والتشكل الجنيني.

وفي كل الأحوال، لا تستمد المواكب قوتها الذاتية والزمنية من كونها تجميعات عفوية لفاعلات وفاعلين سياسيين جدد، فحسب، ولكن أيضا تستمد قوتها من تحول هذه التجميعات إلى تركيبات لعلاقة جديدة بين الفاعل وجسده ووعيه السياسي، وهي تركيبات تحمل في طياتها مستقبل سيدوم طويلا حتى لو انقطعت لحظته الحاضرة عن ماضي متجدد ومستقبل لن يأتي أبدا.

معز الزين. كاتب وباحث بمركز الأيام للدراسات

الاتفاق السياسي الإطاري الموقع أخيرا (5 ديسمبر) سيقلل من حركية المواكب وتأثيرها

ربما. ومن وجهة نظري، هناك ثلاثة سيناريوهات ستتحكم في درجة تأثير الاتفاق السياسي الإطاري على الحراك (المواكب)، كما ونوعا. السيناريو الأول هو: إذا تم تفاهم استراتيجي (معلن/ أو غير معلن) ما بين الشارع الثوري والأطراف المدنية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري؛ فإن هذا التفاهم يمكن أن يؤثر ايجابيا على قوة واستمرارية المواكب وحمايتها. والسيناريو الثاني هو: كلما زادت الخلافات في وجهات النظر والاستراتيجيات ما بين الشارع الثوري والأطراف المدنية الموقعة، وتصدع الأخيرة سيعطي الفرصة للقوات الأمنية المزيد من الذرائع لقمع المواكب وتجريب أدوات جديدة من القمع مما سيؤثر سلبا على المواكب من ناحية الكم الموجود في الشارع. أما السيناريو الثالث فهو: استغلال المواكب من قبل المجموعات الرافضة للانتقال الديمقراطي وتلك التي لها مصلحة في الوضع الراهن (اختراق المواكب بدس عناصرها وتشويه الشعارات وجر الشارع عن النهج السلمي للمقاومة… إلخ) وهذا السيناريو هو الأخطر؛ لأنه قد يوثر على المواكب كما ونوعا. سيناريو أخير قد يفشل الاتفاق السياسي الإطاري نفسه، وهذا له تبعاته، سلبا وإيجابا.

د. آفاق محمد صادق. أستاذة العلوم السياسية بجامعة بحري

ستمهد المواكب إلى العصيان والإضراب السياسي

خطأ. لأن العصيان المدني حاليا يتطلب وجود قيادة سياسية شعبية تتولى التخطيط المناسب لاتخاذ الخطوات السياسية المناسبة لإكمال أهداف الثورة. وفي الواقع؛ جرب السودانيون العصيان المدني والإضراب السياسي في مراحل متعددة من تاريخهم السياسي، بما في ذلك العصيان المدني الذي تم في العام ٢٠١٦ ضمن الجهود السياسية لإسقاط نظام الإنقاذ، وربما نجح بشكل محدود، وهذه المحدودية كانت بسبب القيادة المجهولة التي دعت إلى ذلك العصيان في ذلك الوقت.

إحصائيا، أقام السودانيين نحو ألف نشاط سياسي، أو أكثر قليلا، لإسقاط الانقلاب الحالي، بما في ذلك المواكب والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات. كل ذلك تم في سنة واحدة هي السنة التي سيطر فيها انقلاب 25 أكتوبر. وفي تقديري أن هذه الأنشطة يمكن أن تتوج بعصيان مدني وإضراب سياسي شامل إذا توفرت القيادة السياسية الشعبية، غير الحزبية، لتتولى تنسيق الأمر مع بقية القطاعات. ويبدو لي أن لجان المقاومة قادرة على ذلك، وعليها أن تمضي إلى ما هو أبعد من قيادة المواكب.

د. عمرو محمد عباس. كاتب ومحلل سياسي

غيّرت قوى الحرية والتغيير اسمها إلى (القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري) ما يعني أنها ستغير نظرتها للمواكب

خطأ. بشكل أو آخر، تعد المواكب والمسيرات بمثابة أداة سياسية لقوى الحرية والتغيير نفسها في أدارتها للتفاوض، وفي محاولة دفعها لقضايا التحول الديمقراطي وأهداف ثورة ديسمبر. أنا لست مع الرأي الذي يحاول إبعاد قوى الحرية والتغيير من المواكب والشارع ولجان المقاومة. نعم، هناك صراع بين الحرية والتغيير والحزب الشيوعي وبعض القوى الثورية على شرعية تمثيل الشارع، ومن هو الذي يعبر عن لجان المقاومة. لكنه في حقيقته صراع فوقي لا يتماهى مع الجذر الثوري للشارع.

أنا هنا أقصد بالتماهي حالة القدرة على فرض إرادة قوى الحرية والتغيير ومنظوماتها، أو حتى الحزب الشيوعي، على الشارع ولجان المقاومة، والسبب ببساطة هو أن الحالة الثورية المستمرة تعبر عن حالة أعمق مما هو ظاهر سياسيا، تتعلق برغبة جيل في الالتحاق بالقيم العولمية الراهنة ورفض الوصاية الأبوية، كيفما كانت، وهي ظاهرة لا تخصنا نحن في السودان فقط (المثال الإيراني)، وإنما منطق عصر هو عصر الملتميديا الذي خلق جيلا عولميا متجاوزا للحالة الوطنية، ويتعامل مع البعد الوطني المحلي كحالة ينظر إليها كحالة: هل هي توفر أرضية للصلة للإنسان العولمي، أم هي عائق يجب إزالته كيفما كان هذا العائق سلطوي أو قيمي؟ بالتالي فإن تمثل هذا القيم مقسمة على الجميع، ومن الصعب اٍحتكارها، لذا يمكن القول، من ناحية سياسية، إن قوى الحرية والتغيير جزءا أصيلا من الحراك الثوري، سواء في بعده السياسي أو المفاهيمي والقيمي، وأي انسحاب أو تراجع يعني موتها، وأنها التحقت بنفس مضمار القوى التي نهضت ضدها هذه المواكب.بالتالي فأن تغيير الأسم لا يعني إطلاقا محاولة خلق محمية سلطوية بعيدا عن ضجيج المواكب والهتاف؛ لأن الأمر شرط تاريخ وواقع يتعلق بنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة؛ فأي قوى سياسية عاقلة تريد أن يطويها التاريخ.

 

حاتم إلياس. كاتب وقانوني ومحلل سياسي


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *