صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

توقعوا المزيد من السوء إذا استمر البرهان

شارك هذه الصفحة

ماجد محمد علي

كيف كانت صورة البلاد في الساعات الاولى من العام الجديد؟ ما الذي سيطر على مرآة الأحداث من قضايا؟ وكيف تمضي تطوراتها في ظل أزمات معيشية واقتصادية تحاصر الشعب، وجهود إقليمية ودولية ضاغطة من أجل انجاح اتفاق سياسي بين قوى الحرية والتغيير وقادة الانقلاب؟

التصريحات حول الموقف من الاتفاق السياسي الإطاري، ومسارات التوصل إلى اتفاق نهائي بين قوى الحرية والتغيير وشركاء الانتقال كطرف، وبين قادة الانقلاب كطرف ثاني، سيطرت على مشهد الأخبار بدرجة كبيرة، حتى بعد أن تبدت فظاعة الأحداث الدامية في دارفور.

وما حملته أنباء الساعات الأولى من يناير2023، لا يفيد إلا باستمرار الخلاف حول الاتفاق الإطاري بين قوى الحرية والتغيير وشركاء الانتقال، والقوى التي تقول إنها تمثل الشعب السوداني، وتعمل على أن يضعها هذا الاتفاق في صدارة عملية بناء مؤسسات الحكم الانتقالي، وقد يصل هذا الخلاف إلى نهاية قريبة بفضل جهود وساطة مكوكية قادها قائد الانقلاب في آخر ساعات اليوم المنصرم.

طوال عطلة العام الجديد وذكرى الاستقلال سيطرت قضية مصير الوساطة على سطح الأحداث، وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بقوى الحرية والتغيير، عمر الدقير، في هذا السياق، إنهم عقدوا اجتماعين مع مناوي وجبريل وجعفر الميرغني بحضور عبد الفتاح البرهان، ودار في تلك الاجتماعات “حديث متقدم ويمضي بشكل إيجابي، ونتوقع أن يكونوا جزءا من العملية السياسية”.

تصريحات أخرى صدرت عن نائب رئيس حزب الأمة، مريم المهدي، ذهبت في هذا الاتجاه الذي يؤكد أن هناك فرصة لتجاوز الخلاف مع الكتلة الديمقراطية، التي تضم أيضا محمد الأمين ترك الذي أطلق في توقيت يتزامن مع تلك الإعلانات، وخطوة ذات صلة بالوساطة ومجرياتها، تهديدات بالإعلان عن تقرير مصير الإقليم الشرقي.

وقد تكون إشارة البرهان في خطابه الأخير لعدم الإقصاء وتقزيم دور الآخرين، وتحذيره من خطورة ذلك على البلاد، تأكيد على أن الكتلة وعضويتها ستجد موقعها في الاتفاق.

ومع أن ترك استطاع وفق ظروف معينة ولفترة زمنية معينة أن يجمع حوله أعدادا كبيرة من المواطنين تحت لافتة مقررات مؤتمر سنكات، الذي عقده من أجل تشكيل تحالف يجهض الجزء الخاص بالشرق المضمن في اتفاقية سلام جوبا 2020، فإن التحولات على أرض الإقليم أدت إلى ظهور طروحات جديدة على أيدي قيادات سياسية ومدنية تنتمي للقيادة التاريخية لمؤتمر البجا وللقوى المدنية الناشطة على الأرض.

طروحات هذه القوى التي أصدرت بيانها الأول قبل أسابيع من نهاية العام المنصرم، باسم المجتمع المدني، تستند على برنامج ثورة ديسمبر وشعاراتها الأساسية، وتتبنى الحل السياسي الشامل ورؤى متقدمة لقضية التنمية التي ظلت محور التفاعلات السياسية والاجتماعية.

بالنسبة لهذه القوى فإن الأزمة التي تعيشها البلاد عبارة عن حلقات مترابطة، يمسك بعضها بخناق بعض، دخلت فيها البلاد منذ فجر الاستقلال عبر تطويع النظام حتى يعبر في شكله السياسي والاقتصادي عن مصلحة فئات محددة، وأن تلك الأزمة وصلت ذروتها في حقبة الإنقاذ الكالحة، وظلت ماثلة حتى بعد ثورة ديسمبر العظيمة، وبلغت طورا أكثر شراسة بعد انقلاب 25 أكتوبر، تمثل في استنزاف الموارد وتغييب الشعب.

ولا ترى تلك القوى أنه في غياب الدولة المدنية الديمقراطية التي تكون فيها السلطة للشعب لا النخب، يمكن أن يتم التخطيط الاقتصادي الاجتماعي التنموي الذي يرتكز على الإنسان، الذي يشارك فيه المواطنون مباشرة عبر مجالسهم المنتخبة، ولن تنهض كذلك مشاريع أساسها مصلحة الشعب السوداني عموما والشرق خصوصا.

تلك القوى لا تظهر على بورصة الأخبار الساخنة مثلما يظهر ترك أو قيادات المجلس الذي تخلى عن قيادته، ولكن هذه الصورة قد تتغير في العام الجديد، لأسباب مختلفة أبرزها الموقف من الاستثمارات المعلنة في ساحل البحر الأحمر والتوترات التي قد تنجم بفعل الصراع حول مسار الشرق ومطلب المنبر المنفصل.

لكن هل تلخص كل تلك التطورات ذات الصلة بالاتفاق السياسي الإطاري مشهد هذا العام الجديد، أم أنها تكشف عن أحد جوانب الصورة الكاملة؟

في الواقع خيمت على ساعات العام الأولى حالة من الحزن بسبب مشاهد الحرق والقتل في دارفور واستمرارغياب الدولة، في ظل تنامي الفوضى الأمنية ليس في دارفور وحدها، بل في أغلب أنحاء البلاد وحتى العاصمة الخرطوم. وفيما كانت مدن العالم تستقبل العام الجديد بمظاهر الاحتفال والتفاؤل، كانت صور القتلى والحرائق تحاصر المواطنين، وسط حالة من الحذر والتوجس في مختلف الأنحاء.

هذه المشاهد وفق مراقبون أعادت إلى الأذهان مآسي الحرب المتطاولة في دارفور، وبداياتها على وجه التحديد العام 2003م، لأن الواقع الاجتماعي في الإقليم الآن ينذر بالاصطفافات الاجتماعية القديمة التي أشعلت الحرب، هذا بسبب غياب أجهزة الدولة وتواتر عمليات القتل والحرق والنهب في جميع ولاياته.

ومن بين ركام الأحداث المؤسفة تطل تساؤلات حول مستقبل عملية التعايش هناك، في ظل تمدد الجماعات التي تحمل السلاح باسم الدولة أو باسم الدفاع عن وجودها أو مصالحها، وربما مستقبل الإقليم نفسه بعد أن فشل حتى اتفاق سلام جوبا في تحقيق هدفه الأول والرئيس، المتمثل في إعادة الأمن والاستقرار في دارفور.

يقول البعض إن الأوضاع على أرض دارفور خرجت من سيطرة كل الأطراف في اتفاق جوبا، وأن التفلتات والاعتداءات الأخيرة ما هي إلا مقدمة لتجدد الحرب على نسقها الأول بين المكونات، فحتى من عادوا إلى قراهم القديمة بعد نزوح قتلوا، أو أجبروا على الفرار منها تحت وقع الرصاص.

دارفور عاشت تحت النيران لأكثر من 19 عاما، وها هي تدخل في 2023 سنة أخرى بسقوط ضحايا وحرق قرى، وتحذيرات من استعصاء التعايش مع توازنات الحاضر وآلام الماضي، لذا هل يمكن التفاؤل بما ستمضي إليه الأوضاع هناك؟

في 19 ديسمبر، قبل أيام من بزوغ العام الجديد، احتفلت البلاد بذكرى مرور 4 سنوات كاملة على ثورة الشعب في 2018، وأيضا استمرار نبضها في الشوارع من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوداني، التي جوهرها الخروج من تاريخ الفشل الذي لازم الدولة الوطنية بعد الاستقلال في العام1956، وبناء دولة جديدة تخدم وتصون مؤسساتها جميع حقوقه.

ومع أن الاحتفالات هذه المرة اتخذت شكل المواكب الجماهيرية التي تطالب بإسقاط انقلاب 25 أكتوبر والقصاص من قادته، فإنها لم تغب مطالبها المعلنة دون اكتراث بتوزانات القوى الحاضرة أو الضغوط الإقليمية والدولية من أجل إقرار حلول مؤقتة.

ربما لهذا تذهب أغلب التوقعات إلى استمرار المواكب التي تدعو إليها لجان المقاومة، ولتصاعد الاحتجاجات من فئات مختلفة بأشكال مختلفة، مع إمكانية انضمام قوى اجتماعية أخرى في ظل ازدياد الضغوط المعيشية والاقتصادية بسبب السياسات الحكومية والميزانية الجديدة.

مظاهر كل ذلك يتبدى في حالة الحذر والتوجس التي سيطرت على الشوارع الساعات الماضية، وتفاقم الكساد الذي تعاني منه الأسواق منذ شهور طويلة، وانعدام الأفق لدى كل الفاعلين في كل قطاعات المجتمع.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *