صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

جريمة جديدة تنظرها المحكمة الجنائية الدولية (مقابلة)

شارك هذه الصفحة

كشف رئيس (هيئة محامي دارفور) صالح محمود عن مناقشات مهمة جرت في المحكمة الدولية حول أهمية إضافة جريمة جديدة تضاف إلى قائمة الجرائم التي تنظر فيها المحكمة الدولية، وهي “العدوان على البيئة”، وقال إن مختصين في المجال قدموا مقترحا بإضافة (الايكوسايد) ويقصد بها قتل تدمير البيئة. وطبقا لمحمود فإن المناقشين تداولوا التنبيه إلى أنه يعد جريمة كل تأثير سلبي تنتج عنه أضرارا تؤدي إلى موت البشر.

ولفت محمود إلى أن السودان سيكون النموذج لتطبيق هذه العقوبة بسبب الممارسات التي لا تخضع لأي ضوابط علمية صارمة. وقال إن لقاء جمعه بمدعي جرائم دارفور، كريم خان، تطرقا فيه إلى القرارات الصادرة في مواجهة الرئيس المخلوع عمر البشير وأعوانه، وكذلك محاكمة المتهم علي كوشيب.

مؤخرا زرت لاهاي ما أسباب الزيارة؟

تمت دعوتي من منظمات حقوقية باعتباري مدافعا عن حقوق الإنسان في العالم، وذلك لحضور الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وأثناء الاجتماعات حدثت أنشطة مرافقة من قبل المنظمات الحقوقية والاقتصادية، ويشكل أعضاء المحكمة حضورا دائما إلى جانب مدعي المحكمة الجنائية.

وما المناقشات التي جرت؟

معلوم أن المحكمة ليست لديها شرطة لتنفيذ قرارتها وأوامرها إنما تعتمد فقط على تعاون الدول الأعضاء في تنفيذ قرارتها، ومن بينها أوامر القبض الصادرة في مواجهة المطلوبين؛ لذلك كانت المناقشات في إطار تقويم أداء المحكمة ومكتب المدعي خلال العام المنصرم، والتزامات الأعضاء وتعاون الدول مع المحكمة. وفي الشأن السوداني تحدثت مع كريم خان حول القرارات الصادرة في مواجهة عمر البشير وأعوانه، وكذلك حول محاكمة علي كوشيب إلى جانب التزام السودان بالتعاون مع مكتب المدعي وفقا للتفاهمات التي تم التوقيع عليها.

ما أبرز ما تم تدواله في الأنشطة والمداولات؟

تجددت دعوات حول أهمية إضافة جريمة جديدة إلى قائمة الجرائم التي تنظر فيها المحكمة وهي جريمة العدوان على البيئة، والمقترح وجد تجاوبا لافتا لكونه معني بحياة البشر، ولأن أي تأثير سلبي تنتج عنه أضرارا تؤدي إلى موت البشر يعد جريمة، وخضعت عملية إطلاق الغازات المضرة والانبعاثات التي تؤدي إلى تغيير البيئة التي تنتج عنها حرائق الغابات أو تلويث مصادر المياه، أو استخدام السيانيد في التعدين العشوائي خضعت إلى مناقشات مستفيضة ومهمة.

ويمكن لهذه الأنشطة الضارة أن تشكل خطرا. ومستقبلا السودان سيكون نموذجا لتطبيق هذه العقوبات بسبب وجود الممارسات التي لا تخضع لأي ضوابط علمية صارمة.

كيف تقرأ ما يحدث في دارفور من حرائق وقتل للسكان؟

ما يحدث في دارفور هو امتداد للمخطط الشامل الذي يهدف إلى الاستيلاء على الأرض بوسائل مختلفة، من بينها إحراق القرى وقتل السكان الأصليين، وتدمير الموارد خاصة المحاصيل بهدف إجبار السكان على النزوح من مناطقهم الأصلية وإخلاء القرى والمزارع، والوصف الأدق هو تطهير عرقي، بطريقة وسياسة الأرض المحروقة.

هذا المخطط ممنهج وينفذ على نطاق واسع، وتم تصميمه من خلال ما كان يعرف بالمشروع الحضاري للجبهة الإسلامية القومية، وتتكون ركائزه الأساسية على ايديولوجيا الإسلام السياسي السلفي الذي يعتمد على نشر الكراهية بين الناس بالاعتماد على التمييز العنصري والإثني. وفي الواقع تصدت جهات كثيرة وقوى سياسية وحركات مسلحة معروفة لهذا المشروع، لكنه مستمر مثل ما حدث في (بليل) مؤخرا وفي مناطق غرب دارفور، خاصة حول الجنينة، وفي وسط دارفور، خاصة المعسكرات حول زالنجي وجبل مرة والمناطق المحيطة به، وكذلك في شمال دارفور خاصة في فتابرنو وكباكبية وكتم، وفي مناطق أخرى في جنوب وشرق دارفور. يعتمد المخطط على السياسة الرسمية للحكومة في زمن المخلوع عمر البشير، وعلى السياسة المتصلة للنظام الانقلابي الذي يعد امتدادا لنظام المؤتمر الوطني المباد.

النظام المباد ومن بعده انقلاب 25 أكتوبر اعتمادا على تسليح القبائل بمختلف الأسلحة الحديثة، وتم الاستعانة بها وتنظيمها فيما عرف بمليشيات الجنجويد وشاركت هذه المليشيات جنبا إلى جنب مع القوات الحكومية التي استخدمت الهيلكوبتر والطائرات الميج والأنتنوف في حرق القرى ونتج عنها حرق أكثر من 15 ألف قرية، وأجبرت هذه الهجمات أكثر من 4 ملايين شخص للنزوح من مناطقهم وقراهم، ويعيش حوالي 3 ملايين من هؤلاء في معسكرات النزوح واللجوء في الداخل والخارج، كما أدت إلى مقتل ما يفوق الـ 400 ألف شخص، كما ارتكتب مليشيات الجنجويد والقوات الحكومية أثناء الهجمات الجرائم الدولية الأكثر بشاعة في العالم: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، كما استخدمت الاغتصاب كسلاح حرب أثناء الهجمات.

إلى أي حد أثر رحيل القوات الأممية على مواصلة هذه الجرائم؟

في الواقع، تمت كل هذه الجرائم، وتتواصل حتى اليوم، كما حدث في بليل وزالنجي في الأيام الأخيرة، في ظل غياب تام لسيادة حكم القانون، وفي ظروف انتشار وسيطرة ثقافة الإفلات من العقاب، وفي غياب الحماية الدولية، خاصة بعد رحيل القوات الأممية (يونتامس)، ولا يزال عمر البشير، والمطلوبين من معه، طلقاء في ظل رفض حكومة الانقلاب طلب التسليم الصادر من المحكمة الجنائية.

الملاحظ أن غرب دارفور يشهد هجمات أكثر وحشية مقارنة بالمناطق الأخرى؟

هناك عدة عوامل، من بينها الموقع الجغرافي لغرب ووسط دارفور، وهي مناطق خصبة وفيها موارد طبيعية مهولة، كما أنها تحيط بجبل مرة، وتتواجد فيها مليشيات الجنجويد بصورة مكثفة، إلى جانب السلاح المتفدق من دول الجوار التي تشهد صراعت مسلحة، من بينها ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وأخرى في غرب إفريقيا.

وهناك عامل آخر له أهمية، هو وصول قيادات بعض الحركات المسلحة التي وقعت على (سلام جوبا) إلى مواقع قيادية على المستوى المركزي والإقليمي، وهي حركات متحالفة الآن مع المكون العسكري ذو العلاقة بعمر البشير، ومع قوات الدعم السريع التي كانت تعرف بمليشيات الجنجويد، هذه المجموعات هي المسؤولة الآن عن ارتكاب الفظائع في دارفور وفي مناطق أخرى في السودان.

هذه الحركات المسلحة التي تعرف بأطراف اتفاقية جوبا لديها مصالح اقتصادية وسياسية مع النظام الانقلابي وحلفائه في الداخل والمحيط الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بنهب موارد وثروات البلاد عن طريق التهريب وبيع وايجار الأراضي للأجانب، مثل محاولات جلب مستثمرين من الخارج للاستثمار في موارد منطقة جبل مرة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *