رغم أن التاريخ يسجل للسودان إجراء أول انتخابات برلمانية له في فترة مبكرة من تاريخه، فإن التعثر الذي واجهته عملية الانتقال الديمقراطي يطرح أسئلة عديدة. وحتى في ظل اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة 2018م ومشاريعها لبدء الانتقال، ما زالت شكوك تحاصر خبراء ومحللين بشأن مستقبل الديمقراطية في هذا البلد، الذي حكمه العسكر لأكثر من 50 عاماً. وظلت الدولة السودانية تلاحقها أسئلة التأسيس لنظام حكم ديمقراطي، ومع كل ثورة أو انتفاضة شعبية تعيد ذات الأسئلة الملحة حضورها في المشهد، دون أن تتبلور في فعل يخطو بالدولة والمجتمع إلى الأمام. حول التأسيس الديموقرطي، طرحت “الحداثة” أسئلتها على نقيب الصحفيين الأستاذ عبد المنعم أبو إدريس.
* لماذا تعذر على السودانيين كتابة دستور مُرتضى عليه؟
أولاً، في اعتقادي، تعذر على السودانيين كتابة دستور لعدة أسباب، أولها أننا لم ننجز مشروعاً وطنياً يلتف حوله السودانيون، رغم عن تعددهم الثقافي والإثني اللغوي. وكان يمكن للمشروع الوطني أن يقرب المسافات للإجابة عن الأسئلة الرئيسة، مثل قضية الهوية التي تثار كل مرة. حتى يومنا هذا، لو كنا اتفقنا على مشروع وطني كان يمكن أن نقبل حتى بهويات متعددة تعيش في جغرافيا واحدة.
* كيف يمكن أن نفكر في الضمانات التي تحول دون خرق الدساتير السودانية؟ وتحول دون الرجوع إلى الدائرة الشريرة (انقلاب – انتفاضة/ثورة – ديمقراطية – انقلاب)؟
ضمانة عدم خرق الدستور واستمرار الدائرة الشريرة تعود إلى عدة محددات أولها حالة الرضا التي يجب أن يخلقها الدستور لكل أفراد الشعوب السودانية، بأن يصبح الدستور معبراً عنهم ومستجيباً لتطلعاتهم، ويجيب عن سؤال مركزي لدى السودانيين بأن تصبح الحكومة خادمة لهم وليست متسلطة أو جابية. الأمر الثاني، لا بد من قطع نهائي لعلاقة المؤسسة العسكرية بالسياسة، وأن يتوقف السياسيون عن استقطاب أفراد المؤسسة العسكرية.
* هل ديسمبر ثورة؟ ما هي شروط الثورات استناداً إلى التجربة السودانية؟
شروط الثورات هو قطع العلاقة مع الماضي، وبهذا تمضي ثورة ديسمبر المستمرة منذ خمس سنوات للمطالبة بقطع العلاقة مع الماضي، وليس فقط مع النظام البائد، ما يجعلها ثورة في مقابل أكتوبر 1964 وأبريل 1985، وقد كانتا انتفاضات لإزالة حكم عسكري ديكتاتوري.
* كيف ترى طبيعة النظام الذي ثارت عليه ديسمبر؟ وكيف أثّر على الأحداث والاتجاهات السياسية بعد سقوطه؟
النظام البائد يختلف عن سابقيه، مثل إبراهيم عبود (1958) وجعفر نميري (1969) في كونه نظام ديكتاتوري يرتدي ثوباً أيديولوجياً متدثراً بغطاء ديني، ويزعم أن ما يفعله عمل ديني (يتقرب به إلى الله). أدى هذا إلى إنتاج وضع معقد تخللته الحروب والاقتصاد القائم على رؤية محددة وعلاقات مع العالم وفقا لنظرة معينة. كما أن هذه الأيديولوجيا الدينية تسربت إلى مكونات جسد الحكومة وجهازها التنفيذي بدعوى تمكين الكوادر الملتزمة، وأن ما تقوم به داخل دولاب الدولة هو عبادة دينية، كل هذه الأشياء جعلت الثورة على نظام الجبهة الإسلامية تحتاج إلى انتقالات متعددة، وحتمت أن تكون نهايته بثورة وليست انتفاضة.
* أنتجت ثورة ديسمبر واقعاً سياسياً جديداً، تشكلت لجان مقاومة كلاعب أساسي في السياسة، انشطرت الأحزاب السودانية في اتجاهات شتى، وتشكلت قوى اقتصادية أسهم فيها نظام الثلاثين من يونيو 89، وصار صراع الموارد مؤثراً في السياسة السودانية، كيف سيخرج السودانيون من عقبات كل ذلك للوصول إلى دولة الديمقراطية المستدامة؟
الواقع الجديد هو ببروز أجسام جديدة تمارس أدواراً في الثورة المستمرة، وسببه التعقيدات التي تجابه الشعوب السودانية. وقطعاً عانت الأحزاب، شأنها شأن بقية السودانيين، مما حدث خلال ثلاثين سنة، ولذا خرجت مصابة ببعض الأمراض. إضافة إلى أن السياسة وممارستها عبر التاريخ مصابة بداء الانقسامات.
الخروج من الاقتصاد الراهن هو واحدة من الانتقالات التي على السودانيين إنجازها، وهذا سيتم بأن تصير الدولة خادمة لهم، وفي الوقت نفسه، علينا إنتاج رؤية ذات طابع سوداني لا تنقطع عن العالم، لكنها تراعي خصوصية متطلباتنا وتعقيداتنا.