صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

أطفالنا ممن هم خارج المدارس

صورة من موقع يونسيف

شارك هذه الصفحة

1. كفالة الحق

تكفل المواثيق والتعهدات الدولية الحق في التعليم لجميع أطفال العالم. نذكر هنا:

  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م (المادة 26).
  • إعلان التعليم للجميع جومتين بتايلندا عام 1990م.
  • إعلان الألفية الذي تمخضت عنه الأهداف الإنمائية للألفية وإطار داكار للعمل عام 2000م.
  • أهداف التنمية المستدامة في عام 2015م الذي ينص هدفه الرابع (التعليم) على التزام الدول الموقعة على الاتفاق بتوفير تعليم جيد ومنصف ومجاني وشامل للجميع بحلول عام 2030م.

وحكومات السودان المتعاقبة باختلاف نظم حكمها- ديمقراطية، دكتاتورية وشمولية – ملزمة بتوفير هذا الحق، بحكم توقيعها على هذه المواثيق والاتفاقات.

وجدير بالذكر أن المادة 26 من الوثيقة الدستورية تنص على :

(1)  التعليم حق لكل مواطن، وعلى الدولة أن تكفل الحصول عليه دون تمييز على أساس الدين أو العنصر أو العرق أو النوع أو الإعاقة.

(2) التعليم في المستوى العام الزامي وعلى الدولة توفيره مجانا.

2. نكران الحق

يعني مفهوم الأطفال خارج المدرسة ببساطة أن هناك مجموعة  من الأطفال الذين ينبغي أن يلتحقوا بالمدرسة، ولكنهم ليسوا كذلك، وهم معروفون عالميا على أنهم في سن المدرسة الابتدائية (6-11 سنة من العمر).

 من المؤسف أن نلاحظ أن حكومات السودان ظلت وما تزال بعيدة كل البعد عن الوفاء بالتزاماتها بتحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي الجيد والمجاني والالزامي. لكن دعونا نبدأ عند البداية: الاستقلال في عام 1956م.

 إن الإرث الاستعماري، في هذا الصدد، معروف جيدا  ولا يحتاج إلى تعليقٍ مفصل هنا. يكفي أن نشير إلى أنه عند يوم الاستقلال كانت نسبة محو الأمية للبالغين 22.9%، وكانت هناك ثلاثة مدارس ثانوية حكومية فقط للبنيين، وواحدة فقط للبنات (في أمدرمان)، وجامعة حكومية واحده (الخرطوم).

وفي عام 1961م، أي بعد مرور خمسة أعوام على الاستقلال، نجد أن عدد الأطفال خارج المدرسة بلغ 2,047,000 يمثلون 86% من مجمل عدد الأطفال في الفئة العمرية 5-14 سنة.

وبعد أكثر من 30 عاما على الاستقلال، أي في عام 1989/1988م، كانت نسبة الأطفال خارج المدرسة 52.2% من الفئة العمرية 6-13 سنة.

ومع بداية الألفية الحالية، قدر البنك الدولي نسبة الأطفال خارج المدرسة في دول أفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء الدول عالية الدخل) حوالي  40%من مجمل الأطفال في سن التمدرس الابتدائي. أما في السودان، فقد زادت نسبة الأطفال خارج المدرسة في عام 2001م عن ما كانت عليه في عام 1989/1988م وبلغت 54% من مجمل الأطفال الملتحقين بمرحلة الأساس.

يبين الجدول أدناه عدد الأطفال خارج المدرسة خلال الفترة 2011-2017

2011

2,363,794

2012

2,621,101

2013

2,618,997

2014

2,652,400

2015

2,657,780

2016

2,561,223

2017

2,443,016

المصدر: اليونيسيف، بيانات البنك الدولي

إضافة إلى ذلك، تشير منظمة اليونيسيف إلى أن 15% من الأطفال في مرحلة الأساس معرضون لخطر التسرب قبل بلوغ الصف الأخير.

إن هذه الإحصائيات المحبطة لا تكشف كل الحقيقة، إذ لا توضح لنا ماهية هؤلاء الأطفال الذين تحرمهم النخب الحاكمة من حقهم في التعليم.

3. من هم المحرومون؟

إن هذه الأرقام للأطفال خارج المدرسة تخفي تفاوتات جغرافية، وجنسانية، واقتصادية- اجتماعية هامة.

يتضح من البيانات في الجدول التالي أدناه أن نسبة الأطفال خارج المدرسة بلغ حدا صاعقا في مديريتي كردفان (91%) ودارفور (94%)، وبلغت أدنى مستوى لها في مديرية الخرطوم (67%)، أي أقل من المتوسط للسودان بـ 19 نقطة مئوية.

ووفق التعداد السكاني الأول عام 1956/1955م، فإن نسبة الذكور الذي توفرت لهم فرصة الالتحاق بالمدرسة الأولية بلغت 10.4%، وبلغت النسبة المناظرة للإناث 5.8% فقط.

جدول عدد الأطفال في الفئة العمرية 5-14سنة، وخارج المدرسة، ونسبتهم للكل(%)، وفق المديرية*، 1961م:

نسبة الأطفال خارج المدرسة (%)

عدد الأطفال خارج المدرسة

عدد الأطفال في الفئة العمرية (5-14) سنة

المديرية

86

2,047,000

2,372.000

السودان

67

87,000

130,000

الخرطوم

79

189,000

240,000

الشمالية

81

481,000

515,000

النيل الازرق

87

187,000

213,000

كسلا

91

369,000

407,000

كردفان

94

306,000

325,000

دار فور

 

المصدر: حوسبة المؤلف من الإحصاء التربوي 1962/1961م والتعداد السكاني لعام 1956/1955م

أوضح التوم (2016م) أن عدد الأطفال في الفئة العمرية (6-13 سنة) خارج المدرسة في عام 2010م  يقدر بأكثر من مليوني ونصف المليون طفل (يمثلون 47.1% من الفئة العمرية). ولاحظ أن هناك تفاوتاتا مهما بين الولايات، كما توضح البيانات التالية لنسب الأطفال خارج المدرسة:

الجزيرة (12.4%). القضارف (30.6%) النيل الأزرق (35.6%) غرب دارفور (38.7%)

كسلا (47.8%) (البحر الأحمر49.7%) جنوب دارفور(58.1%).   

كما توضح بيانات البنك الدولي أن نسب الأطفال خارج المدرسة في عام 2014 كانت كما يلي:

  • متوسط السودان 31%.
  • تراوحت نسب الولايات بين حد أدنى في ولاية الشمالية (7%)، وحد أعلى في ولاية غرب كردفان (54%) وسجلت 7 ولايات نسبا أقل من المتوسط (الشمالية (7%)، الخرطوم (10%) نهر النيل (11%)، الجزيرة (20%)، البحر الأحمر (23%) النيل الأبيض (24%) وشمال كردفان (28%)).

كما سجلت 10 ولايات نسبا أعلى من المتوسط (سنار 33%)، جنوب كردفان (36%)، القضارف (39%) جنوب دارفور (44%)، كسلا (46%)، شرق دارفور (46%)، غرب دارفور (49%)، النيل الأزرق (49%)، وسط دارفور (51%)، وغرب كردفان (54%)).

  • النسبة للذكور والإناث بلغت 30% و32%، على التوالي.
  • وفي حين أن النسبة في المناطق الحضرية بلغت 13%، كانت نظيرتها في الريف 38%.
  • كما أن نسبة الأطفال خارج المدرسة للأسر الأكثر فقرا والأكثر غنىً بلغت 51% و5%، على التوالي.

إذاً، تتسق هذه البيانات المحدودة مع ما خلصت إليه منظمة اليونيسيف (2015) من أن وضع الأسرة الاقتصادي الاجتماعي يرتبط سلبا مع الاستبعاد من المدرسة؛ وأن حوالي 77% من الأطفال خارج المدرسة في سن ما قبل مرحلة الأساس ينتمون إلى الأسر الأكثر فقرا مقارنة بـ 18% من الأطفال ضمن الأسر الأكثر ثراء. وعلى نحو مماثل، فإن 52.4% من الأطفال خارج المدرسة، والذين هم في سن المدرسة الابتدائية (6-11سنة)، و42% من الأطفال في سن المرحلة الإعدادية (12-13سنة) هم من بين الأسر الأكثر فقرا، وذلك مقارنة بـ 3.6% من الأطفال خارج المدرسة، والذين هم في سن مرحلة الابتدائي، 3.4% للأطفال في سن الإعدادية ضمن الأسر الغنية. وتحتل المجتمعات البدوية أعلى نسبة أطفال خارج المدرسة في قائمة المجتمعات المستبعدة من المدرسة.

ولكن، ما الأسباب التي تؤدي إلى بقاء الأطفال خارج المدرسة؟

4. العوائق والعقبات

في غياب الدراسات الجادة لهذه الظاهرة على مستوى السودان، أسجل هنا بعض العوائق والعقبات المهمة التي تحول دون إلتحاق الأطفال بالمدرسة أو التسرب منها قبل إكمالها.

توحي البيانات التي ذكرتها في القسم السابق إلى أن العوامل الآتية قد تلعب دورا مهما في تفسير الظاهرة:

(أ) النزاع

تشير النسب العالية نسبيا إلى الأطفال خارج المدرسة في بعض ولايات دارفور وكردفان وولاية النيل الأزرق، أن النزاع، خاصة إذا طال أمده، قد يساهم بصورة مقدرة في بقاء الأطفال خارج المدرسة.

ففي مثل هذه الحالة يتعرض الأطفال للنزوح والتشريد والتجنيد في صفوف القوات المتنازعة. وعندما يحتد النزاع فقد يبدو التعليم للأسر المعنية ترفا لا يجوز المخاطرة من أجل الالتحاق به.

(ب) الفقر

يبدو أن الفقر يمثل القوة الدافعة لعدم التحاق الأطفال بالمدرسة أو التسرب منها بعد الالتحاق بها. فالأطفال الذين يتعين عليهم العمل لإعالة أسرهم وأنفسهم هم أقل عرضة للالتحاق بالمدرسة، لأن الحصول على الطعام  يمثل أولوية أعلى من الحصول على التعليم. والأم العاملة قد تحتاج لمساعدة ابنتها في أداء الأعمال المنزلية.

كما أن الرسوم المدرسية ومدفوعات المستخدم الأخرى (زيادة دخل المعلم، مثلا) تعتبر عبئا ثقيلا لا يقوى على تحمله أولياء الأمور الفقراء.

(ج) درجة الوعي بأهمية التعليم

هناك ارتباط إيجابي بين مستوى التعليم والوعي بدرجة أهميته للأفراد والمجتمع. وولي الأمر الأمي قد لا يرى أن التعليم مهم لنجاح ابنه أو ابنته في المستقبل.

5. مواجهة التحدي

أشرنا في القسم الأول إلى أن الحكومة ملزمة بتحقيق الهدف الرابع (التعليم) من أهداف التنمية المستدامة. إن هذا الهدف يتكون من 10 أهداف، وينص السادس منها على :

ضمان أن جميع الشباب ونسبة كبيرة من البالغين، رجالا ونساء، يلمون بالقراءة والكتابة والحساب، بحلول 2030م.

ومن الواضح أنه يستحيل تحقيق هذا الهدف في ظل استمرار ظاهرة الأطفال خارج المدرسة. تجدر الإشارة هنا إلى أن معدل معرفة القراءة  والكتابة للبالغين في السودان في عام 2018م 60.7% (65% للذكور و56% للإناث).

لقد أقرت وزارة التربية والتعليم الاتحادية خلال فترة الحكومة الأولى للمرحلة الانتقالية عددا من السياسات التي تناقش هذا التحدي مباشرة، وهي:

(أ) ضمان توفير فرصة لجميع الأطفال البالغين من العمر 6 سنوات للالتحاق بالصف الأول من المرحلة الابتدائية، ابتداء من العام الدراسي 2021/2020م.

(ب) مجانية التعليم لأطفال مرحلة الأساس.

(ج) توفير وجبة الإفطار لجميع أطفال مرحلة الأساس.

وقد تم اعتماد هذه السياسات في موازنة الحكومة للعام المالي 2020م . ومما لا شك فيه أن تنفيذ هذه السياسات بصرامة سيؤدي إلى انخفاض ملحوظ في حجم ظاهرة الأطفال خارج المدرسة.

ختاما، إن النخب الحاكمة بافتقارها للإرادة السياسية اللازمة للوفاء بالتزاماتها، تصبح المسؤول الأول عن استمرار ظاهرة أطفالنا خارج المدرسة وتستحق لذلك المساءلة والمحاسبة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *