صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

كيف دمًر انقلاب (25) أُكتوبر موسما زراعيا مهما في القضارف؟

صورة إرشيفية
شارك هذه الصفحة

تتدفق آلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية سنويا تزامنا مع موسم الحصاد، دون حدوث تطور على المستويين، العام والخاص، بالنسبة للزراعة والمزارع، وفي ولاية مثل القضارف، الأكبر من حيث المساحة الإنتاجية في البلاد، وبينما المنتجين يحصدون زراعتهم، تصدر أوامر القبض من النيابات تجاه المنتجين، بسبب تعثر سداد التمويل.

 إن المزارعين يفلحون أرضهم فعلا؛ لكنهم يحصدون السراب، إنهم يتسائلون مع أنفسُهم: ما الذي يلتهم أساسنا المالي والاقتصادي بهذه القسوة دون أن نستطيع إدراكه؟ في هذا العام حدثت تطورات كبيرة في الموسم الزراعي الإنتاجي، لقد تخلت الحكومة، بشكل مخيف، عن ارتباطها بالمزارعين، وأنسحبت بشكل يكاد يكون هو الأوسع منذ سنوات.

إن التطورات في الموسم الإنتاجي ليست فقط في تخلي الحكومة عن تمويل المزارعين، لكن حتى في التصريحات الصحفية النادرة، وسيل البيانات والمعلومات الصادرة من بنك السودان فرع القضارف، بما يفسر خطورة وضع الإنتاج بالولاية؛ حيث أعلن عبد الله جمال الدين تكروني، مدير البنك، أن التمويل الزراعي، بجميع الصيغ، حتى بداية أغسطس من هذا العام قد بلغ (7.121) مليارات جنيه، مقارنة بـ(15) مليار من العام السابق في نفس الفترة، بنسبة انخفاض بلغت (52%)، وهو مؤشر لتناقص رأس مال الإنتاج والزراعة بالولاية، بينما الطبيعي أن يتضاعف، وأن الآلاف من المزارعين سيفقدون مهنة يعتمدون عليها في الدخل الاقتصادي والكسب والعيش، وهو مؤشر للجوع أيضا.

وبالعودة لاستكمال حديث تكروني الذي قاله في تدشين التمويل للموسم الزراعي بالقضارف فإن إجمالي التمويل في ذات الفترة من العام الماضي كان بنسبة (75%) وانخفض هذا العام إلى نسبة (26%) في ذات الفترة، مضيفا أن إجمالي المساحات الزراعية الممولة في العام الماضي بلغت (2,233.000) فدانا مقارنة مع (490) ألف فدان لهذا العام، وحتى تاريخه (أغسطس 2022)، بنسبة انخفاض بلغت (75%)، وأن عدد المزارعيين الممولين خلال العام الماضي بلغ (3936) مزارعا، مقارنة مع عدد (605) مزارعا هذا العام، حتى تاريخه، بنسبة انخفاض بلغت (85%) عن الماضي، ويأتي هذا التردي متزامنا مع انقلاب (25) أكتوبر الذي قطع الطريق أمام التمويلات الخارجية لدعم البلاد في عدد من المجالات، أبرزها الزراعة بشقيها، المطري والمروي.

إن انعكسات تلك الحيثيات المدمرة على المنتجين ظهرت جلية في عزوف مئات الآلاف من صغار ومتوسطي المزارعين من خوض مصاعب مهنتهم لهذا العام، ونظرا لارتباط قنوات التمويل دائما بكبار المزارعين، والرأسمالية الناشطة في هوامش العمل التجاري والمضاربات. فحسب رأي مزارعين تحدثوا لـ(الحداثة) فإن هذا الجعل اليسير من الأموال سيذهب إليهم، وأن متوسطي وصغار المزارعين لن يتمكنوا من الزراعة إلا في حدود يسيرة لسد رمقهم ومعيشتهم: زراعة الكفاف، وليس لتحقيق مداخيل إضافية ومساهمة في الاقتصاد الكلي والعام، وتبعا لذلك فإنهم أضطروا للعمل في الحقول والمشاريع الزراعية كعمالة يومية، وتركوا أراضيهم الشاسعة بورا. أما الذين زرعوا منهم، دفعت بهم ظروف الصرف على الزراعة إلى ارتياد التمويل عبر صيغة (الكتفلي)، وهو البيع بسعر أعلى، وخطورته أنه في حال تعثر السداد وفشل الإنتاج فإن المزارع سيلجأ إلى مزيد من البيع الخاسر (الكسر) لتتضخم مديونته ويدخل السجن بأضعاف مضاعفة من الدين.

لذلك فإن المزارعين يرون أن التمويل عبر البنك الزراعي بصيغه المختلفة، غير كاف لتغطية متطلبات الزراعة، وأن الكلفة العالية لها، والتضخم الملازم للحالة الاقتصادية يقود إلى ضمور في رأسمال صغير من التمويل الذاتي الذي يدخرونه في نهاية المواسم الإنتاجية، وأنهم يأملون في فتح قنوات تمويل إضافية أعلى بكثير من رأس مال البنك الزراعي الذي لا يتجاوز المليون دولار، ويشيرون إلى أن تداعيات الموسم الحالي تمثل ردِة بتأثير طويل على المواسم الإنتاجية المقبلة، ويستصعب المزارعون عودتهم إلى الحقول بسبب الفراغ الذي أحدثه غياب التمويل للموسم الراهن، وتتلاشى التقديرات الحكومية أمام رأي المزارعين في الحصاد المتوقع، فبينما ترى الحكومة إنه سيصل إلى أكثر من 12 مليون جوال، يؤكد المزارعون أنه لن يتجاوز الخمسة ملايين.. وبالطبع، هم الأدرى بشعابهم الزراعية.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *