صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

كيف ارتفعت معدلات الجرائم بعد انقلاب البرهان؟

إرشيف. خالد بحر
شارك هذه الصفحة

في ساعات اليوم ينخرط الآلاف من السودانيين في مواكب معلنة لإسقاط الانقلاب في البلد. لكن لا أحد يضمن ما الذي سيحدث لهؤلاء المحتجين السلميين، ولا حجم العنف الذي سيواجههم.

فبعد انقلاب 25 أكتوبر انفجر العنف في وجه السودانيين، بصورة غير مسبوقة، وشهدت الاحتجاجات السلمية التي يقودها الثوار فظائع وأعمال قتل، واعتقال وتعذيب، تؤكد أن الأوضاع السياسية تمضي إلى وضع أمني مقلق.

وتظهر الإحصاءات التي سجلتها هيئات قانونية وصحية إنذارا بما هو أسوأ أمنيا ودستوريا، ووفقا لـ (هيئة محامي الطوارئ) فإن معدلات العنف والجرائم ارتفعت بعد انقلاب 25 أكتوبر، وأطلقت الهيئة تحذيرا لقادة الجيش والشرطة الأمنية وقوات الاحتياطي المركزي من مغبة الأعمال خارج القانون التي تمثل انتهاكات جسيمة تُضاف إلى “سجلاتها التي امتلأت بانتهاكات حقوق الإنسان بعد انقلاب 25 أكتوبر”.

اعتقال وتعذيب

واقتحمت قوات أمنية عصر الاثنين القرى المتاخمة لسوق الخناق، الولاية الشمالية، واعتقلت 22 من قيادات اعتصام ينعقد لأسابيع لمناهض الأعمال الناتجة عن التعدين في مناطق السكوت، و جرى احتجازهم بحراسات الأسرة والطفل وحراسات شرطة دنقلا. و تعرض المعتقلون للعنف المفرط والتعذيب أثناء وبعد اعتقالهم، كما يوجد معتقل في مستشفى دنقلا بعد تعرضه للتعذيب.
وكانت القوات الأمنية بقيادة نقيب حاولت فض اعتصام سوق الخناق، واطلقت وابلا من الرصاص الحي على المعتصمين، وتعرض مواطن لإصابات خطيرة جراء عملية دهس بسيارات تتبع للقوات الأمنية.
واندلعت الأزمة على خلفية قرار من والي الشمالية بإلغاء (لجنة تنظم أعمال التعدين) في المنطقة، تضم الأهالي والجهات الحكومية المعنية، واستبدالها بلجنة حكومية، ما أعتبره الأهالي محاولة لمنح تراخيص لشركات أجنبية داخل حرم المناطق السكانية.

خمسة آلاف معتقل

وأكدت عضو (هيئة محامي الطوارئ) إشراقة سلطان أن الطريقة الوحشية التي تتبعها السلطات الانقلابية خلفت مايقارب 120 شهيدا، استشهدوا بالرصاص أو بمقذوف الغاز المسيل للدموع فضلا عن الدهس بالسيارات.

وقالت إن عدد المعتقلين تجاوز الخمسة آلاف معتقل بعد انقلاب 25 أكتوبر، أما عدد المفقودين فقد بلغ 22 مفقودا، وأكدت سلطان أن الهيئة ظلت في حالة بحث مستمر عن مكان اختفائهم.

عودة بيوت الأشباح

وأوضحت سلطان أن الجهات التي تقوم بالاعتقال أو الخطف أصبحت متعددة، ولفتت إلى عودة ظاهرة بيوت الاعتقال أو ما كان يصطلح عليه بـ بيوت الأشباح من جديد، وهي التي تتم فيها عمليات الإخفاء، وذكرت أن السلطات الانقلابية سبق وأن هددت ناشطين باعتقال أمهاتهم أو شقيقاتهم في حال عدم تسليم أنفسهم.

وقالت إن عددا من المعتقلين تعرضوا للتعذيب بالضرب العنيف وإحراق أجزاء من أجسادهم، فضلا عن الطعن بآلات حادة.

مسنون وأطفال في المعتقلات

ومن جهته، ذكر رئيس (هيئة محامي دارفور) صالح محمود أن المعتقلات في سجون الانقلابيين امتلأت بالأطفال والمسنين، فضلا عن العشرات من حالات التعذيب التي شرعت الهيئة في تدوين بلاغات بخصوصها.

من إرشيف الصورة. تصوير خال بحر

الأرقام وحدها لاتكفي

وبالنسبة للمحلل السياسي صديق فاروق فإن ارتفاع حالات الانتهاكات سببها الإفلات من العقاب، إلى جانب مشروع التسوية، ويرى أنها وفرت حصانة لمجرمي الحرب حين أصبحوا في هرم السلطة الانقلابية.
الأرقام وحدها لا تكفي لرسم سيناريو أمني قاتم يتهدد البلاد، لكن ثمة أحداث أمنية ومتغيرات اقتصادية لا يمكن تجاهل ارتباطها الوثيق بالحالة السودانية، قبل فهم تداعياتها على كافة فئات المجتمع، وأرواح الناس، صارت بلا قيمة، وبات معظم المعارضين للانقلاب مهددين في حياتهم، وفي ذلك مؤشرات تفيد بأننا اقتربنا من انفجار اجتماعي وسياسي وشيك.

محاولات خنق الأصوات

قبل أن يتم حبسه تعرض عضو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو المجمدة، وجدي صالح، إلى هجوم شنته مجموعة مسلحة كانت ترتدي زيا مدنيا على منزله بضاحية الكلاكلة، نتج عنه تكسير لزجاج المنزل ومصابيح الإنارة، المجموعة حاولت إرهاب أسرة صالح، قبل أن تلوذ بالفرار.
ويرى صديق فاروق أن الانقلابيين يقرأون من كتاب واحد، وعادة ما يحاولون خنق الأصوات التي تثور ضدهم، وأنهم على درجة واحدة من الاستبداد.
وقال إن الصراع مع الانقلابيين دخل مرحلة جديدة، وهو يمثل سلسلة متراكمة من الأزمات التي يعيشها الانقلاب، وتابع : السلطات الانقلابية بمختلف تكويناتها العسكرية ظلت تحاول بث الرعب في نفوس الثوار.

معركة كسر العظم

وحذر رئيس حزب حشد الوحدوي، أبوفواز، من السلوك الإجرامي لفلول النظام المباد، وقال إن الاعتقالات والعنف يُفترض أنه بديهي في بلاد منكوبة تماما: لأن فعل الاعتقال والخطف أصبح طبيعيا وأكثر تواترا.

وأردف: “جميعنا لن ننجو من معركة كسر العظم”، وأضاف أن الاعتقالات التي تمت لمعتصمي سوق الخناق ستحدث لبقية قوى الثورة، وذكر أبوفواز أن على الجميع الانتباه .

الفلول

واتهم المحلل السياسي صديق فاروق فلول النظام المباد بتدبير حوادث العنف، وقال إنهم أصبحوا يتحركون بخطى متسارعة، لقطع الطريق أمام الثورة، ووضع العراقيل أمام الثوار.

صراع مكشوف

ويرى أن أنصار التسوية وفلول النظام المباد يتخفون وراء الانقلابيين، لافتا الى أن المصالح الاقتصادية المشتركة سمحت لهم بالتحرك المسلح، مشيرا إلى أن فلول النظام المباد يسيطرون على جهاز الدولة بالكامل، لذلك أصبحت مظاهر العنف مرتبطة بهم.
وقطع بأن أي توظيف للعنف سيجد رفضا مشددا من قبل الشارع الثوري الرافض لوجود الفلول وأنصار التسوية.

وأضاف فاروق: الصراع أصبح مكشوفا، فهناك قوى ثورية تعتمد على السلمية ، وأخرى مسلحة تميل إلى العنف والفوضى، وطرفا الصراع ذهبا بعيدا، فالقوى المسلحة لا تملك سوى خلق مناخ مسموم، يدفع ثمنه السودان كله، أما القوى الثورية فأصبحت أقوى وأكثر دِربة وخبرة في مقارعة العنف ومواجهته، بسلاح أقوى وهو السلمية التي أنهت نظام المؤتمر الوطني.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *