صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

الخارج في مرآة “قوى الحرية والتغيير”

الثورة السودانية

شارك هذه الصفحة

إذا كانت قوى الحرية والتغيير تعاني على المستوى الداخلي، وتستهدفها مواكب الثوار التي أفقدتها الكثير من رومانسيتها، فإن معاناتها الخارجية لا تقل فداحة، فما زالت تواجه مشقة بالغة في عملية الاتصال بدول مهمة بالنسبة للشأن السوداني. وإعلاميا ما زالت ضحية لمحطات تلفزيونية خارجية يأتي فيها الخطاب مرتجلا. في هذا الاستطلاع قدمت (الحداثة) فرضيات لمجموعة من المحللين السياسيين لرؤية الخارج في مرآة هذا التحالف الذي انتدب نفسه لاستعادة التحول المدني الديمقراطي.. إليكم الحصيلة.

فاعلية قوى الحرية والتغيير داخليا تغنيها عن علاقات خاجية

إلى حد ما. لكن تظل قوى الحرية والتغيير تعاني داخليا، ومن مظاهر ذلك أنها ما زال بطيئة في الإعلان عن تفاصيل الاتفاق السياسي الإطاري الموقع في الأسبوع الأول من ديسمبر، وهذا ما أحدث ربكة سياسية كبيرة، سمحت بتسريب بنود مفبركة للاتفاق، وظلت متداولة في الأسافير. وبالطبع كان لهذا تأثيره على علاقة قوى الحرية والتغيير بلجان المقاومة.

بطريقة أخرى، هناك حالة من التردد في التواصل بين قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، بسبب أن قوى الحرية والتغيير تعاني حالة خوف من سطوة لجان المقاومة في الشارع، وإصرار الأخيرة على طرح اللاءات الثلاث: “لا تفاوض لا شراكة لا مساومة”. وفي ذات الوقت، لدى قوى الحرية والتغيير قناعة بأن الطريق المناسب للحظة الراهنة هو طريق العملية السياسية، وخارج هذه القناعة هي معرضة أيضا لضغوط خارجية من طرفين: الآلية الثلاثية ومجموعة الرباعية: أميركا بريطانيا السعودية والإمارات. هذه المؤثرات جعلت فاعليتها الداخلية ليست بالمستوى المطلوب، حتى أنها لم تسوق للاتفاق السياسي الإطاري وسط الجماهير بالمستوى الذي يتناسب مع حجم نصوص هذا الاتفاق. وفي الواقع هناك عوامل داخلية مؤثرة، مثل الخلافات داخل قوى الحرية والتغيير نفسها حول كيفية المضي في خطوات إنفاذ الاتفاق.

وفي كل الأحوال، التحركات الديبلوماسية الإقليمية لقوى الحرية والتغيير ليست بالمستوى المطلوب، وتواصلها ضعيف مع عدد من دول الجوار، على رأسها مصر وإثيوبيا وإريتريا وليبيا وجنوب السودان الذي تكتفي بالوسيط فقط عندما يحضر إلى الخرطوم. لذلك فإن الخطوة المعلنة للأيام المقبلة ورغبة قوى الحرية والتغيير في التواصل مع دول الجوار هي خطوة جيدة وإن جاءت متأخرة.

عبد المنعم أبو إدريس. محلل سياسي مختص في القرن الإفريقي

لدى قوى الحرية والتغيير حضورها الممتاز في محيط السودان الأفريقي

خطأ. إذا كانت قوى الحرية والتغيير قوية في هذا الجانب فبفضل قوة (الترويكا) المشرفة حاليا على الشأن السياسي السوداني.

تاريخيا، وبعد انقلاب الإنقاذ في 1989، رأينا كيف أن تحالف (التجمع الوطني الديمقراطي) كان يتمدد سريعا إلى الخارج، وكيف كان يقيم مكاتبه في كل العواصم الإقليمية والدولية ذات صلة بالملف السوداني. هذه الحيوية سببت مصاعب جمة للإنقاذ، وكانت سببا من أسباب إحكام الحصار على النظام من العالم الخارجي. بعكس تلك الحيوية، ظهر تحالف (قوى إعلان الحرية) بائسا وضعيفا وغير فاعل في المحيط الإقليمي والدولي.

وفي الواقع لم نشهد أي علاقات أو أي فعل سياسي خارجي يقوي من موقف الجبهة المعادية للانقلاب الأخير. أقصى ما فعلته قيادات الحرية والتغيير هو التواصل في الداخل مع جهات هي في الأصل رافضة لانقلاب 25 أكتوبر، ولم تحاول حتى اختراق الحليف الأقوى للانقلاب وتحييده، على الأقل دولة مصر، رغم أن ذلك لم يكن يحتاج لمجهود جبار؛ فمصر، عضو الاتحاد الإفريقي، ملزمة بعدم شرعنة انقلاب 25 أكتوبر. وكل ما يحدث من تقدم الآن هو نتاج رغبة دولية وإقليمية ساعدت في حصار الانقلاب وليس لقيادات الحرية والتغيير أي دور في ذلك.

صديق الأنصاري. ناشط سياسي

قدمت قوى الحرية والتغيير خطابا مطمئنا لدول الجوار

خطأ. في الواقع، ومنذ النسخة الأولى من الحكومة الانتقالية كانت هناك معطيات تتحكم في رسم العلاقة مع الخارج، منها أن العسكريين كانت لديهم بعض نقاط القوة التي تجعلهم بكفاءة عالية في عملية الاتصال بدول الجوار وما هو أبعد من دول الجوار، وكذلك كانوا هم الأقدر على التخطيط لمصالح مشتركة (بما في ذلك الانقلاب على الحكومة الانتقالية)، هذا في حال مقارنة العسكريين بقوى الحرية والتغيير ذات الطبيعة غير المتجانسة والخلفيات السياسية المتباينة، فضلا عن أن الحكومة الانتقالية التي تحتضنها قوى الحرية والتغيير كانت مواجهة بأزمة اقتصادية لم تساعدها في اعتماد سياسة خارجية مستقلة، وقد بدا ذلك بوضوح في لقاء عبد الفتاح البرهان ونتنياهو (فبراير 2020) المختلف حولها في ذلك الوقت.

فإذا كان الشق المدني وقتها استأثر بالعلاقة مع الدول الغربية، فإن الأمر كان لصالح العسكريين في إدارة العلاقات مع دول الخليج، حيث لم يزر رئيس الوزراء أو وزيرة الخارجية واحدة من هذه الدول بشكل منفرد، وحتى قبل توقيع (الوثيقة الدستورية) فإن البرهان ومحمد حمدان حميدتي قاما بأكثر من 20 زيارة إلى دول الجوار والخليج العربي.. وما زالت يدهم هي الأطول.

ديبلوماسية قوى الحرية والتغيير هي الأنسب في الوقت الراهن

خطأ. ولإجابة معمقة لهذه الفرضية، فإنه يلزمنا، قبل أي شيء، التأمل جيدا في منطق تشكيل قوى الحرية والتغيير التي هي أصلا تحالف يفتقد للانسجام على المستوى البنيوي، والمستوى السياسي، والمستوى الاستراتيجي، والمستوى التشغيلي.

فمن ناحية المستوى الهيكلي، فتحالف قوى الحرية والتغيير يضم في هيكله، مثلا، مكونات حزبية ومهنية ومدنية وعسكرية. أما من حيث المستوى السياسي فإن المكونات التي تشكل تحالف قوى الحرية والتغيير لها برامج سياسية شديدة التباين فيما بينها، ولبعضها خصمومات تاريخية، لكنها لم تزل حية تغذي المواقف والأحكام. فضلا عن أن هذه المكونات متباينة سياسيا حتى على صعيد الكتل الداخلية التي تشكل تحالفا صغيرا داخل هذا التحالف الكبير.

وعلى المستوى الاستراتيجي، ليس هناك رؤية سياسية متفق عليها، ومنا هنا لم يكن من المأمول فيه أن يستمر تحالف قوى الحرية والتغيير كتحالف استراتيجي موحد.

أما من حيث المستوى التشغيلي فإن التباين يصل إلى حد مزعج، لكون أن المسألة التنفيدية تعكس التباين الهيكلي والتباين السياسي والتباين الاستراتيجي. وبالنظر إلى أداء تحالف الحرية والتغيير في الاتصال السياسي الخارجي وإدارة وزارة الخارجية؛ فإن المنتج كان ضعفا في طرح القضايا، وبه خلل بين في الحفاظ على السيادة، وبؤسا واضحا في إدارة السفارات بما يحقق مصلحة السودان، وبما يقود إلى استقطاب التعاون الدولي وتوجيهه بما يخدم مشروع التحول الديموقراطي، بل إن الضعف الإداري والدبلوماسي بدأ واضحا حتى في تنشيط وتوسيع العلاقات الخارجية التي تقزمت وأصابها الانقطاع. ولقد امتد أثر ذلك الضعف حتى شمل مسائل روتينية مثل ضرورة وزن حجم البعثات بما يتسق وحجم المصلحة. وفضلا عن ذلك، فقد أصاب الضعف حتى آليات متابعة ملفات إعفاء الديون وتنسيق المواقف الدبلوماسية العامة.

عليه، فإنه يتعذر القول بأن دبلوماسية قوى الحرية والتغيير هي الدبلوماسية المرجوة، لا سيما من حاضنة سياسية ترك لها شأن الدولة كله لكي توحده وتديره بتناسق وتنسيق، لكنها عجزت عن الوفاء بذلك، مثلما عجزت عن النجاح في خلق التناسق والاتساق داخلها حيث فقدت حتى وحدتها الهشة.

د. فتح الرحمن التوم. رئيس قسم الفلسفة بجامعة النيلين


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *